رسالة

الدكتور / عطا الله ابو السبح

 

العودة إلى صفحة الرسالة

رسالة رقم 65

الى الاخ / توفيق ابو خوصة

الاخ الفاضل توفيق.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وقفت طويلا امام المقالات التي نشرت في (النشرة) التي اخذت على عاتقها نشر ردود على ما جاء على لسان الشيخ المجاهد احمد ياسين من كلمات، واراء في قناة الجزيرة ، واصدقك القول: انني لم افاجأ كثيرا ببعض ما قرأت ، ولم اعره كثير اهتمام، ولكن استوقفني مقالك لأمور ، دعني اجملها فيما يلي:

اولا: ان كلامك بمثابة شهادة على تاريخ حركة ، يحتل الشيخ مكان الصدارة فيها، وهذه الحركة تحتل في وجدان الشعب الفلسطيني وتاريخه مكانا هاما جدا، الامر الذي يتوجب منك ان تتريث طويلا ، كيلا تندفع بفعل ردة الفعل (العاطفي) وتقع فيما وقع فيه غيرك ، ممن لا شأن لنا بكلامه مهما يقل او يفعل.

ثانيا: ان الشيخ الذي كان مضرب المثل للمجاهد الفلسطيني الصابر الذي قهر سجانيه وجلاديه ، ولم يبال بقيد ولا زنزانة قد احتل مكانا في قلوب المناضلين في ارجاء الارض ، ولهج باسمه كل لسان ، وكانت مواقفه وكلماته تحتل مكان الصدارة في نشرات وكالات الانباء واخبارها، الامر الذي يحتم على شعبنا ان يقيل عثراته ان عثر ، وان يلتمس له الف عذر ان ندّت منه هفوة ، كما ينبغي لشعبنا ان يمد له كل اياديه لتسنده ان اوشك ان يكبو فما بالك ان كبا.

ثالثا: ان الشيخ الذي استقبل استقبال الفاتحين في العواصم ، وخفت للترحيب به الملوك والرؤساء ، وهفت اليه قلوب انصار الحرية يمثل قيمة فلسطينية في المقام الاول ، ما كان ينبغي لقلم يحمله نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين ان ينزلق حيث انزلقت اقلام اقل شأنا ، فنالت من هذه القيمة الفلسطينية ، الامر الذي يطلق العنان لكل موتور او متربص للنيل من أي قيمة وبأي لغة. ومن منا قد بلغ الكمال يا اخ توفيق.

رابعا: ان ربط اسم الشيخ بالنازي (ابو صبري) اثار استهجاني واستيائي ، فأنت من الجيل الذي زامل تلامذة الشيخ في ساحة النضال، او في السجون ، فهل يعقل يا اخ توفيق ان رجالا لا اشك انك تشهد لهم بالبطولة امثال : يحيى السنوار ، روحي مشتهى ، محمد ابو عطايا, ابراهيم المقادمة ، عبد العزيز الرنتيسي ، صلاح شحادة .. وغيرهم وغيرهم ممن سرت في كياناتهم روح الشيخ، كما زاملت من تتلمذوا على تلامذة الشيخ امثال : عماد عقل، يحيى عياش ، ياسر الحسنات, طارق دخان ، حامد القريناوي وغيرهم .. هل يعقل ان يكونوا صنائع اليهود؟ الا يهدم ذلك جانبا مشرقا من تاريخ شعبنا الجهادي ، والذي بوأه اسمى مكان في تاريخ الانسانية ، التي تقدس الاحرار والمناضلين الذين يتحدون الباطل، ويحاربون الظلم ، ويحرصون على الموت والشهادة لتنعم شعوبهم بالعزة والكرامة والحرية ، تذوب معاصمهم في القيود ليحطموا القيود  عن معاصم شعبهم ، كيف ستفهم الشعوب ذلك على ضوء ما كتبت يا اخ توفيق في الشيخ و (ابو صبري) وتسليحه (لتصفية قائمة طويلة من الشخصيات الوطنية الملتزمة بـ : م.ت.ف وفصائلها!!) ، وكيف سيفهم اطفالنا عندما يقرأون ما كتبت؟.. يا الهي كم هي قاسية , ظالمة كلماتك يا اخ توفيق وليت غيرك قالها.

خامسا: ان اصدار مثل هذه الاحكام يا اخ توفيق بهذه السهولة سواء في الرضا او الغضب ليس منهجا ربانيا او حضاريا ، فربنا جل في علاه يقول "ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى"، ولا يخفى عليك ابدا معناه ، وان عدم التزامه هو الدمار الدنيوي والاخروي ، ومن المعلوم ان العدل اساس الملك ، والعدل لصاحب القلم ألزم ، فإن التزمه .. التزمه كل من قرأ له، وان حاد عنه.. حاد عنه كل من قرأ له، ولا اظنك تحب ان تكون الثاني.

سادسا: اعلم انك -كأبناء جيلك- قد عشت صراعا، انشب اظفاره في قلب تاريخنا في الثمانينيات ، وعانيت ما عانى غيرك من ابناء (المجمع) و (الشبيبة) و .. لكن ما ان هبّ شعبنا هبته المباركة في انتفاضته المباركة حتى توحد الصف، والتأم الشمل في اخوة نضال، وكفاح ، وجهاد، ما احلاها من وحدة ، وما اعذبها من ذكرى ، وكان الشيخ احد رموزها وقادتها، واقسم بالله ما كان فيها الا مفتاحا لخير ، ومغلاقا لشر، لم ينكص , ولم يخطف بصره بريق، ولم يرهبه وعيد ، وكان من اثقل الرجال حملا، واكبرهم هما, وانا على يقين انك على يقين من صحة ما اقول ، ذاك اني اعلم انك ممن يعلم اقدار الرجال، ويعلم من اعطى بصدق ، ومن كذب ، ومن يعطي بصدق ، ومن يكذب، وان اخطأ الصادقون فلا يخرجهم ذلك من دائرة الاجتهاد ، هكذا يقضي العقل، ومن الظلم البشع ان نبالغ في اخطاء الصادقين ، لنجعلهم في مصاف الكاذبين الخونة، والا، فهي اسوأ سنّة ، وأشأم مرضعة، واجحد فاطمة.

سابعا: يعلم الله انني ممن اعترض على ما نال به الشيخ رجالا ، منهم من مضى ، ومنهم من لم يمض ، وكنت وما زلت ممن تمنى ان يتوقف بث الحلقات، اذ لا ينبغي لرجل في مكانة الشيخ ان ينال من شخصيات ، او هيئات ، وان خالفهم الرأي ، ويعلم الله انني لا انصب من نفسي مدافعا عن الخطأ ، ولكنني ارفض تهويل الاخطاء ، كما انني ارفض التهوين من شأنها، فإن لم يكن لك من بد من مناقشة ما جاء على لسان  الشيخ، فلتناقشه في حدود ما قال، واطاره ، ولكن الذي كتبه قلمك قد كان غير ذلك ، وليته ما كان، فإنه يوغر صدور الاولياء ، ويثلج صدور الشانئين ، ويكشف مقاتلنا لخصومنا، وهم كثر، سواء من ابناء جلدتنا، او من اعدائنا، واظنك قد اخذت على الشيخ ذلك ، فلماذا يا اخ توفيق تقع فيه؟

ثامنا: لقد طلبت الى الشيخ ان يعتذر صراحة، قد اوافقك الرأي ، ولكن ما معنى سخريتك من اعتذاره الذي لم يعجبك ؟ وجعلت من ذلك عنوانا لمقالك (اعتذار "الزعيم" عن شاهد ما شافش حاجة) بما يذكر بأفلام هابطة تشوه التاريخ، وبمسرحيات تافهة ساقطة لا وزن لها في ميزان ادب او فن، وان اعتذر الشيخ بما يعجبك ، فكيف لك ان ترأب صدعا احدثته كلماتك، والتي اساءت لتاريخ الشيخ وشرفه وجهاده ، وهو جزء هام من تاريخ شعبنا؟ هل ستعتذر ؟ وما الاثر الذي سيحدثه اعتذارك -ان اعتذرت- في نفوس القرّاء من محبين وكارهين؟

لحاها الله انباء توالت

                  على سمع الولي بما يشق

ولك الله يا شعبي.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل