متى نفهم لغة العصر ؟

نهاد الشيخ خليل

العودة إلى صفحة الرسالة


للأسف ورغم وقوفنا على اعتاب قرن جديد ، مقفلين بذلك مائة عام متواصلة للعطاء الفلسطيني ، وشلال الدم الذي لم يتوقف ، وكانت اخر دفقاته ما نزف من جسد الجريح الفلسطيني فايز البيتاوي على ارض القدس طعنا بسكين يهودي مجهول يواصل طعننا خفية وفي جنح الظلام على مدى عام كامل ، لكي يحول رباط اهلنا في القدس الى جحيم لا يطاق ، اذا ما اضيف الى مسلسل سحب الهويات والاستيلاء على البيوت والحرمان من التأمين الصحي واحكام السيطرة على المؤسسة التعليمية الفلسطينية في قلب المدينة الصابرة كما كل فلسطين.

رغم ذلك ، ومع ان وقاحة نتنياهو تجاوزت الحدود ، وفظاظة باراك ملأت الافاق بشأن الموقف من القدس والاستيطان والدولة وضرب وحدة الشعب الفلسطيني ، رغم كل ذلك وللاسف الشديد لازال بعضنا يعيش الاوهام ويتعلق بالسراب ، ويتمسك بخيار هلامي يصفونه بالاستراتيجي ويدعي ان وضع القضية الفلسطينية اليوم افضل من ذي قبل ، وان الدبلوماسية الفلسطينية تحقق نجاحات على الصعيد الاوروبي وفي اروقة الامم المتحدة ، واكثر من ذلك ، في الولايات المتحدة ، ولإثبات صحة الادعاء وصوابية الخيار يستشهد المسؤولون بكل شاردة وواردة تصدر من هذه الدولة او من تلك الجهة تحمل تأييدا ولو من طرف خفي للموقف الفلسطيني ، او تشير ولو برمز غامض وقابل لاكثر من تفسير الى امتعاض من السياسة الاسرائيلية.

وفي تفسيرهم لهذه النجاحات التي يدعونها يقول المسئولون الفلسطينيون ان مرد ذلك يعود الى وضوح اللغة السياسية الفلسطينية ، فالسلطة لا تطالب الا بما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية 181،242،194 وهذه لغة عصرية يفهمها العالم ويتعاطف معها ، اما الاسرائيليون فانهم لا يزالون يتحدثون بلغة متمسكة بالايديولوجيا الصهيونية وهذه لغة لا يفهمها العالم اليوم لانها مليئة بالاشتراطات ، وكذلك لان اسرائيل لازالت لم تحدد الحدود السياسية للدولة ، وكذلك لم تحسم الطبيعة الايديولوجية لهذه الدولة ، اما نحن الفلسطينيون فلا مشكلة لدينا لاننا نخاطب العالم بلغة العصر وارتكازا الى قرارات الامم المتحدة ووفقا لقوانينها بشأن التسوية والدولة وسائر الحقوق الفلسطينية.

لكن هل هذا صحيح ؟ لا اعتقد ذلك! فنحن لا نحقق نجاحات ، ولا نخاطب العالم بلغة العصر ، بل اننا نخاطبه بلغة العصر الذي سبق ، وهذا هو حالنا لا نتقن المهارات الا بعد ان تتقادم ويبطل مفعولها ، وينعدم تأثيرها . ذلك ان لغة الشرعية الدولية ربما كانت تصلح لما مضى من الزمان ، رغم ان قرارات مجلس الامن ذات الصبغة العملية الفاعلة لم تكن تصدر استجابة لحق او تلبية لنداء واجب او صرخة ضمير ، وانما كانت تأتي دائما خدمة لمصالح الكبار الذين يتحكمون في استصدار هذه القرارات.

ان السياسة الامريكية فيما مضى كانت تتمثل في السيطرة على الامم المتحدة واستخدامها كأداة ووسيلة وغطاء لتنفيذ الاهداف الامريكية ، اما اليوم فانها تتجاهلها وتتجاوزها وتتصرف دون اذنها وتبقيها ملهاة للضعفاء يتسلون بالنضال في اروقتها علهم يجدون عزاءً وتسلية لما يعانونه من ظلم ولما يقع عليهم من اضطهاد وما يمارس بحقهم من قمع ومصادرة للحقوق.

اذاً لغة العصر ليست هي لغة الشرعية الدولية ، بل هي لغة القوة ، والذي يملك القوة هو الذي يستطيع ان يصنع لنفسه مكانا تحت الشمس وبين الامم ، وفي حالتنا فان المقصود بالقوة ليس ذلك الفهم الكلاسيكي المتمثل بعدد الجنود وكمية الاسلحة والذخائر ، بل انه المفهوم الشامل والمتحرك ، وبالتالي، وحتى نستطيع ان نحقق التوازن مع العدو على المستوى القصير، فانه ليس مطلوبا منا ان نمتلك قوة عسكرية او استراتيجية مكافئة وبشكل فوري.

ان المطلوب هو تحقيق شكل من اشكال توازن الرعب ، او التوازن القائم على اساس ابطال فعالية سلاح العدو ، وهذا اقتراح ليس معجزا ، ففي الانتفاضة احدث شعبنا التوازن مع قوة الاحتلال بالحجر مقابل الطلقة ، وبالجماهير مقابل الجيش النظامي فبهت الذي كفر ، ثم ابدع شعبنا توازنا اخر بالعمليات الاستشهادية مقابل ارهاب غولدشتاين والمستوطنين بعد مذبحة الحرم الابراهيمي 1994 .

ولا زلنا -ان توفرت الارادة الصادقة - قادرين على ابداع اشكال مختلفة من التوازن الرادع ، ولا زالت تحت ايدينا عناصر قوة على درجة عالية من الاهمية ، وابرز هذه العناصر هو العمل على اعادة صورة الاحتلال الى حقيقتها بعد ان تمكنت اسرائيل من استخدام العملية السياسية لمواراتها ، ويأتي ذلك من خلال اعلان القيادة الفلسطينية ان اسرائيل مارست طيلة الفترة السابقة عملية خداع للشعب الفلسطيني ، وانها لا تنوي التوصل الى تسوية ، بل تسعى لتغيير وجه الاحتلال وتجميل ممارساته البغيضة.

ان فعلنا ذلك فستنقلب كل الاوراق ، وسيقف العالم العربي والاسلامي بانظمته وشعوبه امام مسئولياتهم ، وستنكشف حقيقة التواطؤ الامريكي مع اسرائيل، وستعود للجماهير الفلسطينية مكانتها وقوتها وفعلها واحترامها.

وثاني ابرز عناصر القوة التي نملكها هي القدرة على تفجير الموقف ، فالعالم وخاصة امريكا معنيون بسلامة مصالحهم في هذه المنطقة ، وكل تسخين على الارض الفلسطينية سيصيب المصالح الامريكية في الصميم ، ففي ظل المواجهات مع الاحتلال الاسرائيلي لن يكون بمقدور امريكا ضرب العراق ، ولا جلب المزيد من قواتها الى المنطقة تحت الادعاء الكاذب "تقليص قدرة العراق على تهديد جيرانه" لان التهديد الحقيقي ، والذي سيظهر جليا من خلال المواجهة مع الاحتلال ، يأتي من اسرائيل لا من غيرها.

اذا لغة العصر هي لغة القوة ولكن بمفهومها الشامل والمتحرك ، فمتى نفهم لغة العصر ؟! وهل سيكون بمقدورنا اجادة استخدامها قبل ان تتقادم!

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل