صالح النعامي
شعراء العراق وادباؤها
يتسابقون على عرض محتويات مكتباتهم الخاصة للبيع!!..
هكذا تنقل الصحف ووسائل الاعلام العربية ، قد يبدو
هذا الخبر عاديا في معرض الحديث عن آثار الحصار
الظالم على العراق وأهله ، بل انه قد يبدو اقل اثارة
للمشاعر اذا ما استمعنا الى تقارير منظمة الصحة
العالمية التي تؤكد ان طفلا عراقيا يموت كل خمس
دقائق بسبب المرض وسوء التغذية ... لكن مع كل ذلك فإن
ما يكابده شعراء العراق على وجه الخصوص يشي بما
وصلت اليه حالنا المزرية... اي امة تلك التي لا يجد
شعراؤها -وهم ضميرها الحي وارباب الابداع فيها،
وفرسان الكلمة الذين زانوا لغة الضاد وزانتهم -ما
يسدون به رمق اسرهم الا ببيع كتبهم- بل واثاث
مكاتبهم!!!... اي زمن هذا الذي تمرغ فيه السفهاء
والتافهون في النعماء بينما تدور الدوائر على
الذين تركوا بصمات عميقة على ثقافة الامة وحضارتها
... قبل اشهر يقضي الشاعر العراقي الشاب فائق
السامري نحبه كمدا وحزنا على ابنته الوحيدة "نينوى"
التي ماتت بعد ان اصابها مرض اجمع الاطباء على انه
كان بالامكان انقاذ حياتها لو ان "نينوى" نقلت
الى مستشفى عربي خارج العراق تتوفر فيه التجهيزات
الطبية اللازمة ... هذا قدر فائق السامري وهذا مصيره
ومصير فلذة كبده ..
لو كان فائق السامري مطربا من
نجوم "الفيديو تيب" لما كان له ما كان .. عواصم
العروبة وامصارها تتنافس على استضافة كاظم الساهر
وتبالغ في تدليله ويتمادى هو في "تمنعه" بحيث
انه يرفض المشاركة في مهرجان دبي الاخير الا بشرط
ان يدفعوا له ربع مليون دولار..
توصد الابواب امام السامري
وابنته "نينوى" بينما يتبرع احد اثرياء العرب
لكاظم الساهر بفيلا في ارقى احياء لندن يتجاوز
ثمنها المليون جنيه استرليني .. كاظم الساهر ومن هم
على شاكلته من المخنثين -في ميزان الرجال- لا يصلون
الى التراب الذي غطى يوما نعل السامري ... ولا مجال
اصلا للمقارنة بين من يثري ثقافة الامة وتراثها ،
واولئك الذين لا يضيفون الا ما يسوؤها .... للاسف فإن
السامري ليس بدعا من الشعراء الذي ذاقوا مرارة
العسف وسوء التقدير ، لم يكن هذا الزمان فقط الذي لم
تحسن فيه الامة انزال ابنائها منازلهم ... ففي عهد
ملوك الطوائف بالاندلس أسر المرابطون الذين كانوا
يحكمون المغرب في القرن الحادي عشر للميلاد،
الشاعر والملك والفارس المعتمد بن عباد وألقوا به
في السجن بمدينة "اغمات" المغربية القريبة من
مراكش حاليا ، لم يراع الاوغاد حس الشاعر ولم يولوا
ادنى اعتبار لماضيه كملك وكفارس لا يشق له غبار ،
اودعوه الزنازين ولم يرحموا بناته السبع اللاتي
تحولن للعمل في غزل ملابس لاهل "اغمات" ، وقد
كن حتى وقت قريب اميرات يأمرن فيتهافت الملأ على
التلبية...
وحتى نقف على ما كان يدور في خلد
فائق السامري ، فإننا نورد ما عبر عنه المعتمد بن
عباد شعرا، فعندما زارته بناته السبع في يوم العيد
، هاله جدا ما حل بهن من هوان ، فانشد ابيات يصعب
عليّ ان اصدق ان احدا يقرأها ولا تسبق دموعه قراءته
، يقول ابن عباد:
فيما مضى كنت بالاعياد مسرورا
فساءك العيد في "اغمات"
مأسورا
ترى بناتك في الاطمار جائعة
يغزلن للناس لا يملكن قطميرا
يطأن في الطين والاقدام حافية
كأنها لم تطأ مسكا وكافورا
قد كان دهرك ان تأمره ممتثلا
فردك الدهر منهيا ومأمورا
من بات بعدك في ملك يسر به
فإنما بات بالاحلام مغرورا
رحم الله ابن عباد والسامري
وبناتهما ولعن الله الظالمين...