كوسوفو / الحرب توقفت لكن الصراع لم يحسم و ... و....

العودة إلى صفحة الرسالة

هل الاتفاق لصالح البان الاقليم؟

كوسوفو / الحرب توقفت لكن الصراع لم يحسم و ... و....

عمر بركة

بعد حرب  مثيرة  في اهدافها  وتوقيتها  والياتها  استهلكت  اكثر  من 150 مليار  دولار  اعلن  حلف الاطلسي  موافقته  على تعليق  الضربات  الجوية  في كوسوفو  وعموم  صربيا  بعد قبول  الصرب  بالشروط  التي حددها  الحلفاء  اعتمادها  من قبل  مجلس  الامن وفق  بنود ا لفصل السابع  الذي  يخول  الحلف  اللجوء  للقوة  لتنفيذ  الاتفاق  .

هذه الحرب  التي يعتقد الكثير من المراقبين  بانها   ستكون  اخر حروب  القرن  والتي يخوضها  حلف الاطلسي  ويؤسس  عليها  استراتيجيته الامنية  والعسكرية  للقرن  المقبل  كما اعلن  ذلك  قادة الحلف  في  اخر قمة   عقدوها  في واشنطن  خلال  الاسابيع القليلة  الماضية   والتي  اقروا فيها  توسيع  دائرة  عمل الحلف  لتغطي  الدائرة  الاوروبية  الاطلسية  والتدخل  في الازمات  الدولية  بما يتوافق  مع قوانين  الامم المتحدة  خاصة  فيما يخص  ادارة  الازمات  الدولية ،  ويؤكد  هؤلاء  المراقبون  انها  المرة  الاولى  التي يسجل  من خلالها  الحلف  سابقة  خطيرة  في السياسة  الدولية  تتمثل  في تفويض  الحلف  نفسه  محكما  ومنفذا  للشرعية  الدولية  تحت مظلة   حقوق  الانسان  والديمقراطية  وحماية  الانسانية  من اعمال  الابادة  الجماعية  وهو  ما اثار  قلق  وخوف  دول  العالم  بل وحتى  الامم المتحدة  نفسها  بما فيها  مجلس  الامن من  مخاطر  واثار  هذه السابقة  على الاستقرار  الدولي  وهذا  ما يفسر  حرص  الامين  العام  للامم  المتحدة  كوفي  انان  على ارسال  مندوب  عنه لكوسوفو  لتمثيله  هناك  وفتح  مكتب  دائم  لهذا الغرض  للاشراف على  تنسيق  وتنفيذ  دور الامم المتحدة  في الاتفاق  والذي  سيقتصر  حسب  الاتفاق  على الجوانب المدنية  البحتة  .

***  اختيار للحرب الجوية 

وفي  تطور دراماتيكي  مثير  خالف  التوقعات  والتقديرات  استمرت  هذه الحرب  وحسمت  بواسطة  الضربات الجوية  فقط  التي استغرقت  11 اسبوعا  بمشاركة  1100 طائرة  مقاتلة  متعددة  المهام  والاغراض  واستعانت  بالاسلحة  الذكية   والدقيقة  بعيدة   المدى  في الوصول  لاهدافها  وهو ما  اعتبره  بعض  الخبراء  العسكريين  والاستراتيجيين  اختبارا  طويل الامد  لادارة  الحرب  المعاصرة  بواسطة الطائرات والاسلحة  الدقيقة  فقط  بما  يحقق  الاهداف  المرجوة   دون  قتلى  واصابات  بالغة   في الجنود  وكان  هذا  احد اهم  الدروس التي خرجت بها  الادارة الامريكية   بعد حروبها  المتعددة  التي  دخلتها  وشاركت فيها  خلال  النصف الثاني  من هذا القرن  ، اي بمعنى  اخر نحن  كنا   ازاء  حرب  من  نمط جديد  يصعب  على معظم   دول العالم   التصدي  لها  او  تحملها  وهو ما  يكرس  من  قوة  الدولة  او الدول  التي تدير  هذه الحرب  في السياسة  الدولية  في المستقبل  .

ونحن هنا  لسنا  بصدد قراءة  الحرب  وتطوراتها  واهدافها  وابعادها  ونتائجها  لذا  سنقفز  في تقريرنا  هنا عن مرحلة  الحرب  لنتوقف  عند مرحلة   الاتفاق  الذي  اوقف الحرب  بابعاده  وخلفياته  ونتائجه  ومستقبله  وتطبيقه  على الارض .

***  طبيعة  الاتفاق

بداية  لا بد ان  نشير الى  ان الاتفاق  جاء  نتيجة  لعشرات  المبادرات  والمقترحات  التي طرحت  في اعقاب  بدء الحرب  عبر وسطاء  دوليين  ودول  معنية  بالازمة ،  وخروجا من حالة الاحتقان  التي هددت  باتساع  نطاق الحرب  في اكثر من  مناسبة  لكنه  في النهاية  جاء  نزولا  عند قائمة  الشروط  والضوابط  التي  حددها  حلف الاطلسي  بقيادة  الولايات المتحدة الامريكية  ، وبالتالي  لا يمكن  ان  نسميه  اتفاقا  بقدر  ما  كان  خضوعا  لاملاءات  الحلف  التي كان  من خلالها  يكرس  تفرده  وسلطته  ورؤيته  الامنية والعسكرية  والسياسية ،  وهذا ما  يجعلنا نتساءل  : لماذا   قبل الصرب  في نهاية  المطاف  بهذا الاتفاق  الذي  سترك  نتائج  اسوأ من  النتائج  التي كانت  متوقعة قبل  بدء الحرب  ؟ ولماذا  تراجع  الجانبان  عن  خيار الحرب البرية ؟

ولماذا  قام الصرب  بعملية   تهجير  قسري طالما  انهم يدركون  انهم غير قادرين  على حسم  الحرب لصالحهم ؟

وفقا  للمعلومات  المتوفرة  والتقارير  التي سربت  للاوساط الصحفية   فان الصرب  قرروا في الاسبوع الاخير  فقط قبل توقف الحرب  من حسم  موقفهم  من الاتفاق   الذي يعرضه  الاطلسي  والذي هو عبارة عن  موافقة  على عدد من  شروطه  لوقف الحرب  بعد ان  ادركوا  ان المجتمع الدولي  لن يفعل  شيئا لوقف  القصف  الجوي  على بلادهم  ، وان  الدور الروسي  سيظل  محدودا في ظل  استمرار  الحرب  . كما ان  الرهان على  تفجير  خلافات  الحلف الداخلية  لم يعد ممكنا   بعدما  اتفقت  دول الحلف  في لقائها الاخير  في المانيا  على التمسك  بموقف واحد   ومتشدد  من الحرب  ، كذلك  بعدما  ادرك  الصرب  ان الحف  لن يغامر  بتوسيع  الحرب  الى حرب  برية  ، وبعدما  وسع  الحلف  دائرة  الاهداف  بحيث  تشمل  المرافق والخدمات  الحيوية  ،  وبعدما  تأكد  الصرب  ان الوساطة الدولية لن تنجح  في ادخال  اي تغيير  على مواقف  الحلف من الازمة  ، وبعدما  تزايدت  اعداد القتلى  في صفوف الصرب  سواء المدنيين  او العسكريين  ،  وبعدما  ادرك الصرب   ان موقفهم  بات معزولا  على المستوى الدولي . في ظل  كل هذه الاعتبارات  قرر الصرب  البحث عن  مخرج  لهم في  وقف الحرب  مع الحفاظ  على  ماء  الوجه  والذي  حققوه  من خلال  التأكيد على  وحدة  الاراضي الصربية   بما فيها كوسوفو  مع منح  الالبان  حكما ذاتيا  محدودا  في اطار  الودلة وهو ما لم  يتضمنه  اتفاق  رامبينو  في  فرنسا  قبل بدء الحرب  .

وتشير هذه المعلومات  الى ان  الجانبين  قررا  التخلي  عن خيار  الحرب البرية  باعتبار  ان خيار  الحرب البرية  سيتنهي  لنتائج  غير محددة  الى جانب  تبريرات  خاصة  بكل جانب  على حدة  ، اما بخصوص  لجوء  الصرب لعملية   التهجير  القسري  رغم ادراكهم  لعدم  امكانية   حسم الحرب  لصالحهم  تقول   مصادر  مطلعة  ان الصرب   حاولوا  استخدام  عملية  التهجير  عالميا  لردع  الحلف الاطلسي  عن مواصلة  اعماله  العسكرية  ، وخلق  حقائق جديدة   على الارض  تكرس  سيطرتهم   على الاقليم  ، اضافة  الى انه حتى في حالة   توقف الحرب  فان علمية  التهجير  ستتسبب  في خلخلة  الواقع  الديمغرافي  لصالحهم   كما  ستدمر  البنية التحتية  للاقليم  ومؤسساته  وهذا من شأنه  ان يحد طموحاته  في الاستقلال  او يجعله  عاجزا  في الاعتماد  على الذات  وبالتالي  تحجيم  سعيه نحو الاستقلال  ، وبذلك  يمكن  القول  ان هناك  هدفا  واضحا  لدى الصرب  وربما  كان  مفهوما  من قبل  الحلف  يتمثل  في احداث  تغيير  جوهري  في الواقع  السكاني  والبنيوي  في الاقليم  يقضي  على  احلام  قادته  من الالبان  في الاستقلال  ، والآن دعونا نتوقف عند بنود الاتفاق المزعوم حيث تشير تقارير مؤكدة الى ان الاتفاق يتضمن بنوداً سرية لم يعلن عنها ، وتؤكد اخرى ان الاتفاق يشمل حواشي كثيرة تفوق الاتفاق نفسه وتتعلق بكيفية وآليات تنفيذ الاتفاق .

** قراءة للاتفاق

- ويشير الانطباع الاول حول الاتفاق الى انه فرض رغبة وشروط الاطلسي بل ان الحلف اجبر مجلس الامن والمجتمع الدولي على القبول بالاتفاق واقراره دون اي تعديل او تدخل وهذا كان السبب في كثير من التعقيدات والتوترات التي سبقت الاتفاق سواء مع الصرب او اعضاء مجلس الامن او الوسيط الروسي . وينظر العديد من الدول الى الاتفاق على انه سابقة خطيرة اذا ما قررت دول الحلف تعميمه على البؤر الساخنة في العالم .

- اما الانطباع الثاني حول الاتفاق فيتمثل في فرض الارادة الامريكية على دول المجموعة الاوروبية والمجتمع الدولي وهو ما يأتي منسجماً مع الرغبة الامريكية في التفرد في قيادة العالم وتطويع المواقف والازمات الدولية لخدمة هذا الهدف .

- تهميش الامم المتحدة في الازمات الدولية واطلاق الحرية للادارة الامريكية في تمرير السياسات التي تراها مناسبة ويأتي هذا الموقف الامريكي في اعقاب المواجهات التي جرت بين الامم المتحدة والادارة الامريكية خلال السنوات الاخيرة مع غالي خاصة حول تقرير قانا ومع انان بشأن العراق، ومع مجلس الامن بشأن الهجوم على السودان وافغانستان ، كذلك الموقف من العقوبات على ايران ...الخ . ولهذا قررت الادارة الامريكية التحرك عبر رؤيتها الخاصة مستغلة تحالفاتها وقواعدها الخاصة عبر العالم في تنفيذ سياساتها وتسويق مواقفها .

وتبرز هذه القضية الآن كصراع غير معلن بين الادارة الامريكية والتوجهات الدولية بتوسيع عضوية مجلس الامن وضرورة اعادة التوازن داخله بحيث يمثل جميع التجمعات والقوى الاقليمية في العالم ، كذلك تعكس مواقف الادارة الامريكية من التعديلات المقترحة بشأن اصلاح اجهزة الامم المتحدة وتطوير دورها .

- حرصت الادارة الامريكية من خلال الاتفاق تأكيد دورها القيادي المطلق والذي لا يقبل الشراكة عبر اصرارها على تزعم قوات "كفور" وخضوع هذه القوات لقيادة وادارة موحدة تشرف عليها هي .

- الاتفاق نص على انسحاب القوات الصربية باسلحتها خلال مدة محددة وفي مسارات محددة لكن لم ينص على عودة اللاجئين خلال مدة محددة وعبر بوابات محددة وهو ما يعني ان يظل مصير شعب كوسوفو رهناً بيد الادارة الامريكية وقوات حلف الاطلسي .

- كما ان الاتفاق نص على حكم ذاتي محدود للالبان ضمن الدولة الصربية وفوض حلف الاطلسي تشكيل ادارته وهو ما يعني ان تظل عوامل التوتر والصراع قائمة .

- انهى الاتفاق وجود جيش تحرير كوسوفو الذي كان طرفاً في اتفاق "رامبوييه" في فرنسا كما صادر اسلحته ولم يحدد  بعد من سيتولى مهام النظام العام في الاقليم وتأمين الحدود وهو ما يبقي على فرص الاحتكاك قائمة في المستقبل .

- كان من الملفت تعليق القيادة الامريكية على الاتفاق والذي جاء على لسان الرئيس الامريكي حيث قال : "نحن حسمنا الحرب وعلى اوروبا اعادة الاعمار" ، بينما قالت مادلين اولبرايت : "ان حلف الناتو يجب ان يصبح قوة للسلام من الشرق الاوسط الى امريكا الوسطى" .

هذه التعليقات تعكس قلقاً بالغاً لدى المراقبين سواء كانوا في المنطقة هنا ام في اوروبا او في خارجها من التطلعات والتوجهات الامريكية .

- من المفيد ان نشير هنا الى ان هذه الحرب التطهيرية هي الثالثة التي يتعرض لها شعب كوسوفو الالباني الاولى كانت في العقد الثاني من هذا القرن والثانية كانت ابان الحرب العالمية الاولى والثانية ، والثالثة هي الحرب الاخيرة .

وهذا يعني ان الاقليم تعرض بواقع كل 30 عاماً تقريباً لحرب ابادة ، وان جميع الاتفاقات التي كانت توقف الابادة لم تتطرق لجذور الصراع في الاقليم وهو ما يعني ان حالة التوتر والاستعداد لجولة جديدة ربما تأتي في وقت قريب في ضوء الاتفاق الاخير لانه لم يضمن اية استقلالية او ضمانات للحماية من قبل شعب الاقليم او المجتمع الدولي .

- ان الاتفاق لم يعالج ملف اعادة الاعمار بصورة محددة وملزمة وكذلك الحال بالنسبة لباقي القضايا وهذا يعني ان حقوق شعب كوسوفو ستظل في ارض المزاد في السياسة الدولية .

** حقائق جديدة

وفي ضوء الاتفاق لابد ان نتوقف عند عدد من النقاط التي ربما تكون من نتائج  الحرب والاتفاق 1- عدم احترام سيادة الدول واستقلالها

2- تصفية النفوذ الروسي في البلقان بصورة شبه نهائية

3- تكريس الهيمنة الامريكية على الامن الاوروبي

4- نشوب صراع غير معلن بين الاطراف المعنية وهم امريكا والمجموعة الاوروبية والروس، وفي ضوء هذا الصراع كانت الادارة الامريكية تحرص على تذكير اوروبا بدورها في حمايتها واعادة اعمارها بعد الحرب العالمية حينما طالبتها بمشروع شبيه بمشروعها في اعمار اوروبا واعمار منطقة البلقان والدعوات الاوروبية لذراع عسكرية لاوروبا ونظرية خاصة للامن الاوروبي ، واصرار الروس على المشاركة في قوات السلام ضمن دائرة انتشار وقيادة مستقلة... الخ.

5-التردد في المشاركة في حروب جديدة بسبب الحقائق المرة التي كشفت عنها حرب الاطلسي في كوسوفو  والتي اثبتت قدرة دولة محدودة على الصمود في وجه اطول حرب جوية واشد الاسلحة تطورا منذ الحرب العالمية الثانية وهو ما يعني ان امكانية حسم أي حرب مقبلة عبر عمليات محدودة ونتائج محددة مسبقا كما كان الحال مع صربيا لن يكون ممكنا لاسباب عديدة امنية وعسكرية وسياسية

6- ان دولا عديدة سوف تراجع مواقفها وسياساتها في ادارة ازماتها السياسية، الداخلية سواء كان منها الناتجة عن التركيبة الاثنية ام الممارسة الديمقراطية ام حقوق الانسان باعتبار انها قضايا باتت مدخلا لتدخلات دولية وقد ظهرت مؤشرات لذلك في الصين ومصر والجزائر وغيرها.

**مستقبل الاتفاق

في ضوء ما تقدم لابد لنا من التساؤل حول مستقبل الاتفاق الذي انهى حرب كوسوفو!!

يرى خبراء غربيون ان الاتفاق سيكون حاسما بشأن العمليات العسكرية الاطلسية في المنطقة ، وانه لن تعطي صربيا اية فرصة للحلف لتبرير تجديد عملياته في المنطقة خاصة وانها اصحبت مغطاة بالشرعية الدولية وبنود الفصل السابع للامم المتحدة لكن بالنسبة لتنفيذ باقي بنود الاتفاق المتعلقة بالاعمار واللاجئين وادارة الحكم الذاتي والاستقرار في المنطقة لازال امامها الكثير من عمليات الاختيار والصراعات خاصة في ضوء استمرار نظام ميلوسوفيتش وزعامته لصربيا حيث ان ذلك يعني استمرار الاحتقان في الموقف السياسي الا اذا عقدت صفقات او تم الاتفاق على صفات جديدة من قبل الاطراف اللاعبة وعندها سيدفع الثمن وحده شعب كوسوفو الالباني الذي سيكون الطرف الاضعف والطرف الذي خسر الكثير من قياداته ورموزه ومواطن قوته.

ورغم كل المخاوف والشكوك التي اثارها الاتفاق الا انه من غير المتوقع ان يكون هذا الاتفاق سببا في احداث تغييرات داخل القارة الاوروبية او في العلاقات الاوروبية الامريكية او الاطلسية الروسية او الامريكية الروسية في المدى المنظور وذلك لان المعادلات القائمة بالغة الهشاشة والضعف وانه لا يوجد أي طرف مستعد للمغامرة بمستقبله واستقراره من اجل ادخال تعديلات سريعة في السياسة الدولية ومبادئ الشرعية الدولية والاستراتيجيات الامنية الاقليمية . وبذلك فإن الحرب صحيح توقفت لكن الصراع ظل مفتوحا سواء على الساحة الكوسوفية نفسها ام على ساحة المجتمع الدولي ام الاطراف الاقليمية المتمثلة في اوروبا وامريكا وروسيا والبلقان.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل