المعتقلون السياسيون : سنوات العذاب بين إعتقالهم وتجاهل قضيتهم

 

العودة إلى صفحة الرسالة

أعد التقرير / عمر أحمد

ها هو رمضان قد انقضى وحل العيد "الثالث" على المعتقلين السياسيين وهم ينتظرون ساعة الفرج .. والعدل ، السنوات الثلاث التي مضت - بهمها وعذاباتها ومعاناتها- اكبر شاهد ودليل على ان الواقع الفلسطيني لا زال يرزح تحت الظلم والتعسف وسلب الحقوق وهدر الحريات ... ودليل على ان العدل غائب والقضاء " في ذمة الله" ، السجون تزدحم بالمعتقلين .. وسجون اخرى تبنى وتوسع ، وزير العدل دوماً صامت ، والنائب العام "اختفى" بعد ان كثرت المظالم ووجد انه لا سبيل الى تحمل "الوزر" ومحكمة العدل العليا وجدت ان لا احد يحترم قراراتها وان بامكان اي جهة تنفيذية ان تضع القرار "اعلى الرف" عاماً او عامين .. وحتى بامكانك ان تقول للمحكمة "ان هذا الامر لا يعنيك" .

المعتقلون السياسيون هم "قنبلة" موقوتة تدق ساعتها كل يوم في المجتمع الفلسطيني ، لانها تطرق قضية الظلم والاعتقال السياسي والحجز بدون محاكمات ، والتعذيب ، وما زالت قضيتهم تتصدر قلوب الامهات اللاتي يأتين في كل اسبوع للنظر الى ابنائهن -الذين كبروا- من خلف الشبابيك الحديدية المشبكة ، ومع كل زيارة تزداد الاسئلة الحائرة : الى متى يبقى هؤلاء في السجون .. والى متى يستمر تعذيبهم وقتل معنوياتهم .. والى متى يتم استخدامهم "ورقة ضغط" في مواجهة التنظيمات والحركات التي ينتسبون اليها .

ونحن على ابواب العيد نضع هذا الملف المتواضع والرمزي امام كل من في قلبه ذرة من حب لوطنه ، وامام كل من يؤمن بالعدالة كحق مشروع لكل مواطن ، وامام كل من يؤمن ان القضاء يجب ان يأخذ مجراه .. ليس مجرد كلمات ولا مناشدات وانما رسالة من القلب الى ذوي الضمائر والاحاسيس والمشاعر للوقوف مع قضية سامية وشريفة وللافراج عن هؤلاء المناضلين والمجاهدين كي يعودوا الى بيوتهم واسرهم التي قتلها الغياب ... والانتظار .

رغم ان القضية حساسة جداً ، وخطيرة لدرجة ان المجلس التشريعي وضعها على رأس جدول اعماله خلال جلسته الاخيرة ، الا ان السلطة الفلسطينية فضلت ان تدير ظهرها وتقاطع جلسة التشريعي الخاصة بمناقشة قضية المعتقلين السياسيين في سجون السلطة ، وقرر النواب تجيه اللوم للسلطة لعدم استجابتها بشأن ارسال ممثل عنها للرد عن استفسارات الاعضاء بخصوص قضية معتقلي الرأي . وكان النائب روحي فتوح قد توجه الى وزير العدل فريح ابو مدين لحضور الجلسة ممثلاً من السلطة الا انه تجاهل الدعوة وقرر التغيب عن الجلسة كما يبدو .

اما النائب عباس زكي فقد طالب بحجب الثقة عن الحكومة مشيراً الى ان قضية الاعتقال التعسفي تتعلق بصميم حياة الانسان الفلسطيني قائلاً : "انها تتنافى مع القيم والاخلاق" .

تجاهل السلطة لقضية المعتقلين السياسيين استمر لخمس سنوات متواصلة هي عمر السلطة نفسها ، ولم يحدث ان نوقشت هذه القضية بشكل جدي تبحث فيه الجوانب القانونية والقضائية ، وهذا ما دفع العديد من المنظمات الحقوقية والانسانية لتوجيه النقد الحاد لسلوك السلطة تجاه قضية الاعتقال السياسي برمتها ، ويقول د. اياد السراج في احد مقالاته التي نشرت في مجلة "حقوق الانسان العدد 32" : "الا ان اداء الاجهزة الامنية كان الاكثر استقطاباً للانتقاد بسبب ما ظهر من انتهاكات للقانون وحقوق الانسان تبدأ بطريقة التوقيف غير القانونية وتنتهي بالقتل اثناء التحقيق ... وفي رأيي ان هذه الانتهاكات والتي مازال بعضها يتكرر تعود لاسباب عديدة .." .

** سنوات ... بدون تهم ولا محاكمات

حتى الآن ترفض السلطة ان تعطي رقماً حقيقياً لعدد المعتقلين السياسيين في سجونها ، غير ان مصادر حقوقية تقول ان العدد يتراوح بين 700 الى 800 معتقل غالبيتهم من انصار حركة حماس والجهاد الاسلامي ، الا ان هذا العدد يزيد وينقص من فترة لاخرى بحسب تطور الاوضاع السياسية خصوصاً اذا شهدت المنطقة عمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال .

هناك من المعتقلين من امضوا اكثر من عامين او ثلاثة في سجون السلطة دون ان يقدموا للمحاكمة او تقدم اسباب محددة حول اعتقالهم ، رغم طلب محكمة العدل العليا في مرات عديدة من الاجهزة الامنية تقديم هذه الاسباب الا انها تقابل بالاهمال والتجاهل ، واوضح مثال على ذلك قرار محكمة العدل العليا في 4/6/98 بالافراج عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي تعتقله الشرطة الفلسطينية منذ تاريخ 9/4/98 الا ان الشرطة تحدت القرار ورفضت الانصياع لقرار المحكمة وقال حينها مدير الشرطة اللواء غازي الجبالي بأن الرنتيسي قبض عليه في قضية تتعلق بالنظام العام بموجب منع الجريمة قبل وقوعها" ، الا ان نقيب المحامين عبد الرحمن ابو النصر قال ان تصريحات الجبالي لا تستند الى نص قانوني وان صلاحيته تنحصر في تلقي الاوامر من رئيس السلطة ومن النيابة العامة لتنفيذ الاجراءات اللازمة ، واعتبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان ان الاعتقال الاداري جار فقط في قانون الطوارئ لسنة 1945 وفي الاوامر العسكرية الاسرائيلية ، والسلطة نفسها لم تعلن عن تطبيق قانون الطوارئ سيء الصيت ، واعتبر المركز ان عدم الافراج عن الرنتيسي هو مخالفة صريحة للقوانين المعمول بها وطالبت كذلك وزير العدل بالخروج عن صمته وابداء الرأي في هذا الموضوع .

ونموذج آخر هو قرار محكمة العدل العليا بالافراج عن عشرة طلبة من جامعة بير زيت اعتقلتهم قوات الامن الفلسطينية الا ان الجهات التنفيذية ضربت بالقرار عرض الحائط .

هناك من المعتقلين من امضوا عامين او اكثر ثم تبين بعد ذلك ان التهم التي اعتقلوا على اساسها لم تكن صحيحة على الاطلاق وانما كانت ملفقة ، الا ان الاجهزة الامنية فضلت احتجازهم باعتبارهم "ورقة مساومة" ضد حركات المعارضة . وقد سبق ان نشرت العديد من القصص الملفقة حول قيام بعض الشبان بتدريبات على عمليات استشهادية في "القبور" او تخطيطهم لاغتيال الرئيس في احد المقابر او غير ذلك من التهم التي اتضح انها غير صحيحة على الاطلاق .

ورغم الادعاءات المتكررة من قبل السلطة وخصوصاً وزير العدل بأنه سيتم الافراج عن كل من لم يثبت ضده اي اتهام الا ان الواقع يكذب ذلك تماماً ، فحتى النائب العام المحامي فايز ابو رحمة عندما راجع ملفات بعض المعتقلين السياسيين وثبت لديه انه لا توجد ادنى تهمة ضدهم واصدر قراراً بالافراج عنهم الا ان الافراج لم يدم سوى ساعات قليلة اعيد بعدها المفرج عنهم الى باحة السجون مرة اخرى او تعرض النائب العام الى هجوم شرس ونقد حاد من قبل الاجهزة الامنية التي اعتبرت بأنه "تعد" على صلاحياتها ، وهو ما دفع السلطة الى تنحية ابو رحمة عن منصبه ولا يزال منصب النائب العام شاغراً حتى كتابة هذه السطور .

لقد اصبح مصطلح "الاعتقال الاداري" شائعاً في اوساط الفلسطينيين الذين يعتقدون ان السلطة باتت تلجأ الى هذا الاسلوب من اجل احتجاز المعتقلين لفترة اطول ، وهذه تشبه سياسة اسرائيل التي لجأت لاعتقال آلاف الفلسطينيين لفترات طويلة دون توجيه تهم وتحت ذرائع امنية لا اسا لها .

لقد اعتبرت المنظمات الحقوقية ان "الاعتقال الاداري" القائم حالياً في معتقلات وسجون السلطة هو سياسة متبعة تستند الى قانون الطوارئ والاوامر العسكرية الاسرائيلية التي صدرت خلال فترة الاحتلال .

** شهادات على اوضاع مأساوية

خلال العام 97 قتل وتوفي 9 مواطنين فلسطينيين في سجون ومراكز اعتقال تابعة للسلطة اثنان منهم تحت التعذيب واثنان على الحواجز وخمسة اثناء احتجازهم في السجون الفلسطينية .

وواصلت السلطة الفلسطينية خرق القانون ومعايير حقوق الانسان حيث شنت حملة اعتقالات .. واستمر احتجاز معتقلين دون تقديمهم للمحاكمة وبالنسبة لمعاملة السجناء في سجون السلطة هناك شكوى من عدم توفر الوجبات الغذائىة حيث يعتمد السجناء على ما توفره لهم اسرهم من طعام كما يضطر السجناء الى شراء ادوية على حسابهم الخاص ... واستمرت السلطة التنفيذية في انتهاك مبدأ استقلال القضاء حيث لا تزال ترفض تنفيذ قرارات المحاكم سواء قرارات محكمة العدل العليا بالافراج عن معتقلين تعسفا او قرارات في قضايا تتعلق بمخالفات اصدرها مسؤولون في دوائر السلطة ..

وانتهى العام دون قيام السلطة التنفيذية باتخاذ اجراءات ضد كبار المسؤولين في قضايا الفساد الاداري .

( عن تقرير لجمعية القانون مارس/97)

" ان رفض الاجهزة الامنية المتكرر السماح للهيئة ولعائلات الموقوفين ومحاميهم بزيارتهم رغم مرور اكثر من اسبوعين على اعتقال بعضهم يضع علامة استفهام على صحة سير الاجراءات بحق هؤلاء المعتقلين كما يشكك في توفير الحد الادنى من حقوقهم ومن الضمانات اللازمة لهم والتي يقف على رأسها حقهم في الدفاع عن انفسهم وحقهم في توكيل محام .

( الهيئة المستقلة مايو/98)

" لا تزال اجهزة الامة الفلسطينية تستخدم التعذيب ضد المعتقلين وتسيء معاملتهم كاسلوب من اساليب انتزاع الاعترافات منهم بالقوة "

( تقرير القانون نوفمبر/98)

" لقد قامت السلطة بوضع قانون يمنع استخدام التعذيب .. . والواقع يقول غير ذلك وتنوع اساليب التعذيب والاهانة يمكن القول انها دمج بين اساليب المعاملة المطبقة عند الاسرائيليين مع الاساليب المطبقة في الدول العربية من تغطية الوجه والرأس الى الحرمان من النوم والضرب واعتقال الاقارب "

( تقرير لجنة الرقابة العامة )

" فالسجون الفلسطينية ما تزال مزدحمة بسجناء مضى بعضهم عامين او اكثر دون محاكمة او توجيه اي تهمة وظاهرة تعذيب الموقوفين تتسع ... فقد تلقت المجموعة وحدها سبعين افادة تعذيب من الضحايا في السجون او اقاربهم خلال النصف الاول من العام الماضي 98 "

( المجموعة الفلسطينية لمراقبة حقوق الانسان يناير / 99 )


من رسائلهم .. ورسائل ذويهم

"لقد مضت شهور طويلة على احتجازنا دون ان نعرف اننا مدانون فيحكم علينا بالسجن، او ابرياء فيطلق سراحنا ، وكم كنا نود لو قام المسئولون باجراء لقاء لنا معهم لحظة اعتقالنا ليشرحوا لنا الظروف التي تم بموجبها الاعتقال ، وليبدوا ما هو حق لنا وما هو واجب علينا خلال فترة احتجازنا طالت المدة ام قصرت .. اننا نشعر ان جهاز المخابرات يتعامل معنا باعتبارنا كما مهملا لا قيمة له ولا شأن ، فان تحقق امر فيه تسهيل لنا تم على نطاق فردي، وان استدعى الامر عقابا فرديا شملت العقوبة الجميع.

ان احتجازنا على النحو القائم هم بمثابة عقاب يتلذذ به بعض (اخوتنا).

المعتقلون السياسيون في رام الله (اذار 98)


"دام على اعتقالي مدة تجاوزت العشرين شهرا وحتى الان وللاسف الشديد لم تسو المشكلة ولم تحل ، بل على العكس مازال الامر يزداد سوءا يوما بعد يوم ، وحتى الان لم توجه بحقي اي لائحة اتهام ولم امثل امام اية جهة قضائية او قانونية على الاطلاق ، هذا وقد اصبحت قاب قوسين او ادنى من حرق الاعصاب والضغوط النفسية ، كما ان دراستي الجامعية قد عطلت بفعل ظروف الاعتقال "

من رسالة المعتقل السياسي سليم عطعوط - سجن جنيد

"لقد بذلنا نحن المعتقلين واهلنا وجميع المخلصين الجهود لانهاء الاعتقال وتأمين الافراج ولم نترك بابا ولا وسيلة الا ولجأنا اليها.. وكلها كانت تواجه بالوعود المغلظة بالعمل لانهاء الاعتقال على لسان العديد من المسئولين وقادة السلطة والاجهزة الامنية ، ويطالبوننا في كل مرة بمراعاة الوضع السياسي واعطائهم الفرصة .. لم نعد نقبل هذه الاعذار بعد ان دخل اعتقال اكثرنا شهره السادس عشر بدون مبرر او سبب قانوني.

مقطع من رسالة من سجن جنيد (ديسمبر 98)

"ولكن مفاجأتنا باعتقاله واخضاعه للتحقيق خلال ثلاثين يوما ثم تحويله الى سجن اريحا المركزي كانت كبيرة جدا ، خاصة انه ثبت عدم علاقته بأي عمل مخالف للقانون .. اننا نطالب بالافراج عن الشيخ جمال علما ان والدته مريضة وعجوز هرمة ، كما ان له اطفالا صغارا بحاجة لعطفه ورعايته".

والدة المعتقل السياسي جمال الطويل

"هشام تعرض لجولات تحقيق وتعذيب صعبة ويعاني من ظروف اعتقالية صعبة منذ ما يزيد على عامين وثمانية شهور ، وهو حتى الان لايعرف مصيره ، لانه بدون محاكمة .. كل ذلك سبب له معاناة نفسية صعبة ، وليس هينا ما حدث له وليس سهلا على اهله ان يصل المطاف بشاب في ريعان شبابه الى مستشفى الطب النفسي".

والدة المعتقل هشام الكحلوت

** شهادات على اوضاع مأساوية

خلال العام 97 قتل وتوفي 9 مواطنين فلسطينيين في سجون ومراكز اعتقال تابعة للسلطة اثنان منهم تحت التعذيب واثنان على الحواجز وخمسة اثناء احتجازهم في السجون الفلسطينية .

وواصلت السلطة الفلسطينية خرق القانون ومعايير حقوق الانسان حيث شنت حملة اعتقالات .. واستمر احتجاز معتقلين دون تقديمهم للمحاكمة وبالنسبة لمعاملة السجناء في سجون السلطة هناك شكوى من عدم توفر الوجبات الغذائىة حيث يعتمد السجناء على ما توفره لهم اسرهم من طعام كما يضطر السجناء الى شراء ادوية على حسابهم الخاص ... واستمرت السلطة التنفيذية في انتهاك مبدأ استقلال القضاء حيث لا تزال ترفض تنفيذ قرارات المحاكم سواء قرارات محكمة العدل العليا بالافراج عن معتقلين تعسفا او قرارات في قضايا تتعلق بمخالفات اصدرها مسؤولون في دوائر السلطة .. وانتهى العام دون قيام السلطة التنفيذية باتخاذ اجراءات ضد كبار المسؤولين في قضايا الفساد الاداري .

( عن تقرير لجمعية القانون مارس/97)

" ان رفض الاجهزة الامنية المتكرر السماح للهيئة ولعائلات الموقوفين ومحاميهم بزيارتهم رغم مرور اكثر من اسبوعين على اعتقال بعضهم يضع علامة استفهام على صحة سير الاجراءات بحق هؤلاء المعتقلين كما يشكك في توفير الحد الادنى من حقوقهم ومن الضمانات اللازمة لهم والتي يقف على رأسها حقهم في الدفاع عن انفسهم وحقهم في توكيل محام .

( الهيئة المستقلة مايو/98)

" لا تزال اجهزة الامة الفلسطينية تستخدم التعذيب ضد المعتقلين وتسيء معاملتهم كاسلوب من اساليب انتزاع الاعترافات منهم بالقوة "

( تقرير القانون نوفمبر/98)

" لقد قامت السلطة بوضع قانون يمنع استخدام التعذيب .. . والواقع يقول غير ذلك وتنوع اساليب التعذيب والاهانة يمكن القول انها دمج بين اساليب المعاملة المطبقة عند الاسرائيليين مع الاساليب المطبقة في الدول العربية من تغطية الوجه والرأس الى الحرمان من النوم والضرب واعتقال الاقارب "

( تقرير لجنة الرقابة العامة )

" فالسجون الفلسطينية ما تزال مزدحمة بسجناء مضى بعضهم عامين او اكثر دون محاكمة او توجيه اي تهمة وظاهرة تعذيب الموقوفين تتسع ... فقد تلقت المجموعة وحدها سبعين افادة تعذيب من الضحايا في السجون او اقاربهم خلال النصف الاول من العام الماضي 89 "

( المجموعة الفلسطينية لمراقبة حقوق الانسان يناير / 99 )


آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل