من شوارع الوطن

بقلم : صلاح البردويل

العودة إلى صفحة الرسالة

دعوة الى الموت!!!

ماذا جرى لك يا علي ؟ لقد كنت تبحث عن المواجهات دارا بدار ... مع كل طلقة كانت تصيب جسدك كنت تزداد قوة، ومع كل حبسة كنت تخرج اكثر فخرا واصرارا ، .. لم تكن بحاجة الى دعوات للمواجهة.. كنت تصنع المواجهة .. وكنت دائما منتصرا مع من صمد من رفاقك الشرفاء.. فمالك تتردد اليوم بينما يتقدم فلان وعلان الذين تخاذلوا دائما!!

هل انقلبت الموازين فأصبح الشجاع جبانا واستأسد الجبناء؟! لماذا هذا اليأس ؟ اليست هذه معركة الشعب كله ؟ اليس الاستيطان سرطانا يهدد جسد الوطن كله؟

كان عليّ جالسا يستمع الى المسئول في الحزب الذي يقرأ على اسماع الشباب الرسالة الموجهة للحزب للمشاركة في المظاهرة السلمية على مفترق مستوطنة نتساريم احتجاجا على توسيع حدود المستوطنة .. والتي ذيلت بعبارة "معا وسويا حتى اقامة الدولة وعاصمتها القدس الشريف".

عليّ الذي خرج لتوّه من السجن كان يقلب نظره في وجوه الحاضرين ويراقب انفعالاتهم وينظر من نافذة المقرّ الى لون الشمس ويستقريء من كل ذلك حرارة الحماس الذي لا يدري لماذا يخونه هذه المرة؟ ربما يكون السبب ذلك الاعياء الذي اصابه من جرّاء الضرب والشبح والتعذيب والاهانة!

ربما عدم القناعة بجدوى هذه المظاهرة ؟ ربما الخوف مما بعد المظاهرة لو اخلص في هجومه!! وعلى كل الاحوال لم يكن من الممكن ان يصرّح بما يجول في خاطره ، واكتفى بمبادلة الابتسامة لاصحابه الذين ينتظرون نهاية كلام المسئول حتى يعانقوه ويهنئوه ورغم علمه بأن رفاقه الذين خرجوا قبله من السجن قد تمت اعادتهم اليه مرة اخرى في ظروف غامضة الا ان ذلك لم يمنعه ان يستمتع بكل لحظة حرّية منذ ان خرج من باب السجن وحتى رؤيته الشمس والاحباب، والاصحاب والضوضاء.

على مهلك يا عليّ .. لا تتهور .. لا تتوغل في عالم الشمس ولتجعل من ظلام السجن خط رجعة في حسابك .. فأنت قربان نهر الاتفاقات شئت ام أبيت .. بذنب او بغير ذنب .. ولتعلم ان الشمس التي تراها امام عينيك هي شمس "الفورة" .. فأنت في سجن .. سواء اتسع فكان بحجم غزة او ضاق فكان بحجم قبر .. هنا او هناك!!
انتهى المسئول من قراءة الدعوة وشرح المطلوب من الشباب في كل المناطق ، بعد ذلك بدأت التهنئة والتقت الصدور بالصدور .. والدموع بالدموع واختلطت كلمات التهنئة بالكلمات المخنوقة ومشاعر اليأس بلحظات من مشاعر الامل.
ولم يعرف عليّ كيف تسللت من ذاكرته الى لسانه ابيات من الشعر لشاعر مصري انتحلها على لسان شاعر العرب الجاهلي عنترة، فأخذ عليّ يرددها بصوت مسموع دون ان يشعر:

وها انا في ساعة الطعان!!

ساعة ان تخاذل الكماة والرماة والشجعان!!

دعيت للميدان!!

انا الذي ما ذقت لهم الضان!

انا الذي لا حول لي او شأن!

انا الذي اقصيت عن مجالس الفتيان!

اُدعى الى الموت ولا اُدعى الى المجالسة!!

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل