ليس بالنوايا الطيبة أو الكتيكات المستعجلة تعالج القضايا

نهاد الشيخ خليل

العودة إلى صفحة الرسالة

على ضوء اكتمال فرض الوقائع الاسرائيلية على الارض

ليس بالنوايا الطيبة او التكتيكات المستعجلة تعالج القضايا

نهاد الشيخ خليل

رغم كل ما يمكن ان يقال عن مأزق العملية السياسية وتعثرها او موتها اكلينيكيا الا ان الاطراف المشاركة في هذه العملية تسعى بكل جهد لتحريكها في القنوات التي يرغبون حتى تصل الى المحطة التي يأملها كل طرف، لكن يبدو ان الامر الاكثر اهمية في عملية من هذا النوع ليس الرغبات او الامال ، وانما القدرة.

صحيح ان الامور ظاهريا تبدو وكأنها امام مفترق طرق احد تفرعاته هي المواجهة الحتمية، وربما ان ما حدث في شأن بيت الشرق يدل على ذلك ، لكن التجربة اثبتت ان المواجهة امكانية غير قائمة ، الا في حالات نادرة وقصيرة الامد، وان قدرة الاطراف على ضبط الامور كبيرة.

رغم العدوان الاسرائيلي الشرس على الانسان والارض الفلسطينية ، ورغم المظالم الكثيرة الواقعة على كاهل الشعب الفلسطيني ، وحتى تتضح الصورة فيما هو قادم من الايام لابد من استعراض توجهات الاطراف الرئيسة الثلاثة في العملية السياسية امريكا واسرائيل والسلطة من خلال التقاط بعض المؤشرات الدالة عليها.

يسعى الامريكيون من خلال الحضور والغياب ، وعن طريق الاهتمام والاهمال، وبواسطة الترغيب والترهيب ، يسعون الى تحقيق ثلاثة اهداف ، اولها : الزام الفلسطينيين بالاستمرار في عملية السلام كخيار استراتيجي لا رجعة عنه مهما كانت الظروف ومهما بلغت العنجهية الاسرائيلية ، وثانيها : تقريب الموقف الفلسطيني وبشكل مستمر من وجهة النظر الاسرائيلية ، وثالثها : ابقاء آمال الفلسطينيين حية بعملية السلام.

ولتحقيق هذه الاهداف تستخدم الولايات المتحدة المساعدات المالية التي لا تستغني عنها السلطة للضغط. وتقدم الوعود بالتدخل لاستئناف المفاوضات وضمان استمرارها للاغراء ، وفي ذات الوقت توظف الكلمات المنمقة والمعسولة التي تبعث على الارتياح في النفس الفلسطينية ، وفي ذات الوقت تضرب حجابا بهذه الكلمات بستر الحقائق السافرة والنوايا الكامنة والالغام المستترة وراء هذه الوعود والكلمات.

وتمثل رسالة الضمانات الامريكية التي ارسلها كلنتون للمجلس المركزي نموذجا صارخا على ما تقدم ، ويتلخص فيها مجمل الموقف الامريكي ، ولعل اخطر ما فيها حسب ما ذكر عدد من المراقبين هو دعوتها للدخول مباشرة في مفاوضات الوضع الدائم بعد الانتخابات الاسرائيلية ، ووجه الخطر يتمثل في ان هذه فكرة نتنياهو التي طرحها قبل ثلاث سنوات عشية استلامه للسلطة ، والهدف منها هو القفز عن تطبيق قضايا المرحلة الانتقالية ، بل اكثر من ذلك حيث ستستخدم قضايا المرحلة الانتقالية مثل الممر او المرور الامن واعادة الانتشار وغيرها للمساومة بشأن قضايا المرحلة النهائية.

كما ان هذا الامر سيمكن اي رئيس وزراء اسرائيلي قادم سواء براك او نتنياهو من التنصل من تطبيق ما تبقى من قضايا المرحلة الانتقالية بحجة الاستجابة للجهود الامريكية ، وحينها سيمارس الامريكان ضغوطهم على المفاوض الفلسطيني لكي يقبل بهذا الامر.

اما السلطة الفلسطينية فتبدو مرتبكة ، فهي من جهة تريد الحفاظ على "الصداقة" مع الامريكان ، فتكيل المديح لكل تصريح او خطوة يقومون بها ، وتستجيب لكل طلب او نصيحة يتقدمون بها ، وتحاول استكشاف الجوانب الايجابية المستترة وراء الكلمات او المختبئة وراء السطور في كل ما تقوله وتعلنه الولايات المتحدة ، لكنها رغم ذلك تعرب عن قلقها من خلال بعض التحركات ، فمثلا بعد تلقي السلطة للرسالة الامريكية سابقة الذكر سافر عريقات للولايات المتحدة حاملا رسالة من الرئيس عرفات ، قال عريقات انها تتضمن مطالبة الامريكان بالزام اسرائيل بتطبيق قضايا المرحلة الانتقالية ، وفي هذا تعبير عن القلق والخوف من اهمال هذه القضايا اذا ما تم البدء في مفاوضات الحل الدائم.

وبعد ان تم التمديد -ضمنيا- للمرحلة الانتقالية ، اخذت السلطة تركز على القرار 181 كاساس للاعلان عن الدولة بصفته قرارا دوليا يصلح لحشد التأييد للدولة على اساسه ، لكن هذا القرار يواجه عدة اشكاليات ، فاعتراف السلطة باسرائيل وفق حدودها الحالية هو تعد على القرار 181 ، وكذلك مطالبة السلطة باقامة الدولة الفلسطينية في حدود 1967 تعد اخر على هذا القرار.

والقرار نفسه لا يعتبر مرجعية للعملية السياسية ، ولم يرد ذكره في الاتفاقيات اطلاقا، كما ان التجربة اثبتت ان السلطة لا تطرح الامور بشكل استراتيجي ، وانما بشكل تكتيكي ، وهنا فإن ما يُخشى منه هو خضوع السلطة للضغط لكي تقر ان القرار المذكور ليس من مرجعيات العملية السياسية ، صحيح انه لم يُشمل ضمن المرجعيات ، لكن ان يُشطب فلسطينيا فهذا شيء اخر.

وربما ان سعي السلطة او تجاوبها مع مساعي المصالحة مع سوريا هو تعبير عن القلق مما تحمله الايام القادمة ، لذا فإن السلطة وبقية العرب يحاولون ايجاد صيغة للعمل المشترك مقابل اسرائيل ، خاصة وان الاسرائيليين -وهم الطرف الثالث- وايا كان الفائز في الانتخابات الاسرائيلية القادمة بعد ايام ، يكونون قد اكملوا فرض الحقائق -التي يستحيل تغييرها- على الارض والمتمثلة في:

- توسيع حدود القدس لكي تصل مساحتها الى ربع مساحة الضفة الغربية تقريبا، واقامة احياء يهودية داخل الجزء الشرقي من المدينة ، وطرد الوجود السياسي الفلسطيني منها، وذلك لمنع اية امكانية في تحولها الى عاصمة للدولة الفلسطينية في حال قيامها.

- الاستيلاء على اكبر قدر ممكن من الارض، حتى يتم تقليص المساحة التي يمكن تحويل السيطرة عليها للفلسطينيين ، وفي هذا الاطار تجري عملية السيطرة على التلال وبناء مستوطنات فوقها ، وكذلك فإن اسرائيل تصر على ابقاء غور الاردن تحت سيطرتها ، كما انهم يعملون بجد لتحريك الخط الاخضر شرقا.

وبهذا تكون الارض الفلسطينية التي يمكن تسليمها للفلسطينيين ضئيلة جدا سواء كان اللكيود او العمل في السلطة.

- تحويل الضفة الغربية الى جزء من التركيبة الجيوسياسية الاسرائيلية وذلك من خلال بناء الشوارع الكبيرة التي تخترق الضفة طولا وعرضا، فمثلا الشارع رقم 60 الذي شق نفقا هو الاكبر في اسرائيل تحت بيت جالا ، ووصل القدس بمستوطنات غوش عتصيون ثم بالخليل فبئر السبع ، فتحول جنوب الضفة الى ممر بين القدس وبئر السبع وباتت اقصر طريق بين القدس وبئر السبع هي طريق الخليل، ونفس الشيء يمكن ان يقال عن الطرق الطولية والعرضية شمال الضفة الغربية ، وبالتالي فإن هذه الشوارع والمستوطنات ستحول دون جعل الضفة الغربية وحدة جغرافية واحدة تحت السيطرة الفلسطينية.

وفي الختام ، سيقف الفلسطينيون امام حكومة اسرائيلية -ايا كان رئيسها- ليس فقط لديها الرغبة ، او تملك القدرة ، بل امام حكومة تحددت امامها ملامح التسوية على الارض. وفي هذا الصدد لا يوجد فرق بين العمل والليكود الا في تسمية الكيان الفلسطيني الاول يقبل ان يسميه دولة ، بينما يصر الاخير على تسميته حكما ذاتيا، لكن من حيث المضمون سيجد الفلسطينيون انفسهم امام عروض التسوية على ارض صغيرة وممزقة ، وبدون قدس او وحدة جغرافية للارض، الامر الذي يصعب قبوله طبعا ناهيك عن عودة اللاجئين.

وطالما ان الصورة على الجبهة الاخرى باتت واضحة ، فيجب ان تكون كذلك على جبهتنا ، فالايام القادمة ستكون صعبة للغاية ، ولن نقوى على مواجهتها الا اذا توفرت الارادة الصادقة وما تستلزمه من استعدادات ، وليس بالنوايا الطيبة او التكتيكات المستعجلة.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل