من شوارع الوطن

بقلم : صلاح البردويل

العودة إلى صفحة الرسالة

من مذكرات جعران

منتصب القامة امشي.. مرفوع الهامة امشي.. في كفي حبة زيتون .. وعلى كتفي نعشي .. وانا وانا وانا امشي ...
كانت هذه اخر الابيات التي انتحلها جعران اثناء وضعه اللمسات الاخيرة على مذكراته التي حرص على كتابتها تحسبا لوقوع اية عملية انتخابية نقابية او محلية او تشريعية... وقد كشف جعران النقاب عن ذلك ابّان زيارة خاطفة لمسئول كبير عاد من الحج مطهرا كما ولدته امه من كل الذنوب والخطايا.. وبالمناسبة فإن هذا المسئول صديق طفولة جعران ، وهو الذي اقترح عليه كتابة مذكراته على ان يذكره بالخير... "وشيلني واشيلك" فقد دفنوا الامر معا...

جعران لايجد غضاضة في ان ينادى بهذا الاسم من قبل اصحابه المقربين ، فهو يرى انه اكتسب هذا اللقب بجدارة ... كان يتخذ من الجعارين مثله الاعلى في طفولته.. وذلك لما تمتلكه من قدرة على العيش في ظروف الاحراش القاحلة حيث كانت تدحل امامها الخيرات الكبار ، وتقاوم الرمال والرياح والاعداء ولا تكل ولا تمل .. فالحياة صراع دائم من اجل الحفاظ على لقمة العيش .. ولا بأس ان يظل رأسها مختفيا خلف الكرة التي تدحرجها .. لا ترى ولا تسمع.. ولا تعبأ بالشمس ولا بالريح..

الرأس بين الكتفين لا يعرف الارتفاع .. الظهر المحني .. ذراعين قصيرتين .. شنب مسحوب على امتداد فم مطروق .. حينما يمشي يتحرك كل جسمه كتلة واحدة. جلس وفي يده سبحة طويلة تتحرك حباتها كما تحرك حبات عيونه يسترجع ذكريات النضال.. قال "احب ثلاثا .. وحبي لثلاث اشد!! احب الوطن وحبي للوظيفة اشد !! واحب الناس .. وحبي للواصلين اشد واحب الطبيخ وحبي للسلطة اشد ...

واكره ثلاثا وكرهي لثلاث اشد .. اكره التعقيد وكرهي لمن ينتقدني على الحامي والبارد اشد.. واكره المدارس وكرهي للحساب اشد .. واكره الفقر وكرهي لقلة الكيف اشد..

قال : هذه مقتطفات من مذكراتي .. قالوا وماذا عن ايام الصياعة؟ قال : استغفر الله .. الوطن يجب ما قبله .. ورفع يده بالسبحة ، وقال : انظروا!! ضحكوا على قدر النكتة .. قالوا : مارأيك في الدولة .. والاستيطان .. والقدس .. واللاجئين .. قال : على حسب الريح .. ما يودي الريح.. ويّاه انا ماشي .. ماشي.. وقام من المجلس، قالوا: ماذا دهاك .. وكان يردد انا ماشي.. ماشي ولا بيدي قال: انتم تريدون تخريب افكاري ومذكراتي لا نريد ان نستبق الاحداث.. قالوا : واذا حدثت انتخابات ماذا تقول للناس؟! قال : اذا حدثت !! سيقول اولادي لهم .. قالوا : وهل يستطيعون جمع افكارهم الى ذلك الوقت؟! قال لا داعي، كل شيء جاهز على الانترنت..

يسحبون .. ويكتبون وينامون وبعد ذلك الفلوس تعمل كل شيء .. قالوا : انت فيلسوف يا جعران هنيئا لك هذه العبقرية .. انت ابن عصرك .. قال: يجب ان نكون جميعا كالجعارين ارزاقنا التي نختفي خلفها اكبر منّا .. تحمينا من شرّ حاسد اذا حسد ، الى ان نختفي في الجحور .. وعلينا ان نتفاءل ونغني .. ثم مشى محني الرأس محدودب القامة في كفه اليمنى سبحة طويلة.. وعلى كتفه نعوش وشواهد قبور واخذ يغني بفخر..

مرفوع الهامة امشي .. منتصب القامة امشي

في كفي حفنة زيتون .. وعلى كتفي نعشي

وانا وانا وانا امشي...!!!

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل