الجزائر .. خطوات هامة على طريق المصالحة بين الجبهة والسلطة

 

العودة إلى صفحة الرسالة

جواد ابو شمالة

تشهد الجزائر في هذه الايام تطورات دراماتيكية على طريق المصالحة بين السلطة والجبهة الاسلامية للانقاذ وان كانت مثل هذه الخطوات نحو المصالحة والحوار قد بدأت عام 97م زمن الرئيس السابق الامين زروال الذي لم يستطع اكمال مشواره بسبب اخطاء ارتكبها هو بالاضافة الى بعض العقبات الخارجية التي لم تسمح له بالتقدم في الحوار ، بالنسبة للنقطة الاولى لم يكن زروال يؤمن بضرورة الغطاء السياسي لخطواته عبر البرلمان او الشعب وهو ما اضعف موقفه امام الاحزاب السياسية عموما والجيش خصوصا ، ومن العقبات الخارجية كانت تتمثل في الجيش والجماعات الاكثر تطرفا والتي ترفض المصالحة والهدنة لاسباب خاصة بكل جهة ولكن التطورات الاخيرة كانت بروحية مختلفة عما حدث عام 97.

فالانتخابات الرئاسية الاخيرة كان من اهم نتائجها هو تحريك ملف "المصالحة الوطنية" وكان هذا الملف قد تصدر برامج جميع المرشحين دون استثناء وبعد فوز عبد العزيز بو تفليقة سارت الامور نحو طيّ هذا الملف بشكل متوازي بين السلطة والجبهة حيث خطا الجانبان خطوات عملية وجادة لتحقيق الهدف الذي ينشده الشعب الجزائري والشعوب العربية وهو تحقيق الامن والازدهار والرخاء للشعب الذي قدم اكثر من مليون شهيد في سبيل الحرية.

ففي جانب الجبهة الاسلامية قام جيشها الاسلامي للانقاذ بارسال عدة رسائل للرئيس بو تفليقة تؤكد رغبته في تحقيق الهدنة والمصالحة ووقف مسلسل العنف جذريا واستعداده ان يكون بتصرف الجيش الجزائري في مواجهة العابثين بارواح الناس وممتلكاتهم وتراق ذلك مع ردور فعل ايجابية من سياسيي الجبهة الاسلامية ومن بينهم رئيسها الشيخ عباس مدني وعدد كبير من اعضاء مجلس الشورى للجبهة في الداخل والخارج وهو ما يفتح المجال حقيقة لفتح باب الحوار وصفحة جديدة من العلاقات الوطنية الداخلية.

اما في جانب السلطة وعلى رأسها بو تفليقة تعاملت مع رسائل الجيش الاسلامي بجدية متمشيا بذلك مع برنامجه الذي وعد به ناخبيه واعلن عن مشروع "المصالحة الوطنية" ولكن الجديد في هذا الامر ان بو تفليقة يريد توفير غطاء سياسي لهذا المشروع الامر الذي لم يفعله سلفه زروال وهي خطوة ذكية وحكيمة يستطيع من خلالها تحييد اولئك المعارضين لهذا المشروع خاصة بعض جهات في الجيش الجزائري الذين يطلق عليهم عادة "الاستئصاليين" وبعض الاحزاب العلمانية الفرانكوفونية التي تعارض أي مصالحة مع أي نوع من الاسلاميين ولذلك فقد اعلن بو تفليقة انه سيعرض مشروعه على البرلمان الجزائري لاقراره وقد هدد الرئيس الجزائري البرلمان اذا لم يوافق على المشروع بعرضه على الشعب ليقول كلمته النهائية ، وفي حال رفض الشعب هذا المشروع قال بوتفليقة انه سيترك كرسي الرئاسة وهو تلميح غاية في الحكمة لان بوتفليقة يعرف ان الشعب يريد طيّ هذا الملف والعودة الى الاستقرار والتركيز على الاقتصاد الذي عانى منه كثيرا بسبب الازمة السياسية والامنية التي عصفت بالجزائر في السنوات العشر الاخيرة.

وحتى يؤكد بوتفليقة جديته ودعمه لهذا المشروع يقوم الاعلام الجزائري من صحف وتلفاز بالتنظير لخطوات المصالحة التي يقوم بها الرئيس والجبهة الاسلامية على حد سواء كما قامت السلطات الجزائرية بنقل مكان اقامة عباس مدني الى منطقة يسهل فيها الاتصال بين السلطة والجبهة وبعض الخطوات التي تعبر عن حسن النية.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه دوما، هل سينجح بو تفليقة في تنفيذ المشروع الوطني للمصالحة الذي بادرت اليه الجبهة الاسلامية للانقاذ وذراعها المسلح؟

لاشك ان التطورات الاخيرة في الساحة الجزائرية تبعث على البهجة والتفاؤل في الرأي العام الجزائري ولكن نظرا لصعوبة المعادلة التي تحكم الجزائر من الداخل والخارج تجعل المراقبين يتعاملون بحذر مع هذه التطورات ويبقى العديد من التساؤلات يفرض نفسه واهمها : هل سينحصر تعامل السلطة مع هذه الازمة على انها ازمة امنية فقط وبالتالي حل هذه الاشكالية مع الجيش الاسلامي والعفو عن مسلحيه وعودتهم الى الحياة المدنية ام انها تتعامل مع القضية حسب المفهوم السياسي للازمة وهو امر يحتم عودة الجبهة الاسلامية للانقاذ الى الحياة السياسية من جديد واطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومشاركة المعارضة السياسية في حوار استراتيجي شامل ومكشوف امام الرأي العام وهو التعامل الصحيح الذي ينهي الازمة من جذورها ويعيد الحياة الطبيعية الى ما كانت عليه قبل عشر سنوات لان الجيش الاسلامي ليس سوى جناح مسلح للجبهة والتعامل معه فقط لا يحل الازمة بشكل شامل.

والتساؤل الاخر الذي لا يقل اهمية يدور حول الجيش الذي عرقل مرات عدة محاولات المصالحة لان بعض الجهات فيه ترى في المصالحة خطراً على مصالحه في الداخل وتبرر هذه الجهات رفضها للمصالحة بأن بعض الجهات "الاسلامية" ما زالت تقوم باعمال عنف وترفض المصالحة وهو ما يضع علامات استفهام حول هذه الجماعات التي ربما تكون اساسا صنيعة اجهزة الامن الجزائرية للحؤول دون تحقيق الاستقرار.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل