التقارب بين الجبهة والسلطة هل يوقف العنف في الجزائر ؟

 

العودة إلى صفحة الرسالة

خاص بالرسالة

على الرغم من الجدل الذي اثير حول الطريقة التي وصل بها عبد العزيز بوتفليقة الى سدة الرئاسة في الجزائر بسبب انسحاب المرشحين الستة الذين اتهموا السلطة بتزوير الانتخابات وحسمها سلفاً فضلاً عن اتهام بوتفليقة بأنه مرشح الجيش .

على الرغم من ذلك فإن السياسات التي بدأ ينتهجها الرئيس الحالي بدأت تثير اهتمام المراقبين للشأن الجزائري سواء في القضايا الداخلية اوالخارجية بما يوحي بأنه عازم على التغيير عبر عدد من الملفات الساخنة التي وعد الجزائريين -اثناء حملته الانتخابية- بوضع حلول لها واهمها الملف الامني والملف الاقتصادي والوحدة الوطنية والعلاقات مع الدول العربية خاصة المغرب وتحسين صورة الجزائر امام المحافل الدولية وهي ملفات تشكل معادلة صعبة وستحدد الطريقة التي سيتعامل بها مع هذه المعادلة، الى حد كبير، مستقبله السياسي خصوصاً ان جميع الرؤساء الذين سبقوه وعايشوا الازمة منذ بدايتها فشلوا في علاج هذه الملفات وخاصة الملف الامني والمصالحة الوطنية ويعود ذلك لاسباب لا تخفى على احد ليس أقلها تدخل المؤسسة العسكرية او جهات فيها لاحباط كل محاولات المصالحة وهذا يذكرنا بما فعله الجناح"الاستئصالي" في الجيش زمن الرئيس زروال عندما طرح مبادرات للحوار مع الاسلاميين فقام هذا الجناح بالعديد من عمليات الذبح البشعة ، وخاصة في صفوف اطفال ونساء اعضاء الجبهة الاسلامية بهدف احباط هذه المبادرات والايحاء بأن المؤسسة الرئاسية ضعيفة وغير قادرة على الحفاظ على الاستقرار السياسي والامني وبالتالي فشلت هذه المبادرات وهو ما ادركه زروال الذي ادرك ايضاً انه لن يستطيع التوفيق بين المصالحة ورغبات الجيش فقرر تبكير الانتخابات التي جرت في ابريل الماضي وجاءت بالرئيس بوتفليقة .

ولكن يبدو ان الرئيس الحالي، المخضرم في عالم السياسة، كان يدرك هذه المعادلة وهو يطرح شعاراته الانتخابية ويبدو انه كان يحمل ضمانات عديدة من اوساط مختلفة في الجزائر خاصة من الجيش والجمهور والعديد من القوى السياسية العلمانية والاسلامية جعلته يوافق على دخول اللعبة السياسية رغم خطورتها .

ونظرة سريعة الى الخطاب التاريخي الذي ألقاه على الامة الجزائرية والذي كان طويلاً ويكتنفه الغموض في آن واحد ويبدو ان هذا الغموض الخطابي كان مقصوداً ويدل على حنكة سياسية تميز بها بوتفليقة عبر تاريخه الطويل، فهو لا يريد اثارة الاطراف المتعارضة التي تحكم اللعبة السياسية الجزائرية ومحاولة لابقائها في دائرة الاهتمام بما يجري على الساحة السياسية من تغيير واشغالها بالتفكير بما يخططه الرئيس للمستقبل الجزائري ، فهو من جهة اكد على انه سيحاسب المجرمين والقتلة ولكنه في نفس الوقت ابقى الباب مفتوحاً امام تحقيق مصالحة وطنية ، كما تضمن الخطاب تصورات الرئيس في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والخارجية .

وفي محاولة ذكية قام الرئيس الجديد بخطوات هامة تبعث على ارتياح الجماهير وتعطي لديهم انطباعاً خاصاً بأن رياح التغيير بدأت تهب على الجزائر حيث بدأ بحملة >تطهير< في الاجهزة المدنية والامنية والمؤسسة الرئاسية فاستبدل العديد من الشخصيات المسؤولة في العهد الماضي بشخصيات اخرى لتدعيم خطه السياسي والاقتصادي والامني الجديد.

وفي تطور مهم يأتي منسجماً مع السلوك الرئاسي جاء اعلان زعيم الجناح المسلح للجبهة الاسلامية للانقاذ بالاستعداد للتعاون مع الرئيس ووقف العمل المسلح وتحقيق المصالحة الوطنية ودعوته للجماعات المسلحة الاخرى للانضمام الى الجبهة في هذا النهج وقد وجد اعلان الجناح المسلح للجبهة صدى ايجابيا في المؤسسة الرئاسية التي اعلنت انها ستعلن عن مشروع قانون جديد لم يعلن عن فحواه بعد وكان من المتوقع ان يتضمن الافراج عن المعتقلين السياسيين والبدء باعادة الجبهة الاسلامية الى الحياة السياسية في الجزائر وسيعمد بوتفليقة الى تغطية قانونية لمشروعه من خلال البرلمان الجزائري او عرضه على الشعب للاستفتاء وهي خطوات -ان حدثت- تسير بالاتجاه الصحيح ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن : الى اي حد يمكن ان ينجح خطة المصالحة بين السلطة والجبهة؟ وفيما لو نجحت هل يعني ذلك ان العنف سيتوقف ؟!

المشكلة ان المعادلة السياسية في الجزائر معقدة ومتشابكة ويتجاذبها اطراف عديدة وكل خيوطها ليست بيد الرئيس والجبهة ، فلا يخفى على احد ان جهات معينة في الجيش لازالت ترفض المصالحة مع اي جهة اسلامية ولا تفرق بين المعتدلين والمتشددين وتؤيد خيار >الاستئصال< فضلاً عن الصراع الذي يسود اروقة الجيش بين القوى الفرانكفونية والديمقراطية وهو صراع يعكس في حقيقته صراعا بين قوى استئصالية وقوى تريد الوصول الى حل وسط يوقف نزيف الدم ويعيد الحياة الديمقراطية الى الجزائر وفي المقابل هناك جهات اسلامية متشددة ترفض المصالحة مع السلطة وتعتبر الهدنة الموقعة بين الجبهة الاسلامية والسلطة >خيانة< وتوجه حربها ليس فقط للجيش بل لبعض المناصرين للجبهة خاصة للمتحمسين منهم لمهادنة السلطة ومن خطورة هذه الجماعات انها صغيرة ومشتتة وغير موحدة تحت زعيم محدد يمكن التحاور معه . وليس مصادفة حدوث العملية البشعة التي اودت بحياة (19) جزائرياً غداة ما رشح من انباء حول المصالحة الوطنية !

ومن العوامل المعيقة للمصالحة كذلك معارضة عدد من الاحزاب العلمانية الفرانكفونية وهي احزاب متشددة في معارضتها للاصوليين اياً كانوا وبالتالي فإنه من المبكر الحديث عن انتصار توجه المصالحة المنوي عقده في الفترةالقادمة ولكن بوتفليقة سيحاول بذل جهد كبير في هذا الاتجاه حتى يحقق برامجه الاقتصادية التي وعد بها وهو يسير في ذلك باتجاهين الاول اعادة ترتيب مركز القرار في الجيش بما يخدم الكتلة العسكرية التي دعمته في الانتخابات والثاني حل المشكلة مع الجبهة بما يجعل من الجماعات الاسلامية الاخرى جماعات هامشية تأخذ مشكلتها الصبغة الامنية وليس السياسية وحتى يغطي بوتفليقة على هذه الخطوات يتوقع منه ان يقوم بتشكيل حكومي جديد يراعي فيه عدة مزايا تتمثل في الموازنة في التشكيل بحيث يضم وزراء دعموه في الانتخابات على سبيل المكافأة ، كما انها ستضم وزراء من التكنوقراط ومقربين من الجيش وآخرون لهم علاقات خارجية لتحسين الوضع الدولي خاصة مع الولايات المتحدة الامريكية ، كما انه ربما يعمل على اجراء انتخابات برلمانية توفر له الدعم حتى لا يكون اسير غالبية ليست له كما هو الحال الآن .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل