الجزائر / هل تكون الإنتخابات الأخيرة طريقاً للخروج من الأزمة السياسية ؟ ووقف مسيرة العنف !؟

 

العودة إلى صفحة الرسالة

خاص بالرسالة

في حياة الجزائريين اليوم قضيتان تكادان تسيطران على تفكيرهم واهتماماتهم هما :ـ

- القضية الاولى توقف العنف والعنف المضاد وهذه معنى بها جميع افراد الشعب على مختلف طبقاتهم الاجتماعية والثقافية وميولهم السياسية.

- القضية الثانية والاخيرة هي الشرعية السياسية للسلطة وهذه معني بها الاحزاب والقوى السياسية والتيارات الثقافية بجميع منطلقاتها الدينية والعرقية.

بل بات الجزائريون اليوم يحلمون باليوم الذي يستيقظون فيه على اعلان رئيس جديد يعلن عن وقف العنف واعلان مصالحة وطنية شاملة وعفوا عاما يطوي مآسي اكثر من سبع سنوات خلت ضحاياها يزيدون عن اكثر من مائة الف قتيل وعشرات الالاف من المصابين والمفقودين والمشردين والمعتقلين لدرجة يصعب على اية جهة حصرهم في الوقت الراهن.

والان وبعد اكثر من ثلاث محاولات حكومية للقفز على استحقاقات نتائج انتخابات 1992 عبر اكثر من محاولة سياسية وخطط قمعية الا ان جميع الجزائريين سواء كانوا في السلطة او المعارضة او الشعب باتوا يدركون انه لا مناص الان من تغيير قواعد اللعبة السياسية واتاحة الفرصة امام قدر اكبر من التغيير السياسي الذي يتيح مجالا جديدا لاعادة النظر في اليات التعامل مع الواقع السياسي ويشجع القوى التي تقف وراء العنف الى وقف انشطتها واعادة النظر في مواقفها من السلطة والدولة والبحث عن آليات جديدة للتعامل مع الواقع السياسي.

ويمكن للمراقب ان يدرك من خلال متابعة السياسات التي حاول الامين زروال ان يتبعها خلال العام الماضي والتي حاول من خلالها ايجاد سبل لوقف العنف واحداث نوع من الانفراج السياسي الداخلي انها باءت بالفشل لاسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا الا انه ادرك بحنكته السياسية ان قواعد اللعبة السياسية القائمة في حينها لن تتيح له تنفيذ توجهاته السياسية مما دفعه للاعلان عن تنظيم انتخابات مبكرة وحرة على امل الخروج من المأزق الذي يعيشه هو مع القوى التي تتحكم في السلطة واخراج البلاد من حالة الاحتقان السياسي الذي تشهده بسبب استمرار العنف والعنف المضاد وحدة الانتقادات الداخلية والخارجية لسياسات الدولة في معالجة ازماتها السياسية.

وهكذا كان قرار زروال تعبيرا قويا عن فشل السلطة في معالجة ازمات الدولة السياسية والامنية وتأكيدا جديدا للجميع ان القفز عن استحقاقات 1992 لم يكن بالامر الهين لأي قوى سياسية سواء كانت في السلطة او المعارضة وبالتالي لابد من اعادة النظر في قواعد اللعبة السياسية بحيث تسمح بالاستجابة لشيء من الاستحقاقات وفي نفس الوقت عدم السماح للقوى الاسلامية بالتفرد بجني هذه الاستحقاقات وبمعنى اخر صياغة تعترف بحقوق جميع القوى السياسية مع اعطاء هامش مناسب للتيارات الاسلامية للمناورة والمشاركة في الحياة السياسية.

وهكذا كان قرار الانتخابات المبكرة محاولة للهروب من استمرار التصادم مع الواقع السياسي المتشنج واتاحة الفرصة لاحداث نوع من التغيير في هذا الواقع وظهور قيادات وقوى سياسية جديدة تتحمل مسؤولية اخراج البلاد من ازمتها السياسية ومواجهة متطلبات التنمية ومعالجة ملفات البطالة والاسكان.. الخ

لكن السؤال المهم هنا الذي يفرض نفسه هل ستكون الانتخابات فعلا مخرجا حقيقيا من الازمة السياسية؟ وبالتالي وقف العنف؟ ام ان هذه الانتخابات ستكون وسيلة امام القوى المتحكمة في السلطة في الجزائر من اجل اعادة ترتيب اوراقها والالتفاف على الاستحقاقات المطلوبة؟ وتجميل صورتها امام الرأي العام الداخلي والخارجي ؟ والمجيء بقيادات تساعدها على استمرار نفوذها وتحكمها في مقدرات الدولة؟

الحقيقة التي تفرض نفسها ونحن بصدد الاجابة على هذه التساؤلات هي ان الجزائر تواجه فعلا ازمة سياسية خانقة بكل المقاييس وان التصدي لها لم يعد امرا ممكنا امام السلطة والقيادات المتنفذة في الدولة.

من هنا يمكن القول ان الانتخابات هي المخرج المناسب والمرضي لجميع الاطراف من اجل الخروج من الازمة السياسية والاطار الملائم ليؤكد كل طرف حقه ومشروعيته السياسية في تولي السلطة وقيادة البلاد ، لكن هل هذه الانتخابات ستتوفر لها الظروف والشروط الملائمة للنجاح ولتكون حكم فصل بين القوى السياسية المتصارعة ؟ هذا الامر لا زال محل شك فقد سبقت الانتخابات نقاشات وجدل حاد بين القوى السياسية المتنافسة حول قانون الانتخابات والتدخلات غير المباشرة التي تمارسها القيادات النافذة في السلطة وغيرها من القضايا، لكن هذه النقاشات حسمت مؤخرا على علاتها وتحفظاتها وانتقل الرهان على الانتخابات نفسها ونتائجها.

ويرى كثير من المراقبين ان التطورات والتفاعلات التي شهدتها الساحة السياسية الجزائرية خلال الشهور القليلة الماضية تؤكد ان هناك رغبات وتوجهات قوية للخروج من سلطة ونفوذ القوى المتنفذة في السلطة المسؤولة عن العنف والازمة السياسية سواء كان من الجيش او اجهزة الامن او مراكز القوى المؤثرة في مؤسسات الدولة خاصة في بعض القطاعات الاقتصادية ويشير هؤلاء الى ان هذه الرغبات عبرت عن ذاتها في اكثر من مناسبة وهو ما سمح بظهور الانتقادات المباشرة لمحاولات بعض الاطراف والقوى التأثير على مجرى ونتائج الانتخابات ، كما ان هذه القوى لم يعد لديها مرشحون اكفاء ومقبولون جماهيريا وسياسيا يمكنهم لعب دور الممثل الصامت لها في السلطة خاصة وان تجاربها السابقة باءت بالفشل وان اي شخصية سياسية كي تنجح وتستمر لا يسعها الا عدم الرهان على دعم هذه القوى والاعتماد على قدر مناسب من الشرعية والتفاهم السياسي مع القوى السياسية الموجودة على الساحة الجزائرية.

وبذلك فإن المراقبين يرون ان هذه الانتخابات وان كان مبكرا التكهن بنتائجها السياسية ودورها في حسم ازمة البلاد السياسية الا انهم يؤكدون بأنها ستحمل بشائر تغيير حقيقية قد تقود لاخراج الجزائر من محنتها ولو مرحليا وجزئيا لكنه يظل من المشكوك فيه الان الجزم بأن هذه الانتخابات ستكون حاسمة للعنف والعنف المضاد ، وان هذه القضية ستظل مرهونة بمستوى التغيير المحتمل ومعدل التغيير الذي سيشهده الواقع السياسي وحدود السماح بالمشاركة السياسية خاصة للتيارات الاسلامية صاحبة الحضور القوي في المجتمع الجزائري وذات التأثير البالغ على مجرى الحياة السياسية فيه.

وخلاصة القول ان الجزائر بهذه الانتخابات تقف على ابواب مرحلة جديدة من التغيير السياسي الذي سيضع حدا لحسم ازمة الشرعية السياسية للسلطة ووقف مسيرة العنف في البلاد وتدشين مرحلة من الانفتاح السياسي الداخلي يسمح بالمشاركة السياسية والمصالحة الوطنية والتعامل مع المشكلات والملفات المختلفة بموضوعية ومسؤولية وطنية.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل