في أي المآزق سيدخلنا هذا المخرج؟

نهاد الشيخ خليل

العودة إلى صفحة الرسالة


ان كل محاولات السلطة تسويق ما يجري اليوم على صعيد العملية السياسية، على انه يخدم المصلحة العليا للشعب الفلسطيني ، وان القرار بشأن تمديد المرحلة الانتقالية ستتخذه المؤسسات الفلسطينية ، ولن يكون نتيجة الضغوط الدولية التي مورست على السلطة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ، ان كل ذلك لن يفلح في تزيين ما يجري من احداث، وذلك لسبب بسيط وهو ان الناس جميعهم يشعرون بالازمة ويتحدثون عنها في منتدياتهم وزياراتهم واماكن عملهم بشكل صريح ومباشر.

ويمكن القول وبدرجة عالية من الثقة ان الوضع الحالي هو نتيجة طبيعية ، ونهاية متوقعة لبداية مليئة بالاخطاء القاتلة، خاصة وان القرار الفلسطيني بالدخول في العملية السياسية جاء بناء على قراءة متسرعة وغير دقيقة لموازين القوى بعد حرب الخليج ، ونتيجة لضغوط من جهات كثيرة ، وتلويحات اسرائيلية باللعب على التناقضات الفلسطينية العربية والفلسطينية الفلسطينية.

وتتمثل الاخطاء القاتلة سابقة الذكر في النقاط التالية:ـ

ـ قبول الطرف الفلسطيني انهاء الصراع والمقاومة قبل استكمال اعادة الحقوق، خاصة الارض، الامر الذي افقد الطرف الفلسطيني ورقة ضغط مهمة، وابعد من ذلك فقد قبل الطرف الفلسطيني ومعه الاطراف العربية في مدريد ، البدء مباشرة في مفاوضات لبناء شراكة اقتصادية ، وبحث في مسائل البيئة، ونزع التسلح ، ودخل الاسرائيليون الكثير من البلاد العربية ، كل ذلك حدث قبل ان يعيد الاسرائيليون اي جزء من الاراضي المحتلة عام 1967 ، وبالتالي ، فطالما ان الاسرائيليين حصلوا على التزام بوقف المقاومة ضدهم ، وتعهد العرب باقامة علاقات طبيعية مع دولة الاحتلال ، فما الذي سيجعلهم يتنازلون؟! ، وكان هذا هو الخطأ الاول والخطير.

ـ اما الخطأ الثاني فيتمثل في عدم وجود مرجعيات واضحة وقاطعة الدلالة للاتفاقيات وللمفاوضات ، فمثلا قرارات الامم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية لم يتم التطرق اليها باستثناء 242و 338 ، كما ان الاتفاقيات لم تحدد ما هي النتائج التي يجب ان تنتهي اليها العملية السياسية ، بمعنى انه لم تحدد الاتفاقيات وجوب اقامة الدولة الفلسطينية في نهاية المطاف ، واكثر من ذلك فإن الاتفاقيات الموقعة لم تنص على ان الضفة والقطاع ارض محتلة ، وجاءت النصوص الغامضة للاتفاقيات لتفسح المجال امام اعتبار الاراضي الفلسطينية ، في احسن الاحوال، "اراض متنازع عليها" ، كل هذا سببه غياب المرجعيات الواضحة التي تحدد بجلاء ودقة ما هي الحقوق الفلسطينية ، وبالتالي اصبح تحديد المرجعية والحقوق يتم وفق رغبات وتفسيرات الطرف الاقوى.

ـ واضافة الى ما تقدم جاء الخطأ الثالث المتمثل في مرحلية التفاوض وليس مرحلية التنفيذ ، لكي تزداد الامور تعقيدا وسوءا ، فبعد الموافقة على انهاء الصراع ووقف المقاومة قبل اعادة الارض المحتلة ، ودخول عملية سياسية تُظهر الحقوق الفلسطينية وتؤكد عليها، جاء الخطأ الثالث المتمثل في تقسيم عملية التفاوض ذاتها الى مراحل ، وفي المراحل الاولى للاتفاق والتنفيذ ومن خلال الاحتفالات والمهرجانات تولد انطباع في العالم ان القضية الفلسطينية وجدت طريقها للحل ، الامر الذي احدث استرخاءً في اوساط المؤيدين والمناصرين للحقوق الفلسطينية في العالم ، مما اتاح فرصة للاسرائيليين للاستفراد بالجانب الفلسطيني ، والمماطلة في تنفيذ الاتفاقيات والتي بلغت مؤخرا حد التنكر لها.

ـ والخطأ الرابع يتمثل في اعتماد السلطة على المساعدات الخارجية في بناء نفسها ، فإذا تجاهلنا اهداف المانحين من تقديم المساعدات وفق الاولويات التي يرتأونها هم ، وليس وفق ما نحدد نحن، فإن اخطر ما في هذه المساعدات هو انها تحولت الى شيء لا يمكن الاستغناء عنه، وبالتالي اصبحت احد اهم المحددات التي تؤثر في اتخاذ القرار الفلسطيني ، فأي قرار فلسطيني، وبالذات القرارات المصيرية مثل الاعلان عن الدولة ، او تبني خيارات اخرى مما هو مشروع في القوانين الدولية ، اصبح غير ممكن الا بموافقة الدول المانحة وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية.

وطالما ان الولايات المتحدة لا زالت وستبقى متمسكة بتحالفها الاستراتيجي مع اسرائيل ، فإن هذا يعني انها لن توافق على اي قرار فلسطيني لا ترضى عنه اسرائيل ، وستكون المساعدات احدى الاسلحة التي تساعد اعداءنا في الضغط علينا.

ـ اما الخطأ الخامس فهو اعتماد السلطة الفلسطينية منهجية البحث عن مخارج من المآزق والازمات ، لا عن حلول للمشكلات التي تواجهها ، فعلي سبيل المثال ، فإن التنكر الاسرائيلي بقيادة نتنياهو للعملية السياسية ، وما وقع في اطارها من اتفاقيات ، دفع السلطة ، ولتحقيق اهداف تكتيكية ، في الصيف الماضي لاتخاذ قرار بضرورة الاعلان عن الدولة الفلسطينية المستقلة في 4/5/99 ، وكان واضحا منذ البداية ان هذا القرار لن يشكل حلا للازمة لان السلطة لاتريد وقف العملية السياسية ، بل تريد فقط ادخال شيء من الحركة على الجمود الحاصل في المفاوضات.

لكن هذا المخرج من مأزق صيف عام 1998، ادخل السلطة في ازمة جديدة في ربيع عام 1999 حيث اقتراب موعد الاعلان عن الدولة دون التمكن من القيام بذلك ، بسبب الضغوط الدولية والتهديدات الاسرائيلية ، لذلك جاء قرار تأجيل الاعلان عن الدولة ، وتمديد المرحلة الانتقالية كمخرج من هذه الورطة ، والله وحده يعلم في اي المآزق سيدخلنا هذا المخرج خاصة وان التهديدات الاسرائيلية التي ملأت الدنيا والتراجع الفلسطيني نتيجة لها - على الاقل امام الاعلام العالمي- سيدخل الى وعي العالم امرا جديدا ، وهو ان الحق الفلسطيني في اقامة الدولة مرهون بموافقة اسرائيل.

وبناءً على ما تقدم ، فإن البحث عن حل حقيقي لما نتعرض له من مشكلات لا يمكن ان يكون من داخل العملية السياسية او استمرارا لها، بل يجب ان يأتي من خلال الانفكاك منها وادارة الظهر لها ، وهذا لا يعني القيام بتصرفات دراماتيكية ، بل تدريجية ، كل واحدة منها تمكن لما بعدها.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل