من شوارع الوطن

بقلم : صلاح البردويل

العودة إلى صفحة الرسالة

 

قالت عيون روان...

من زرقة مائك يا بحر الاحزان تلونت العينان ... زرقاوان .. خضراوان.. عيون روان.. هل تعرف يا بحر روان .. هل تفهم معنى اليتم .. ومعنى الثكل.. ومعنى الفاجعة الممتدة من فجر العمر الاعجف؟! فلماذا يختنق بموجك اشرف؟! هل تعرف اشرف ..؟!

كانت الكلمات تلتف حروفها حول قلبي وحلقي وانا احدّق في عيون روان التي لم تبلغ من العمر ستة شهور حينما ابتلع بحر خان يونس والدها اشرف وابن عمه وائل قبيل الفجر وهما يستقبلان موجه ونسيمه بكل العشق الذي نبت بينهما.. فهما صيادان ابناء صيادين يعطيان البحر حبا واسرارا اكثر مما يعطيهما من رزق .. لكنهما تعايشا مع الفقر والقناعة ورمل البحر ومائه وسمائه.

تُرى ماذا تقول لي عيون روان وقد عثروا اليوم على جثة والدها اشرف بعد سبعة ايام من البعد العميق .. ترى ماذا تقول للنساء اللواتي جئن يعزين ويهنئن .. يعزين بالموت ويهنئن بالعودة؟! ماذا تقول للبحر الذي احتضن الجسد ولم يقوَ على فراقه .. البحر الذي عانقه طويلا قبل ان يلقي بجسده ممددا على رماله تداعبه صغار الامواج ونسائم الصباح الحزين؟!

هل تعرفني يا بحر .. انا روان .. وهذه راوية ابنة عمي وائل .. احبابك يا بحر .. هل تعرف يا بحر جدنا صالح الذي قتله المستوطنون وهو ذاهب اليك .. ومات قبل ان تودعه ؟! هل تعرف عبّود الذي عشق موجك لكنه عشق الوطن والشهادة اكثر واسلم جسده ودمه لترابه المعشوق قبل ان يلقي بعينيه الذابلتين عليك نظرة الوداع .. هل تعرف يا بحر راوية التي رحل ابوها وائل مع ابي اشرف في نفس الموجة والعرس المستمر فلماذا يا بحر قتلت ابي واباها.. لماذا تختطف الاحباب الم يولدا على شاطئك ؟ الم يشربا من اشعة شمسك؟! الم يعشقا زرقة السماء في مائك ؟! الم يسلما لقرارك اسرار حياة لم تكتمل سطور قصتها ؟! لماذا تركتنا نتجرع مرارة اليتم الطويل بعدما اخذت منا بهجة الارواح وبسمة الشفاه وطلعة الوجوه وقذفت تراب القبور؟!

بالله عليك يا بحر الا اخبرتنا عن اخر الافكار واخر النظرات واخر الصرخات والكلمات والنبضات والحركات ، بالله عليك يا بحر الا رسمت لنا الايدي وهي تلوح وداعا قبل ان تستسلم للسكون، والعيون وهي تحدق نحو بيتنا قبل ان تغمض في القرار والقلوب وهي تنبض شوقا لاخر توديعة قبل ان تصمت صمت القبور والخيالات التي حامت في الفكر قبل ان يمسحها رحيل الروح!!

بالله عليك يا بحر ان تعيد لنا الاسرار فنحن صغار نخط الحروف الاولى من قصتنا الحزينة التي لم تبدأ بعد وان لم تفعل فالله الله في جرحنا العميق وامهاتنا وجدّاتنا واهلنا .. فطريقنا طويل وهمّنا برّي بحري جوي والوطن مذبوح مسروق مبيوع .. وان لا تفعل فبالله عليك ان تقبل منا باقة حب تلقيها على اخر اسرار الشهداء فيك .. اما نحن فلنا الله.

المرسل روان اشرف البردويل (نصف سنة)

راوية وائل البردويل (سنة ونصف)

مخيم خان يونس

المرسل اليه : بحر خان يونس - بالقرب من مستوطنة غوش قطيف ! المنطقة الصفراء!!

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل