شعارات الجدران : تهدد .. تحل النزاعات .. وترسل التهاني

العودة إلى صفحة الرسالة

"ظاهرة سلبية لم تنته"

شعارات الجدران : تهدد .. تحل النزاعات .. وترسل التهاني!!

تحقيق/ عمر احمد

لا يكاد شارع في مخيم او وسط مدينة الا وتزدحم فيه الجمل والشعارات ، بألوان مختلفة ، الاحمر والاسود في الغالب ، حتى انها اصبحت سمة بارزة (علامة مسجلة) للشارع الفلسطيني بحيث يصعب عليك ان تجد حائطا "نظيفا" خاليا من شعار او جملة مكتوبة.

الملفت للنظر هنا ان الشعارات تحمل في غالبها تواقيع حزبية سياسية او عائلية، او حتى من قبل افراد ارادوا التنفيس عن ضائقتهم السياسية والمعيشية. هذه الظاهرة لم يستطع المجتمع الفلسطيني للان ان يتخلى عنها او ان يجد لها بديلا او ان يحاول "اصلاحها" بالشكل الذي يتوافق مع طبيعة المرحلة القائمة، "الرسالة" طافت في العديد من الاحياء والمخيمات والمدن والقت الضوء على ظاهرة "ثقافة الجدران".

"عائلة (..) تحذر (..) وتطالب بالقصاص العادل " ، "عائلة... لن تدع دم الشهيد (...) يضيع هدرا وستلاحق القتلة " (الى الحقير ... ) ، حركة (...) تهنيء بعيد الاضحى المبارك (حزب (...) يهنيء شعبنا بانطلاقته)..

هذه عينة بسيطة من الشعارات التي لا تزال مرسومة الى اليوم على جدران المخيمات والشوارع الكبيرة، وتجد الشعار الواحد مرسوما في معظم انحاء المخيم والمدينة مما يعني ان هناك جهات تخطط وتكتب ، بالطبع يستخدمون علب (البوية) التي اصبحت علما من اعلام الانتفاضة ، الخطوط تتمايز... بعضها مكتوب بعناية فائقة وجميلة ، وبعضها بشكل (فوضوي) وتوقيع على عجل، بعضها يفتقد قواعد الاملاء والنحو والبعض الاخر يخطيء في كتابة الاسماء والتواريخ..

وحيثما سرت مع الشعار من شارع الى شارع فإنك تجد ان الذين يكتبون يختارون اما جدار منزل كبير (خصوصا المطلي باللون الابيض) واما باب محل او غيرها من المسطحات التي تسمح بأقصى حد للكتابة.

بالطبع ستجد ان بعض الشعارات (يركب بعضها فوق بعض) فتجد شعارات فتح وحماس والديمقراطية وشعارات عائلية على جدار واحد لا يتجاوز 6م2 ، واختلاط الكلام يعطي فكاهة وطرافة ، ففي احد الشعارات لحركة فتح تهنيء بحلول العيد جاء مختلطا بشعار حركة حماس بتهنئة للشعب الفلسطيني بالافراج عن الشيخ ياسين ، نجد الشعار على النحو التالي "حركة فتح تهنيء جماهيرنا بالافراج عن الشيخ المجاهد احمد ياسين )، حتى ان بعض شعارات خاصة مثل الاعلان عن بيع محل او تأجير منزل او البراءة من شخص ما متداخل بشكل قريب وعجيب ، ففي احد الاعلانات (المختلطة) تجد ان حزب (...) يعلن عن تأجير محل في شارع عمر المختار!! واعلان اخر يقول بأن حزب (...) يعلن عن افتتاح معرض لبيع الملبوسات!! والاطرف ان احد الشعارات التي صدرت -على ما يبدو - من احد المحبطين قد انتشرت في العديد من الاماكن وهو شعار (طز في هيك عيشة) ولوحظ في العديد من الشوارع الرئيسة.

سلاح الانتفاضة الفتاك!!

علب البوية كانت احد (الاسلحة) التي اثبتت فاعليتها القوية خلال فترة الاحتلال حيث لعبت دورا عظيما في تحريض الجماهير على الثورة ، او الاعلان عن اضرابات عامة ، او عن ايام مواجهة مع الاحتلال .. حتى اصبحت (علبة البوية) هي "الصحيفة الرسمية" التي تقرأ كل يوم من قبل المواطنين فتعرف الاخبار والحوادث، وغدا الجدار المكان الانسب الذي يستطيع المواطن من خلاله معرفة البرنامج اليومي للانتفاضة : اضراب ، مواجهات ، الاعلان عن اعدام عميل... الخ ، حتى ان جنود الاحتلال استشاطوا غضبا من هذه الجدران فكانوا يرغمون السكان على الخروج في عتمة الليل او في الصباح الباكر وهم يحملون جرادل الشيد كي ينظفوا الجدران من كل الشعارات الموجودة ، غير انها كانت تعود من جديد ، مما استدعى قوات الاحتلال الى فرض غرامات باهظة على كل منزل تكتب عليه الشعارات ولا يقوم بمسحها ، بالطبع استغل عملاء الاحتلال هذه "اللوحات الجدارية" كي يزرعوا الفتنة عبر شعارات مدسوسة وكتابات مغرضة استهدفت شق الصف الفلسطيني.

"علب البوية" مثلت مرحلة هامة وحاسمة في الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي ونجحت الى حد كبير في ايقاظ الهمم وتحريض الجماهير على مقاومة الاحتلال ، وايضا -وهو الاهم - في تعبئة الجماهير تعبئة وطنية صادقة وخالصة ، غير ان هذا الاسلوب لم ينته بدخول السلطة الفلسطينية ، بل اصبح "لسانا معتمدا" يعبر عن افكار وبرامج الاحزاب وحتى العائلات ، رغم ان الشرطة الفلسطينية اعتبرت الكتابة على الجدران غير مشروعة ، الا ان الامر لم يتوقف.

احد مواطني مدينة غزة يقول "للاسف انها ظاهرة سيئة جدا ، الاصل فيها ان تنتهي لانها كانت مناسبة في عهد الاحتلال والان لم يعد لها اي جدوى" ويقول مواطن اخر" انظر الى الجدران ، انها متسخة وقذرة والخطوط فيها (ملخبطة) ، انها تسيء الى منظر المدينة وتشوه معالم حضارتها.

المواطن احمد ابو غراب قال بأن الجدران اصبحت "السبورة" الوحيدة للاحزاب والعائلات وهي تستغلها بشكل سييء واضاف "اعتقد بأنه من الاولى ان تنتهي مثل هذه الظاهرة لان الجميع يعكسون نزاعاتهم واختلافاتهم على هذه الجدران".

بعض المواطنين ابدوا تذمرهم من دور الشرطة الفلسطينية وقالوا انها تتساهل في هذا الامر ولا تبدي موقفا حازما تجاه الذين يقومون بالكتابة على الجدران.

مواطن اخر من مدينة رام الله قال بأن اخطر ما في الموضوع انه كلما حدثت مشكلة بين عائلتين او بين حزبين فإن الجدران تمتليء بالشعارات التهديدية من كلا الطرفين او من طرف واضح او تصبح الجدران ساحة معارك ، واضاف "بدلا من حصر المشكلة فإنك تفاجأ بأنها تتسع لتشمل كل شارع وبيت وتصبح حديث الناس في كل مكان.

معظم الذين قابلناهم وتحدثنا معهم في انتشار هذه الظاهرة قالوا بأنها يجب ان تتوقف وانهم يدعمون مسح كل الشعارات التي تكتب على الجدران مهما كان نوعها.

**الشرطة : غير مشروع ولا قانوني

يقول المقدم محمود صقر مسؤول الامن السياسي في الشرطة ان مثل هذه الظاهرة تمثل سلوكا سيئا وغير حضاري وتسيء الى المواطن والى الطبيعة الجمالية لاي مدينة ، واضاف صقر ان الشرطة تعتبر ان الكتابة على الجدران غير مشروعة ومخالفة للقانون لذلك فإنها تقوم باتخاذ اجراءات معينة لمحاسبة المسؤولين عن مثل هذه التصرفات ، واشار صقر الى ان معظم من يقومون بالكتابة على الجدران هم من المراهقين الذين يدفعون من قبل اخرين ، لذلك نحاول الوصول اليهم ومراجعتهم بهذا الشأن.

واعتبر صقر ان هذه الظاهرة قد تقلصت عما كان في السابق وانها تظهر فقط وقت حدوث الازمات والمشاكل.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل