عندما يتحدث مفكروا العم سام عن حالهم

 

العودة إلى صفحة الرسالة


يسهب زبينو برجينسكي مستشار الامن القومي في عهد الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر في الحديث عن مدى التناقض الذي يميز نظرة العالم للولايات المتحدة بسبب احتكارها اسباب المنعة والقوة العالمية بابعادها الاربعة: تفوق عسكري كاسح، دور اقتصادي عالمي تستحيل منافسته، جذب فكري وثقافي ، الهيمنة على مجريات السياسة العالمية ، في حين ان واقع امريكا الداخلي لا يرشحها لذلك ، وفي كتابه "الفوضى" يؤكد برجينسكي ان هذه الابعاد الاربعة جعلت شعوبا كثيرة في العالم ترى ان امريكا الدولة العظمى المحفزة وموضوع الاعجاب والتقليد ، وقد سلم العالم بهيمنتها على تفاعل الافكار العالمية. ونظرا للمبالغة في الاعجاب بدور امريكا فيقصدها لتلقي العلم اكثر من نصف مليون طالب اجنبي في العام الواحد ، وهو اضعاف ما تستقبله اي دولة اخرى في العالم، كما ان 80% من البث العالمي الذي تعرضه شاشات التلفزة في العالم اعد في امريكا ، الى ذلك فإن 50% من الافلام العالمية امريكية ، من هنا فإن برجينسكي يرى ان العالم قد اصيب بعدوى القيم والصور التي يفرضها التلفاز الامريكي ، وهذا ما يطلق عليه الكثير من المفكرين في العالم بـ "الامبريالية الثقافية" .. لكن هل حقا تستحق الولايات المتحدة ان تكون مصدرا للقيم في العالم حتى وان حازت على مفاتيح القوة الاقتصادية والعسكرية؟؟. تقرير صدر مؤخرا في واشنطن يسلط الاضواء على مظاهر البؤس التي يعاني منها المجتمع الامريكي.

فحسب هذا التقرير الذي يعلق عليه برجينسكي في كتابه يتضح ان مستوى التعليم في امريكا متدن جدا مقارنة بالدول الاوروبية وحتى تلك في جنوب شرق اسيا، ويجزم التقرير بوجود 23 مليون مواطن امريكي يعيشون في جهل تام، ويرسم التقرير ايضا صورة قاتمة لاوضاع الفقراء في امريكا حيث ان الاحياء التي يعيشون فيها تتميز بانعدام وجود بنية تحتية تصلح للعيش الادمي ، كما ان هناك طبقة ثرية جشعة تتحكم في الدخل القومي ، فهناك 10% من الامريكيين يحوزون على 50% تقريبا من الدخل القومي ، في حين ان 30% من الامريكيين يتحكمون فقط في 8.3% من الدخل وانتشار الجريمة والعنف في المجتمع يتأثر بالاصول العرقية والاوضاع المادية، فعلى الرغم من ان السود يشكلون 12% من تعداد السكان الا ان 50% من نزلاء السجون في امريكا هم من السود ، وقد تشكلت ملامح ثقافة جديدة في امريكا تسمى "ثقافة المخدرات" على اعتبار ان هذه السموم قد اصبحت نمط هروب نفسي من المشاكل التي يعانيها الامريكيون ، فضلا عن ان المخدرات قد تحولت الى مصدر للثراء السريع، بحيث قدرت ارباح العاملين في مجال الاتجار بها بـ 100 مليار دولار.

وينذر التقرير بانهيار دور العائلة كمركز للمجتمع الامريكي لاستفحال الاباحة الجنسية والشذوذ الذي ادى الى استشراء "الايدز" الذي يعتبر حاليا احد اهم عوامل استنزاف الخزانة الامريكية ، فضلا عن الدعاية الهائلة للفساد الاخلاقي من خلال الاعلام المرئي. المؤرخ الامريكي تيد هايت يعلق على تورط الرئيس كلنتون في فضيحة ليونسكي واستمرار تأييد الرأي العام له على الرغم من ذلك قائلا "ان امة تقبل ان يقودها شخص على هذا القدر من الانحطاط الاخلاقي لا يمكن ان تستمر في تبوأ قيادة هذا العالم" ، بينما يخلص برجينسكي في ختام كتابه الى القول "ان امريكا بحاجة الى فترة من التأمل الفلسفي والنقد الذاتي ويجب عليها ان تفهم ان المتعة النسبية لا تقدم قواعد اجتماعية عندما تكون دليل الحياة الاساسي ، وان المجتمع الذي لا يوحد افراده الايمان بيقينات مشتركة مطلقة لهو مجتمع مهدد بالانحلال..."
قصارى القول ان من يسلم لمجتمع مثل هذا المجتمع بريادة العالم انما يسلم بما هو عكس طبيعة الاشياء ومنطق التاريخ، واننا نحن معاشر العرب والمسلمين لقادرون -بإذن الله - على طرح بديل حضاري قادر على تجنب التقاطع مع النموذج الغربي في جميع نقاطه المظلمة، لكن الامر يحتاج الى نظم سياسية قادرة على تبني هذا البديل وزعامات مستعدة للخروج عن النص الذي تصيغه امريكا لا زعامات تلقى الله واخر عهدها بالدنيا التآمر مع امريكا من اجل وأد كل محاولة لانطلاق هذا البديل الحضاري!!

** اسد عليّ وفي الحروب نعامة ...

في الاسبوعين الماضيين عمت الفرحة والانشراح قلوب الملايين من ابناء الامة العربية والاسلامية بعد النجاحات العظيمة التي حققها مجاهدو حزب الله بقتلهم جنرالاً وعدداً آخر من الضباط الصهاينة ... لكن بقدر ما اثارت تلك الاحداث الامل في النفوس بقدر ما ادخلت الحسرة في نفوس الاحرار ، فقد كان بالامكان الا يتمكن مجاهدو حزب الله من قتل ضابط اسرائيلي واحد لو كانت الاخلاقيات العسكرية في اسرائيل تتفق مع تلك السائدة في جيوش الدول العربية ، فعندنا الجنرالات يتابعون المعركة من خلال مكاتبهم المكيفة وعبر نظام "التحكم من بعد" ... ولذا فإننا نجد انه خلال حرب العام 67 التي سقط فيها اكبر عدد من القتلى في صفوف الجيوش العربية لم يقتل خلالها جنرال عربي واحد، لان هؤلاء القادة ببساطة لم يكونوا في يوم من الايام على استعداد لخوض معركة قد تحرم احدهم من ملذات الحياة ولو للحظة واحدة .

من هنا فإن الكثير من الكتب التي تحدثت عن اركان الانظمة التي خاضت تلك الحرب تكشف عن مشاغل قادة جيوشنا عشية واثناء الحرب ، ويروي احد الكتب الذي وضعه مسؤول كبير في احد هذه الانظمة "الثورية" كيف ان وزير الدفاع في احد هذه الانظمة كان يقضي الليالي الحمراء مع مطربات وممثلات في فيلا اقامها خصيصاً لهذا الغرض ، ويذكر المؤلف انه عندما ابلغ هذا الوزير بأن الطيران الاسرائيلي يضرب عاصمة بلاده تقاعس عن العودة لمقر القيادة حتى انبلاج الصباح ، في حين ان وزير دفاع دولة اخرى من دول المواجهة العربية يصرح لصحيفة ايطالية انه على استعداد لبيع الدنيا بأسرها من اجل عيون احدى الممثلات الايطاليات ، مع ان موشيه ديان وزير دفاع اسرائيل السابق يفتخر ان اسرائيل قد فقدت 30% من كبار ضباطها اثناء حرب 73، وما ذلك الا بسبب وقوف القادة الاسرائيليين على رأس قواتهم ... من هنا فإننا ،وان كنا نرى باعجاب كبير ما قام به ويقوم به رجال حزب الله ، فإن هذا لا يجعل عاقلاً يتجاهل مواطن القوة في العسكرية الاسرائيلية التي تفرض على منتسبيها انماطاً اخلاقية يكفر بها جنرالات العرب الذين قالت في جبنهم العرب :ـ

يقول جبان القوم في حال سكره وقد شرب الصهباء : هل من مبارزٍ

ففي السكر قيس وابن معدٍ وعامر وفي الصحو تلقاه كبعض العجائز

** بترو اعلام !!!!

كنت اتابع زاويته اليومية الثابتة على موقع صحيفته في الانترنت ، وكنت المس دوما منه الدعوة الى دمقرطة المجتمعات العربية واطلاق الكامن من طاقات جماهيرها ، لكن هذا الكاتب الكبير ورئيس التحرير السابق لاكبر صحيفة في العالم العربي ومقرها لندن ظهر على شاشة احدى الفضائيات العربية ليدافع عن وجود الانظمة الديكتاتورية العفنة في العالم العربي بشقيها الثوري والملكي ( وان كانت كلها ملكية ) ، ويسترسل المثقف الكبير ليصل الى حد القطع بانها الانسب للعالم العربي .... صدور هذا الموقف عن هذا الكاتب طبيعي فهو كما الكثيرين من امثاله يعملون في صحف وفضائيات يملكها امراء السعودية او الخليج ولذا تجده اذا حشر في الزاوية فانه لا يجد بدا الا التسبيح بحمد ولي نعمته ... من هنا فقد استغل امراء البترول امكانياتهم المالية الضخمة لكي يحتكروا المنابر الاعلامية ليسوقوا من خلالها سياسات انظمتهم لدى الجمهور العربي ، والمدهش تهاوي الجانب القيمي لدى الكثير من المثقفين والكتاب العرب فتراهم يغيرون ولاءاتهم تبعا لطبيعة السوق ، فمن يدفع اكثر يحظى باكبر قدر من شهادات الزور ، لا لشيء الا لما لهؤلاء من مال ، لذا فانه لا عجب انه اذا هلك احد ارباب انظمة الجهل والخيانة ان تجد مئات المثقفين يتنافسون في ابراز " مناقب الفقيد " التي لم تكن يوما من الايام ، انه لمن المؤسف الا يجد القاريء والمشاهد العربي الا وسائل الاعلام التي يملكها شيوخ النفط لتكون المصدر الوحيد للمعلومة لملايين العرب ، في حين يحتكر الكتابة في هذه الصحف شلة من المنافقين والنفعيين الجاهزين لعمل كل شيء الا قول الحقيقة ، وقد صدق المتنبي فيهم حين قال :ـ

ان يعلموا خيرا اخفوه وان علموا شرا اذاعوه وان لم يعلموا كذبوا

** ويبقى الاماجد

كم يلتاع المرء عندما يرى اثرياء اليهود يفدون من كل صوب وحدب لكي يستثمروا في مشاريع التهويد والاستيطان بينما ينفق الكثير من اثرياء العرب الالاف المؤلفة على صغائر الامور ... لكن ذلك لا يمكن تعميمه على جميع الاثرياء العرب ، فهناك منهم من وهب ماله لما يعلو به شأو الامة وابناؤها ، ومن هؤلاء الخيرين الاكارم الشيخ جمعة الماجد من دبي الذي ينفق ملايين الدولارات من ماله الخاص على اقامة المدارس الاسلامية في بلدان الغرب واسس جامعة خاصة للطالبات المسلمات في شرق اسيا ، كما انشأ صندوق مال لتقديم المساعدة لفقراء المسلمين في دول افريقيا ومنع بذلك سقوط الكثيرين منهم في حبائل البعثات التبشيرية التي تستغل فقر مسلمي افريقيا من اجل تنصيرهم ، والماجد ايضا موّل العديد من مراكز البحوث التي تعنى بالتراث والحضارة الاسلامية ، وهو يقوم بتخصيص منح دراسية لالاف الطلبة المسلمين في الكثير من دول العالم الفقيرة .... ان هذا ان دل على شيء انما يدل على ان هذه الامة لازال فيها من ذوي الهمم العالية والنفوس الكريمة .... اما اصحاب الخنا والرذائل الذين ينفق احدهم 100 الف دولار على علاج قط بريطاني فقد صدق فيهم قول ابي الاسود الدؤلي :ـ

من الناس من يغشى الاباعد نفعه ويشقى به حتى الممات الاقارب

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل