توقيت الدعوة للكونفدرالية : محاولة للفهم !!

نهاد الشيخ خليل

العودة إلى صفحة الرسالة


فجأة وبدون مقدمات تم اعلاء خيار الكونفدرالية الى السطح ،بعد ان ظن الكثيرون انه دُفن ولا امل ببروزه من جديد ، خاصة وان السلطة ملأت الدنيا تأكيداً على ان موعد 4/5/1999 هو موعد مقدس سيتم فيه الاعلان عن بسط سيادة الدولة الفلسطينية المستقلة على الاراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها السلطة .
ويعرف الجميع ان اوروبا وامريكا غير راضيتين عن اعلان الدولة من طرف واحد، والسلطة غير راغبة في ذلك ، وحزب العمل الاسرائيلي يطالب السلطة بالتأجيل والتمديد لفترة محددة ، ويرى ان الاعلان في 4/5 قد يقلص من فرص فوز براك برئاسة الوزراء .

والسلطة تبدي استعداداً للتجاوب مع النقاش والعروض حتى قبل ان تصلها رسمياً تلك العروض ، لكن نتنياهو يبدي مزيداً من التصلب ويهدد باجراءات قاسية في حال الاعلان عن الدولة .

وعلى الطرف الآخر لازال الملك الاردني الجديد يعيش ايامه الاولى على العرش ، ولم يكمل الاطلاع على الملفات الكثيرة التي تنتظره سواء المفتوح منها او المغلق ، ولا سيما وان مسألة استقرار الوضع الداخلي سياسياً واقتصادياً هي الهاجس الاكثر اهمية بالنسبة للملك عبدالله ، رغم عدم وجود اي خطر بعد تعهد الامارات العربية والمملكة السعودية والولايات المتحدة الامريكية بدعم الاقتصاد الاردني ، وايداع مبالغ كبيرة من المال في البنك المركزي الاردني .

لكن، واستناداً الى ان استقرار الاردن تحقق بمساعدة خارجية وبما ان النظام في الاردن ، وكما هو الحال في فلسطين ، بحاجة الى شرعية اقليمية ودولية بالاضافة الى الشرعية الوطنية . فإن هذا يعني ان الاردن يعيش مرحلة هو بحاجة فيها الى الآخرين ليوطد استقراره ويستكمل بناء شرعيته ، خاصة وان تاريخ الاردن مليء بالازمات التي كادت ان تعصف بوجوده او على الاقل تهدد استقراره ، وهذه التجارب تجعل المؤسسة الاردنية بقيادة الملك الجديد اقل ميلاً للمجازفة والتعاطي مع مثل هذه المشاريع خاصة في الفترة الاولى لحكمه . وقد استعجل الاردن الرد على الطرح الفلسطيني بالقول ان هذا العرض سابق لأوانه .

وبناءً على ما تقدم نتقدم لنقاش السؤال المطروح في الشارع الفلسطيني : لماذا الكونفدرالية الآن ؟! في الوقت الذي يبحث فيه فلسطينياً طريقة للتراجع او لتأجيل موعد 4/5 استجابة للرغبة العالمية ، التي تطالب السلطة بذلك ، لكنها لا تستطيع اجبار نتنياهو على التوقيع على اتفاق مع السلطة لتأجيل 4/5 الى تاريخ آخر . فهل يأتي طرح الكونفدرالية في سياق ايجاد مخرج للازمة التي يشكلها التاريخ المذكور آنفاً؟!

لا شك ان التفسيرات والتعقيبات والشروحات ، لعرض الكونفدرالية التي تناقلتها وسائل الاعلام تفيد كثيراً في محاولة فهم خلفية التوقيت، خاصة وان اطلاق هذه الدعوة يترافق مع توارد انباء اعلامية عن قيام ثعلبي السياسة الاسرائيلية شمعون بيرس ويوسي بيلن بالعمل على بلورة مشروع اتحاد كونفدرالي فلسطيني/اردني يتحول بعد فترة الى اتحاد ثلاثي ، يهدف الى تجاوز حساسية القدس على اعتبار ان عمان بهذه الحالة ستكون العاصمة السياسية للدولة الكونفدرالية ، واسقاط موضوع اللاجئين خاصة وان اكبر عدد منهم موجود في الاردن وبالتالي توطين بقيتهم في اماكن تواجدهم مع تحسين اوضاعهم الاقتصادية .

اذا كان الامر كما تقدم ، فيكون طرح موضوع الكونفدرالية من باب التكتيك لاسقاط نتنياهو ، ومساعدة براك على الفوز ، لان الاخير سيتمكن من القول للناخب الاسرائيلي ان اعلان الدولة الفلسطينية في 4/5 لن يشكل خطراً على اسرائيل بل سيساعد في ابقاء القدس تحت سيطرتنا -اي الاسرائيليين- وكذلك ليساهم في ابقاء اللاجئين الفلسطينيين في اماكن تواجدهم .

على كل حال ، واياً كان الامر، سواء تكتيك لمساعدة براك على الفوز، او ربما لاشغال الساحة السياسية الفلسطينية بطرح جديد، او للفت انتباه الملك عبدالله تجاه السلطة الفلسطينية . على كل الاحوال ، فإن واقع القضية الفلسطينية لم يعد يحتمل اطلاق الدعوات وتبني الخيارات لاعتبارات تكتيكية ، ثم اجهاد الفكر بعد ذلك للبحث عن خيارات تكتيكية جديدة بعد ان تفتقد الاولى بريقها ، وهكذا ، دون ان تنتظم هذه التكتيكات في اطار استراتيجية متكاملة .

ان الدلالات الاولية للعملية الانتخابية في اسرائيل، وما يطرح فيها من شعارات، وما يدور من مناظرات تقول انه لا يوجد في الساحة السياسية الاسرائيلية شريك لاي جهة فلسطينية، مهما انخفض سقف آمالها وتوقعاتها، فجميع الاسرائيليين يريدون الهيمنة علينا، وعلى رأسهم من يطلق عليهم >حمائم< في وسائل الاعلام المحلية ، وهم في حقيقة الامر ثعالب وافاعي، لا يريدون، من خلال التظاهر بالاعتدال، سوى بيعنا الوهم ، ولكن ليس قبل ان يقبضوا ثمنه الف مرة .

لذلك لا يوجد فائدة من مضي السلطة في ذات الطريق، جديد على شكل واطار ومضمون النظام السياسي والاجتماعي والاهداف الوطنية، لان مضي الوقت بدون التوصل لهذا الاجماع في اطاره العام، يعني مزيداً من الانهيار للنظام، ومزيداً من هدر الامكانيات، وتعويقاً لتحقيق الاهداف ولو في ادنى درجاتها .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل