العنف يلازم إنطلاقة الحملة الإنتخابية في إسرائيل

 

العودة إلى صفحة الرسالة

الاسباب : التسوية مع العرب وطبيعة النظام السياسي والبنية الاجتماعية

العنف يلازم انطلاقة الحملة الانتخابة في اسرائيل

تقرير خاص بالرسالة /

لم تكد تبدأ الحملة الانتخابية في اسرائيل حتى بات واضحاً انها ستكون مصحوبة بمظاهر عنف تعيد الى الاذهان تلك الفترة التي سبقت اغتيال اسحاق رابين رئيس وزراء اسرائيل الاسبق الذي قتل على يد متطرف يهودي وكما هو معتاد فإن ضحايا العنف السياسي هم دائماً اولئك الزعماء الذين ينتمون الى اليسار او اولئك الذين يتبنون مواقف ليبرالية تجاه العلاقة بين الدين والدولة .

الشرطة في اسرائيل كما هو الحال بالنسبة للنظام القضائي والسياسي في اسرائيل تبدي حساسية كبيرة لمثل هذه المظاهر سيما وان التجربة قد اثبتت ان العنف الكلامي هو مقدمة اكيدة للعنف الجسدي ، والقتل على خلفية سياسية ، وهذا ما يشكل تهديداً خطيراً جداً للاسس التي قامت عليها الديمقراطية الاسرائيلية والديمقراطيات الغربية ، فالاغتيال السياسي هو وسيلة غير مشروعة لتغيير نظام الحكم وتجاوز ارادة الناخب ، وان كانت اسرائيل قد عاشت صدمة اغتيال رابين والتي مثلت بالنسبة لكثير من الاسرائيليين نقطة تحول هامة في نظر منهم لدولتهم ، فإنه مع مرور الزمن يبدو جلياً ان بذور التطرف في المجتمع الاسرائيلي اقوى من ان تقف في وجهها قوانين او اجراءات بوليسية ، ولعل من العوامل ذات التأثير في ابقاء هذه المظاهر حية بالرغم من جسامة ما تعرضت له دولة اسرائيل هي :ـ

** طبيعة الحلبة الحزبية

بالرغم من انقسام الاحزاب الاسرائيلية الى علمانية ودينية ، ويمينية ويسارية الا ان تحت كل صنف من هذه الاحزاب تنضوي احزاب اخرى تشترك في قواسم واحدة ونظراً لكثرة الاحزاب الاسرائيلية من ناحية ، ولجدية المشاكل التي تواجهها الدولة العبرية فإن هذا جعل دائماً ما يمكن الاختلاف حوله وبالتالي التنافس على ثقة الشارع الاسرائيلي .

العدد الكبير للاحزاب الاسرائيلية ولد مشكلة الاصطفاف الشديد واشتداد حمى التنافس على تأييد الناخب ، من هنا كانت الحاجة من قبل احزاب معينة اتباع طرق صاخبة من اجل التدليل على صدقية خطابهم السياسي ، ولذا فقد ولدت ظاهرة "التحريض على العنف" من قبل الساسة الاسرائيليين وخصوصاً اليمينيين ، حيث ان جمهور الاحزاب اليمينية هم غالباً من ابناء الطوائف الشرقية الذين يميلون للعنف بطبيعتهم وذلك لشعور متواصل بالغبن ، مع العلم انه ليس شرطاً ان يكون هذا الزعيم اليميني هو من ابناء الطوائف الشرقية ، بل على العكس تماماً فإن اكثر الزعماء الذين ألهبوا مشاعر الشرقيين كانو اشكنازيين بالذات وعلى رأس هؤلاء مناحيم بيغن وبنيامين نتنياهو الذي بدأ في التحريض على كل خصومه من اليساريين حتى من اليمينيين .

**الدولة وازمات البقاء

بالنسبة للكثير من الاسرائيليين فان "الاستقلال الوطني " لم ينجز ، وتظهر استطلاعات الرأي العام ان معظم الاسرائيليين لا يزالون يعتقدون ان "دولتهم " تحفها المخاطر من كل جانب، وبالتالي فان كل زعيم سياسي استطاع ان يسلط الاضواء على مواطن الخطر على الدولة، وحاول ان يقدم حلوله لها، حظي غالبا بدعم الجمهور الاسرائيلي، وقد تفوق في هذا الجانب الساسة المحسوبون على اليمين الاسرائيلي لانهم دائما يبررون ذلك بالحرص على مصالح الدولة ويعتمدون على اثارة مشاعر الخوف والهلع في اوساط الاسرائيليين ، هذا بالرغم من ان "دولة اسرائيل" حققت ما يشبه المعجزة على صعيد تقوية ذاتها في مواجهة المخاطر الخارجية عبر تطوير اقوى اسلحة الدمار الشامل ممثلة في الاسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية ، ناهيك عن حلفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة واقتصادها القوي، حيث يبلغ معدل انتاج الفرد 17 الف دولار في العام، الا ان استثارة المخاوف على مستقبل الدولة واستقرارها هو السلاح الاقوى الذي يحاول اليمين الاسرائيلي استخدامه دوما في مواجهة خصومه السياسيين.

**التسوية مع العرب

التطور الذي اضفى مصداقية على خطاب اليمين الاسرائيلي هو مولد المفاوضات بين الاطراف العربية واسرائيل. قبول الانظمة العربية بالتفاوض مع اسرائيل واعترافهم بشرعية وجودها كان احد اهم الاهداف الاستراتيجية للدولة العبرية منذ نشأتها ، وكان الاصل ان ينظر الى اقدام الحكام العرب على هذه الخطوة على انها انجاز يجب المحافظة عليه واستكماله ، بل ان زعماء اسرائيل في اواخر الستينات واوائل السبعينات لا يترددون في دفع ثمن اقليمي مقابل مثل هذه الخطوة على انها انجاز يجب المحافظة عليه واستكماله ، لكن الذي حدث بعد التوقيع على اوسلو ان ادت المفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية ظهرت مسائل اخرى جعلت القادة المتطرفين يستغلونها افضل استغلال حيث طرح سؤال واحد : هل يستحق السلام مع العرب الثمن الذي ستدفعه اسرائيل وهو اعادة الانتشار ، حيث رجع قادة اليمين السياسي على نفس الشعارات التي تثير الخوف في اوساط الاسرائيليين ، وقد كان السبب الذي جعل شعارات اليمين الاسرائيلي اكثر صدقية هي العمليات المسلحة وخصوصا تفخيخ الحافلات وتفجيرها، وقد ربط اليمين بين كل عملية اعادة انتشار وعمليات التفجير ، حيث ان نتنياهو عندما كان رئيسا للمعارضة الاسرائيلية وصف "اعادة الانتشار" بأنها "مكافأة" للفلسطينيين على ما يقومون به من عمليات ضد الاسرائيليين ، لكن الشيء الاهم في هذا السياق هو البعد الايديولوجي والديني، فالبنسبة لقطاعات كبيرة من الاسرائيليين يعتبر استيطان ارض فلسطين بمثابة فريضة دينية تعدل كل الفرائض التي اوجبتها الشريعة اليهودية ، ولذا فقد كان هذا هو السبب وراء الكم الهائل من الفتاوى التي اصدرها الحاخامات المتزمتين ، والتي كانت تصف كل زعيم سياسي يوافق على "التنازل" عن شبر من ارض الضفة الغربية بمثابة خائن ، وهذه هي الدوافع التي حركت يغئال عمير الذي قتل اسحق رابين ، فقد اعتقد انه بقتله يستطيع وقف مسلسل "التنازل" عن ارض الاجداد ، وقد كان له ما اراده وهذا الذي يدفع العنف السياسي في اسرائيل الى التجدد.

** خلفية اجتماعية

الى جانب كل هذه الاسباب فان انتماء مصوتي اليمين الاسرائيلي الى الطبقات الاجتماعية الفقيرة ذات الاصول الشرقية ضاعف الحقد على كل ما له علاقة بحزب العمل الاسرائيلي، حيث تتهمه هذه الطبقات بان حكمه كان المسئول عن الغبن المتواصل الذي لحق بها على مدار عقود من الزمن ، ولارتباط حزب العمل واليسار الاسرائيلي بشكل خاص بالطبقات الغنية والمتوسطة ذات الاصول الاشكنازية ، فقد انعكست هذه الخلفية على نظرة مصوتي اليمين على كل ما يصدر عن اليسار ، ونظروا اليه بنظرة الشك والريبة ، وهذا ايضا سهل التحريض على العنف السياسي ضد اليسار .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل