بيت الطاعة : بين النصوص الشرعية وتطبيق المحاكم

 

العودة إلى صفحة الرسالة

بيت الطاعة : بين نصوص الشريعة وتطبيق المحاكم

سلامة: ازالة بيت الطاعة مخالفة صريحة للشرع

الجوجو : القاضي يبطل بيت الطاعة اذا قبل دعوى المرأة

نشوان: ما يطبق في المحاكم ظلم للمرأة

القرضاوي: من حق المرأة فدية نفسها اذا كرهت زوجها

تحقيق / اعتدال قنيطة

"يجب ازالة اجراء بيت الطاعة ، وانصاف المرأة من الظلم الواقع عليها ، واعطاؤها الحق في تطليق نفسها مثل الرجل الذي يسلط سيفه على رقبة المرأة كيفما شاء ومتى شاء ، ووقف حالة الاستنزاف التي يمارسها الرجل على المرأة اذا طلبت الطلاق منه" مطالب ارتفعت بها اصوات بعض المؤسسات النسوية والحقوقية مطالبة المجلس التشريعي بتطبيقها في قانون الاحوال الشخصية.
ولكن .. ما مدى شرعية وقانونية بيت الطاعة؟ وما الحق الذي اُعطي للمرأة مقابل حق الرجل في الطلاق؟ وكيف تمارسه؟

للاجابة على هذه التساؤلات وغيرها التقت الرسالة بالعديد من المسئولين.

**تجارب

ما زال العديد من النساء تعاني من مشاكل بيت الطاعة وعدم حصولها على نفقتها الزوجية لتعند ازواجهن ، فذكرت لنا المواطنة وفاء انها متزوجة من ابن عمها منذ عام تقريبا وانجبت منه ولدا ، وتعاني من رفض زوجها تغطية نفقاتها ونفقات ابنها ، مما دعاها الى مغادرة بيت الزوجية منذ ثلاثة شهور ، لانها كارهة لاخلاقه التي تزداد سوءا بعد حصوله على الوظيفة من شرب للخمر وقضاء العديد من الليالي خارج البيت. واضافت "انه الان يهددني ويطلب مني التنازل عن جميع حقوقي من نفقة ولدي الصغير وحقي في المهر المؤجل وغيره ، ودفع ما يماثله ثلاثة اضعاف من اجل الحصول على حريتي او يرفع قضية نشوز اذا لم استجب لطلباته واقضي طول عمري معلقة في بيت اهلي لا اعرف ان كنت متزوجة ام مطلقة.

وفاء ليست المتضررة الوحيدة من قضية النشوز وحرمانها من النفقة بل يوجد غيرها العديد من النساء اللواتي مر عليهن عشرات السنوات دون ان تحصل احداهن على حريتها من زواج ترفضه وعدم مقدرتها على المطالبة بخلع نفسها منه بسبب رفض زوجها والمجتمع الذي لا يرحمها اذا طالبت بحقها. وتحدثت شادية السراج مديرة مشروع دعم وتأهيل المرأة عن تجربتها فقالت "انه بعد صراع طويل في اروقة المحاكم الشرعية على مدار عدة اشهر وتقديم الادلة والبراهين التي تؤكد حقي في طلب التفريق للنزاع والشقاق ، أفاجأ بدعوة تطالبني بالمثول امام القضاء للنظر في حكم الطاعة المرفوع ضدي مشيرة الى ان المحكمة قررت اعادتها مكبلة بالاصفاد الى بيت الطاعة بدلا من انصافها ، واضافت: ان جرحي عميق وهو امتداد لجراحات نساء اخريات ما زالت نازفة في انتظار بصيص امل في تغيير الممارسات اللاانسانية والمجحفة بحق النساء مؤكدة انه لم يخطر ببالها انها ستدفع ثمنا غاليا لمطالبتها بحقوقها ، وكأنها بهذه المطالبة ارتكبت جريمة يعاقب عليها القانون الذي لجأت اليه مشيرة الى انها وجدت نفسها كغيرها من النساء تذبح على مقصلة القانون.

**مخالف للقانون والشرع

تباينت الاراء حول مدى قانونية وشرعية بيت الطاعة فنفى كارم نشوان الباحث القانوني للبرلمان الصوري قانونية بيت الطاعة او شرعيته لانه لا يستند الى نص قانوني واضح ولم ترد كلمة بيت الطاعة في اي بند من بنود قانون الاحوال الشخصية ، وما يطبق في المحاكم الشرعية ظلم يمارس ضد المرأة ، فتأخذ عنوة واجبارا الى بيت الطاعة وترغم على العيش مع زوجها وهي رافضة له، وتحرم من النفقة اذا رفضت الخضوع الى بيت الطاعة بتهمة النشوز ، والعديد من الازواج يستغل هذا القانون ليحرم المرأة من حقها ومن ثم ارغامها على طلب التفريق ، واضاف نشوان: ان القانون لم يحدد قيمة العوض الذي تدفعه لانهاء العلاقة الزوجية ، ويفرض عليها موافقة الزوج ، فاذا كان الطلاق حقا للرجل يمارسه كيفما شاء ومتى شاء ، فلماذا تحرم المرأة من خلع زوجها اذا كرهته؟، والمحاكم الشرعية لدينا غالبا ما ترفض قضية الزوجة التفريق للنزاع والشقاق.

وقالت النائبة جميلة صيدم ان الاجراءات المتبعة في محاكمنا ليس لها اساس قانوني مؤكدة ان المجلس التشريعي سيكون له دور فاعل اثناء اعداد قانون الاحوال الشخصية التي تمس انسانية وكرامة المرأة التي تخرج عن ميثاق حقوق الانسان خاصة تلك النقاط التي وردت في القرآن ويتم تأويلها حسب الاهواء الشخصية.

**موافق للشرع والقانون

استنكر الشيخ محمود سلامة نائب قاضي القضاة في المحاكم الشرعية ما طالب به بعض ممثلي القوى الوطنية والاحزاب السياسية والمؤسسات النسوية والحقوقية بضرورة ازالة بيت الطاعة الذي يطبق في محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة بدون سند قانوني حسب ادعائهم ، مؤكدا ان طلبهم هذا مخالف للشرع والقانون وما اتفق عليه علماء المسلمين، وهدد بتقديم استقالته اذا طبق في المحاكم الشرعية الفلسطينية اي قانون مخالف للشريعة ، واكد قوله المحامي جميل سلامة -رئيس الجمعية الفلسطينية للعلوم القانونية - فذكر ان طلب الزوج لزوجته الى بيت الطاعة بموجب دعوة ترفع الى المحكمة الشرعية نص عليه قانون الاحوال الشخصية ساري المفعول في الضفة والقطاع ، والذي يسمح لكل زوج استوفى شروط عقد الزواج ومستحقاته طلب زوجته الى بيته وطاعته ، وعلى الزوجة بعد استيفائها لجميع حقوقها الاقامة في سكن زوجها الشرعي مادام لم ينص عقد الزواج شرطا يقتضي غير هذا.

واكد انه لم ير اي نص قانوني يجبر المرأة على الذهاب الى بيت الطاعة ما دامت كارهة له ، ولم يحدث ان تدخلت السلطة التنفيذية للضغوط على الزوجة لتطبيق قرار بيت الطاعة . وبين الشيخ سلامة ان ما تطالب به بعض المؤسسات النسوية هو مخالف لشريعتنا الاسلامية ، لانهن يطالبن بقوانين غربية.

بينما قال الشيخ عبد الكريم الكحلوت مفتي غزة "كلمة بيت الطاعة تسمية تركية الاصل واصلها في الشرع قوله تعالى (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتعتدوا )" فالاسلام اوجب على الزوج ان يسكن زوجته في بيت يليق بها في حدود امكانياته ، وهي لا تجبر على الذهاب الى بيت زوجها اذا امتنعت وان كان الاصل ان تلازم زوجها. كما استنكر الكحلوت ما يشيعه البعض عن بيت الطاعة ووصفهم له بأنه سجن مقيد لحرية المرأة.

** الطلاق حق للرجل فماذا للمرأة ؟

الاسلام اعطى الرجل حقا في تسليط سيف الطلاق على رقبة المرأة متى شاء وكيفما شاء في حين ان المرأة لا تملك الطلاق ولا يجوز لها ان تطلبه ان كرهت زوجها وفرض عليها ان تعاشره كرها فان ابت دعيت الى بيت الطاعة فاين العدالة التي يتسم بها الاسلام ؟ سؤال يتردد بكثرة في اوساط بعض المؤسسات النسوية وتساءل به كارم نشوان مطالبا انصاف المرأة بحقها في خلع نفسها .

وردا على ذلك قال الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه فتاوى معاصرة " ان الشريعة الاسلامية قيدت الطلاق في الوقت وبوجود الحاجة الشديدة اليه ، ولم تترك الرجل بعد الطلاق دون غرم يؤده ويثقل كاهله ، ويخوفه عاقبة امره ، من دفع الصداق المتأخر والنفقة الواجبة في العدة واجرة رضاع للاولاد ونفقتهم ، وهناك متعة الطلاق المندوبة عند الاكثرين وفي المقابل اعطت المرأة حقا ثابتا في تزويج نفسها ، وجعل للزوجة الكارهة مخرجا من الحياة من زوج تنفر منه وتتأذى عنه ، وكانت هي الراغبة وحدها في الفراق كان مخرجها ما عرف على لسان الفقهاء الخلع "

واكد القرضاوي ان المرأة اذا كرهت زوجها لخلقة او خُلقُه او دينه او كبره او ضعفه او نحو ذلك وخشيت الا تؤدي حق الله في طاعته جاز لها ان تخالعه بعوض تفتدي به لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري قال : جاءت امرأة ثابت بن قيس الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ما انقم عليه في خلق ولا دين الا اني اكره الكفر في الاسلام ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم " اتردين عليه حديقته ؟ فقالت : نعم ، فردتها عليه ، وامره ففارقها " وفي رواية " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " .

وعلى هذا فان ساءت العشرة بين الزوجين ، وكانت المرأة هي النافرة الكارهة وابى زوجها تطليقها فلها ان تعرض عليه الخلع وترد عليه ما اخذته منه ولا ينبغي ان يزداد .

ثم تساءل القرضاوي " اذا رفضت المرأة ان تفدي نفسها من زوجها الذي لا تطيقه واصرت على ان يفارقها دون تضحية منها فهل يلام الرجل اذا دعاها باسم القانون وسلطان الشرع الى بيت الزوجية ( بيت الطاعة ) " .

** رد النشوز

وحول كيف ترد المرأة قضية النشوز ؟ اجاب الدكتور حسن الجوجو : المرأة لا تنساق لطاعة الزوج الا اذا دفع لها جميع مستحقاتها الزوجية من مهر معجل وما لحق به (عفش بيت ) او دين لها عليه ، وان النفقة لا تقطع بمجرد صدور قرار الطاعة ، واذا استطاع الزوج ان يثبت نشوز زوجته بدعوة قضائىة فلها الحق قانونيا بدفع هذه القضية عنها بما تراه مناسبا مثل رفع دعوى التفريق للنزاع والشقاق ، وبيّن ان القاضي يبطل دعوى الطاعة اذا قبل منها دعواها ، ولها ان ردت دعواها ان ترفعها مرة اخرى بادلة جديدة فاذا اكتسبت درجة القطيعة يرسل القاضي حكمين احدهما من اهلها والاخر من اهله لتوضيح اسباب النزاع وتقدير حجم الضرر الواقع على الطرفين .

** لا يشترط موافقته

يشترط في المحاكم الشرعية موافقة الزوج على قبول عوض الزوجية لتطليقها (خلعها) ولا يجبر الزوج عليه اذا رفض وفق ماذكره الشيخ سلامة ، ولم يحدد القانون حجم العوض الذي يجب ان تقدمه المرأة لزوجها ، في حين ذكر القرضاوي انه لا يجوز للزوج ان يأخذ من زوجته اكثر مما اعطاها ، والقرآن الكريم يربط الافتداء بما آتاه الزوج لا بأكثر لقوله تعالى " لا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا ان يخافا الا يقيما حدود الله ، فان خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليها فيما افتدت به " .

وقال القرضاوي " اذا رفض الزوج واصر على مضايقتها واكراهها على الحياة في كنفه للقاضي المسلم ان ينظر في الامر ويستوثق من حقيقة عاطفتها وصدق كراهيتها ثم يجبر الزوج على قبول العوض ويحكم بينهما ، ولا يحل للرجل ان يضار المرأة ويضيق عليها لتفتدي نفسها منه ما دام هو الذي يكرهها " .

وايده الرأي الجوجو بقوله " ان الساري في محاكمنا الشرعية ان الخلع يشترط فيه تراضي الطرفين ولا يكون من جانب المرأة فقط وهو مغاير لما قاله الامام مالك في كتابه بداية المجتهد " .

ان الفداء اي الطلاق على مال انما جعل للمرأة في مقابلة ما بيد الرجل من طلاق ، فانه لما جعل الطلاق بيد الرجل اذا فرك ( كرهها ) جعل الخلع بيد المرأة اذا فركها (كرهته ) .

وقال الجوجو : اننا لا نستطيع ان نعطي كل امرأة الحق في تطليق نفسها من زوجها مقابل مال اذا كرهته ، خوفا من فتح باب الفساد وهدم الاسر ، ونحن مأمورون بسد باب الذرائع والعمل على جمع شتات الاسرة .

ويذكر ان وزارة العدل المصرية انتهت من مراجعة قانون يقر بشكل خاص بمبدأ الخلع الذي يجيز للمرأة تطليق زوجها مقابل التنازل له عن ملكيتها او مبلغ من المال .

ولم يشترط موافقة الزوج وان القاضي هو الذي يقرر ما اذا كان ما تعرضه المرأة يتناسب مع وضع زوجها ليوافق على تطليقها.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل