"معجزة " فقط ستمنع نتنياهو من السقوط

 

العودة إلى صفحة الرسالة

تحولات هامة لصالح براك داخل تجمعات اليهود الروس

صالح النعامي

للفوز برئاسة الوزراء مرة ثانية يعاود نتنياهو استهداف ثلاثة قطاعات جماهيرية يهودية اثبتت الانتخابات الماضية انها الاكثر استعدادا للتصويت له وهي : المتدينون والمهاجرون الجدد من اصول روسية ، والشباب اليهود الذين يصوتون لاول مرة ، وبضمان تأييد هذه القطاعات يستطيع نتنياهو - بحق - الاطمئنان الى هذا الرهان ، مع العلم ان نتنياهو لا يحتاج الى جهد كبير لابقاء سكان مدن " التطوير" والاحياء الفقيرة ذوي الاصول الشرقية ضمن جمهور مؤيديه التقليدي و " الوفي " .لكن حاليا تبدو مظاهر تصدع واضحة في " ولاء " واحد من اهم هذه القطاعات وهم المهاجرون الروس الجدد الذين تدل استطلاعات الرأي العام بشكل متواصل وثابت على حدوث تغييرات دراماتيكية في توجهاتهم الانتخابية ، الامر الذي جعل براك يتفوق علي نتنياهو بفارق(8-12) نقطة كما تدل هذه الاستطلاعات . وبعدما بدا ان 70% من الروس سيمنحون تأييدهم لنتنياهو في بداية الحملة الانتخابية الحالية ، فان اخر الاستطلاعات للرأي العام تدل ان 43% من الروس سيصوتون لنتنياهو مقابل 39% لبراك ( يديعوت احرنوت 7/5/1999) ، ويعتقد المراقبون ان هناك فرصة امام براك لزيادة رصيده لدى الروس اذا لم يستعد نتنياهو المبادرة ويوقف التدهور الحاصل في شعبيته لدى هذا القطاع الجماهيري الذي يعتبر اكبر تجمع اثني في الدولة العبرية ، لكن ما الذي حدا بالروس ان يظهروا هذا الميل لتأييد براك بشكل مفاجيء ؟!! المراقبون في اسرائىل ينسبون هذا التحول الى اخطاء ارتكبها نتنياهو مؤخرا بناء على توصيات مستشاريه ، فنتنياهو - حسب الروس - بالغ كثيرا في استمراره بتوطيد علاقاته مع الاحزاب الدينية الحريدية وخصوصا " شاس" التي يعتبرها الروس عدوهم اللدود ، فعلى الرغم من ان انصار شاس والروس يتبنون نفس المواقف الصقرية المتشددة تجاه الحلول السياسية مع الفلسطينيين والعرب الا ان هناك بونا شاسعا بين المجموعتين في كل ما يتعلق بتصوراتهما لطابع الدولة اليهودية ومنظومة القيم التي يرى كل منهما ضرورة وجودها كناظم للعلاقات داخل المجتمع الاسرائىلي . فالمتدينون يرون ان الهجرة الروسية قد جلبت الدمار للقيم اليهودية ، يؤكد قادة " شاس" في حملتهم الانتخابية المهاجرين ان الروس " هم الذين جذروا تجارة الجنس واستشراء المخدرات بين الشبيبة اليهودية وعملوا على ازدهار اعمال المافيا ، في المقابل اتهم قادة الجمهور الروسي " شاس" بانها وعبر سيطرتها على وزارة الداخلية فقد عملت على محاربة الهجرة الروسية بشكل منهجي ، وذلك لان وزراء شاس الذين تعاقبوا على وزارة الداخلية رفضوا تسجيل الكثير من المهاجرين الروس كيهود وحرموهم من المزايا التي يتمتع بها المهاجرون الجدد بحجة ان هناك شكوكا في يهوديتهم ، وقد بلغ الحنق بالروس مبلغا كبيرا عندما كرر نتنياهو تعهداته لشاس بتسليمها وزارة الداخلية في كل حكومة يشكلها مستقبلا ، وفي استطلاع للرأي العام نشرته " يديعوت احرنوت " بتاريخ 7/5/99 اكد 54% من الروس ان تعهد نتنياهو هذا لشاس يضعف تأييدهم له في الانتخابات ، فضلا عن ذلك فان الجمهور الروسي يبدي رفضا واضحا لاستمرار الغزل بين نتنياهو ودرعي على الرغم من ادانة الاخير بقضايا فساد والحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة اربع سنوات ، في المقابل فان براك ادرك ما يريده الروس واعلن انه لن يسلم وزارة الداخلية مطلقا لشاس ولن يسمح لارييه درعي بالدخول لاي حكومة يشكلها ولم يفته ان يشدد على ان ممثلا عن الروس سيكون مرشحه الافضل لتولي وزارة الداخلية . ليس هذا فقط الذي قلص شعبية نتنياهو لدى الروس ، فتشجيع نتنياهو لمرؤوسه ومدير مكتبه السابق افيغدور ليبرمان لتشكيل حزب يتنافس على اصوات المهاجرين اغضب قيادة حزب " اسرائىل بعليا " اكبر الاحزاب التي تمثل الروس ، حيث يرى قادة هذا الحزب ان نجاح حزب ليبرمان في الانتخابات يعني تراجع في قوة حزبهم ، وهذا ما جعل رئىس الحزب ناتان شيرانسكي يتردد في الاعلان عن تأييده لنتنياهو ويفسر ايضا رفض " اسرائىل بعليا " دعوة جماهيره علنا للتصويت لنتنياهو ، وقد اتهم عدد من قادة هذا الحزب نتنياهو بـ " التآمر" عليهم . رئىس الوزراء الاسرائىلي وفي محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه قام بعقد " مصالحة" بين رؤساء شاس وممثلي الجمهور الروس ، وفي نفس الوقت شدد على انه يطالب ليبرمان بالانسحاب من الانتخابات ، المراقبون يشككون في تحقيق هذه الخطوة للهدف المرجو .

" اتراح" نتنياهو لا تتوقف عند هذا الحد ، فخلال الاسبوعين الماضيين شهدت الساحة الحزبية الاسرائيلية تحولات هامة لصالح براك ، اذ تعلن شخصيات حزبية بارزة انسحابها من الليكود وتأييدها لبراك ، وابرز هذه الشخصيات : الجنرال يوسي بيلد عضو اللجنة المركزية لليكود ، والجنرال دوفن روبين مرشح الليكود السابق لرئاسة بلدية " تل ابيب " ، وعضوا الكنيست السابقين عن الليكود يوآش تسيدون ، وارئىل لين .

كل هذا في ظل حديث عن خلافات شديدة بين نتنياهو وقادة حملته الانتخابية الذين كانوا حتى وقت قريب من اشد خصومه السياسيين داخل " الليكود" مثل الوزيرة ليمور ليفنات .

وستعزز فرص براك بشكل كبير جدا في حال استجابة اسحاق مردخاي رئىس حزب " الوسط " لدعوات زملائه في قيادة الحزب بسحب ترشيحه لرئاسة الوزراء والاعلان عن انضمامه لبراك ، حيث تدل استطلاعات الرأي العام على انهيار شعبيته بشكل متسارع اذ اعلن 5% من الاسرائىليين انهم سيصوتون له في الانتخابات كما تدل استطلاعات الرأي العام .

واذا ما استجاب مردخاي لهذه الدعوة وسحب ترشيحه فان الدكتور عزمي بشارة سيسحب ترشيحه ايضا وبذلك سيتم حسم التنافس على منصب رئاسة الوزراء في الجولة الاولى من الانتخابات المقرر ان تجرى يوم الاثنين القادم ، في هذه الحال فان عددا من كبار المعلقين في اسرائىل ، مثل شالوم يروشالمي وناحوم برنيغ وحنان كريستال وحامي شليف يعتقدون ان " معجزة" فقط ستمنع براك من تحقيق فوزه على نتنياهو ، اذ سيصوت لبراك في هذه الحال بالاضافة الى اليهود العلمانيين ذوي الاصول الاشكنازية كل من العرب و سكان " الكيبوتسات" فضلا عن اصحاب المؤهلات الاكاديميين واصحاب التوجهات الليبرالية .

اما في حال اصرار مردخاي وبشارة على عدم سحب ترشيحهما واجراء جولة ثانية من الانتخابات لحسم التنافس على رئاسة الوزراء فان فرص نتنياهو وبراك ستتساوى بل انها قد تميل لصالح نتنياهو وذلك للاسباب التالية : ـ

1ـ حسب استطلاع للرأي العام اجراه البروفسيور سامي سموحا واسعد غانم المحاضران في جامعة حيفا فإن 83% من العرب سيشاركون في التصويت في الجولة الاولى من الانتخابات وذلك لانهم في هذه الجولة سينتخبون ممثليهم في البرلمان بالاضافة للتصويت لمرشحهم المفضل لرئاسة الوزراء، لكن في حال اجراء جولة ثانية من الانتخابات فإن الاستطلاع يؤكد ان 35% من العرب فقط سيصوتون في هذه الانتخابات ، اي ان ثلث الذين شاركوا في التصويت في الجولة الاولى سيتغيبون عن الجولة الثانية، وهذا يعني ان براك في الجولة الثانية ، سيفقد اصوات 30% من العرب.

2ـ في مقابل الانخفاض الكبير في نسبة مشاركة العرب في التصويت في الجولة الثانية ، فإن التجربة دلت على ان الاحزاب الدينية بشقيها الارثوذكسي والصهيوني ستجند كافة انصارها ومؤيديها للتصويت لصالح نتنياهو ، وما يضاعف حماس هذه الاحزاب لتأييد نتنياهو وعمل كل ما من شأنه ضمان نجاحه هو اقتراح براك بفرض الخدمة الاجبارية على طلاب المدارس الدينية الذين اعفوا منذ عهد بن غوريون ، وبذلك فإنه في مقابل تأخر العرب عن التصويت في الجولة الثانية فإن اقبال المتدينين للتصويت سيعزز فرص نتنياهو بشكل جذري .

3ـ تأجيل حسم التنافس على رئاسة الوزراء حتى الجولة الثانية التي من المتوقع ان تجري في الاول من حزيران المقبل ستمنح نتنياهو الفرصة لاصلاح ذات البين مع ممثلي الجمهور الروسي، وذلك بتقديم اغراءات لقادة حزب "اسرائيل بعليا" ، وقد وعد نتنياهو بالفعل شيرانسكي بتولي وزارة المالية ثالث ، اهم وزارة في الحكومة بعد الخارجية والدفاع كما انه سيكون بمقدوره اصدار المزيد من القرارات التي تسهم في تخفيف الضائقة الاقتصادية التي يحياها معظم المهاجرين الروس وذلك في مسعى لاقناعهم بتأييده من جديد، في مقابل ذلك فإن نتنياهو الان بصدد نقل رسائل "مطمئنة" من قادة "شاس" الى الجمهور الروسي بحيث يتعهد قادة شاس بعدم وضع اي عراقيل امام اعتماد "يهودية" المهاجرين الروس ، شاس تعي جيدا ان مستقبلها يتطلب بقاء نتنياهو في الحكم ، وقد وصف الكثير من المراقبين رئيس "شاس" ارييه درعي بأنه "رئيس الوزراء الفعلي لاسرائيل" في اشارة للنفوذ الذي يتمتع به في مكتب نتنياهو على الرغم من انه ليس وزيرا في الحكومة.

4ـ اجراء جولة ثانية من الانتخابات سيكون كفيلا ببعث الحياة في طاقم نتنياهو الانتخابي واليمين الاسرائيلي بشكل عام، في هذه الحالة فإن خصوم نتنياهو في الليكود الذين وجدوا انفسهم مضطرين لتأييده في الانتخابات سيدركون تعاظم فرص نتنياهو في الفوز وبالتالي سيضاعفون جهودهم من اجل ذلك سيما وانهم يدركون نزوع نتنياهو لـ "الانتقام" من خصومه السياسيين داخل الحزب في حال تلكؤهم في العمل لصالحه.

على الرغم من ان الظروف السائدة حاليا تختلف عن تلك التي كانت ابان اجراء انتخابات العام 96 ، ومع ان استطلاعات الرأي العام تميل بشكل واضح لصالح براك فإن تجربة انتخابات العام 1981 ما زالت ماثلة في اذهان الكثيرين ، فقد كانت استطلاعات الرأي العام تؤيد تفوق كبير لصالح بيرس على مناحيم بيغن ، ومع ذلك فقد حدث ما لم يتوقعه احد وفاز بيغن مرة اخرى ، بينما اكتفى بيرس بوصف صحافية اسرائيلية له بـ "الرجل الذي لا يعرف الانتصار"!!

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل