دراسة تحليلية في أحداث رفح

 

العودة إلى صفحة الرسالة

احتجاج جماهيري على عدم نزاهة القانون و غياب المحاسبة

محاولات "التفافية " لتحميل العشائرية و " الاصابع الظلامية " مسؤلية ما حدث !!

اجماع جماهيري و مؤسساتي على ضرورة الغاء محكمة امن الدولة

المركز الفلسطيني :المحكمة تستخدم للتحايل على الاجراءات القانونية* عشراوي : مرفوضة من ناحية المبدأ و لسنا بحاجة لقضاء عسكري

وسام عفيفة

رغم الانتقادات التي توجهها منظمات حقوق الانسان الفلسطينية والدولية ، والرفض والاحتجاج الذي تبديه القوى الوطنية والاسلامية ومنظمات المجتمع المدني ، ما تزال محكمة امن الدولة العليا قائمة في مناطق ولاية السلطة الوطنية الفلسطينية، وكانت هذه المحكمة قد تشكلت في فبراير من العام 1995 ، اي بعد ثمانية اشهر من اقامة السلطة الوطنية بدءاً من قطاع غزة ومنطقة اريحا بقرار صادر عن الرئيس عرفات. ومبرر المعارضة القوي ان هذه المحكمة تعمل بشكل مخالف لمعايير المحاكمة العادلة والاجراءات القانونية السليمة ، فهي تجري محاكمات سريعة ولا يتوفر فيها تمثيل قانوني للمتهم الذي لا يعلم بانعقادها الا بعد وقت قصير جدا ولا يتم ابلاغ محاميه بالمحاكمة.

وحسب الهيئة المستقلة لحقوق المواطن فقد شكلت السلطة مجموعة من محاكم امن الدولة ، وتشمل هذه المحاكم محاكم امن الدولة الجزئية ومحاكم امن الدولة الكلية ومحاكم امن الدولة العليا ، ولا شك ان الاحداث الاخيرة في رفح كانت احد اشكال الرد على احكام هذه المحكمة.

**تشكيل المحاكم

وتتألف محكمة امن الدولة الجزئية من قاض واحد وتختص بالنظر في الجرائم المتعلقة بالفشل الذي يضر الامن الغذائي والغش بالمكاييل وكمية ونوع البضاعة كما تختص بالنظر في الجرائم التي تقع بالمخالفة لاحكام نظام التموين والمراقبة وتحديد الاسعار ويتم النظر في هذه الجرائم اذا كانت العقوبة القصوى المحددة لها بالقانون لا تتجاوز السجن لمدة ثلاث سنوات اما محكمة امن الدولة الكلية فتتألف من ثلاثة قضاة وتقوم هذه بمحاكمة مرتكبي الجرائم المذكورة بغض النظر عما اذا كانوا مدنيين او عسكريين ، وتقوم النيابة العامة العسكرية بوظيفة الادعاء العام امام محكمة امن الدولة الجزئية. ويتبين مما سبق ان محاكم امن الدولة الجزئية والكلية تماثل المحاكم العسكرية في كثير من الجوانب، وقد حاكمت هذه المحاكم خلال عام 1998 عددا كبيرا من المدنيين في العديد من القضايا التي نظرتها.

**ولادة غير طبيعية

اما محكمة امن الدولة العليا والتي شكلت عام 1995 بقرار رئاسي والذي يستند بالنتيجة الى انظمة الطواريء البريطانية لعام 1945 ، وقد ابدت معظم منظمات المجتمع المدني معارضتها المبدئية لتشكيل هذه المحكمة وبنت موقفها هذا على اوجه نقد عديدة وجهتها لتشكيلة المحكمة والاجراءات المتبعة امامها.

وتختص هذه المحكمة بالنظر في القضايا المتعلقة بأمن الدولة الداخلي والخارجي ، وتشكل بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية في كل قضية بعينها ، وتتألف من رئيس وقاضيين جميعهم من العسكريين ، وحسب الهيئة المستقلة ، هناك غموض وعدم استقرار فيما يتعلق بالجهة التي تقوم بوظيفة الادعاء العام امام المحكمة ، فقد كانت النيابة العامة المدنية هي التي تقوم بهذه الوظيفة حتى عام 1997 ، وان كان من غير الواضح اي من اعضائها يقوم بذلك وتغير الوضع خلال عام 1998 بحيث اصبحت النيابة العسكرية هي التي تقوم بتلك الوظيفة وتخضع احكام هذه المحكمة للتصديق من قبل رئيس السلطة الفلسطينية الذي له الحق في تخفيض الحكم او التصديق عليه ، كما له اصدار العفو الخاص، وعليه فإن احكام هذه المحكمة غير قابلة للطعن امام اي مرجع قضائي.

ويؤكد مصطفى مرعي (مستشار قانوني في الهيئة المستقلة لحقوق المواطن) ان امن الدولة من بداية قيامها كانت ولادتها غير طبيعية وعمليا يغلب على اجراءاتها السرعة والاستثنائية ، وقال : نحن نعتقد انه لا تتوفر للاشخاص الفرصة للحصول على محاكمة عادلة ، واضاف: المشكلة ليست في اسم هذه المحكمة حيث يكون من الضروري احيانا اقامة محاكم خاصة في ظل وضع امني ولكن مهما كانت الظروف فهناك حقوق دنيا للمتهم ايا كان وسواء كانت المحكمة امن دولة او غيرها ، فالمشكلة هنا في الممارسة والسرعة وعدم توفير الفرصة لكي يتم انتداب محام من القطاع الخاص بقضايا على درجة كبيرة من الخطورة ، واحكامها قاسية.

**اجراءات غير قانونية

وبحسب الهيئة المستقلة فقد استمرت محكمة امن الدولة العليا في اتباع اجراءات تنقص بصورة واضحة من الحد الادنى لضمانات المحاكمة العادية بصورة تمس الحقوق والحريات العامة ، ويمكن اجمال جوانب انتقاص ضمانات المحاكمة العادلة امام هذه المحكمة بما يلي:ـ

1ـ لا يعطى المتهمون الوقت والتسهيلات الكافية للدفاع عن انفسهم اذ تتم المحاكمة عادة بعد وقت قصير جدا من القاء القبض على المتهم دون ابلاغه مسبقا او قبل وقت كاف بموعد المحاكمة ، لذا يفاجأ المتهم بعرضه على المحكمة ولا يتم ابلاغ المتهم قبل وقت كاف بالتهم المسندة اليه كما ان الابلاغ بالتهم لا يتم بصورة تفصيلية ، ولا يكون بإمكان المتهم الحصول على نسخة من اوراق القضية كما انه لا يتم عادة ابلاغ ذوي المتهم بالتهم الموجهة اليه ولا يتم في بعض الاحيان ابلاغهم بموعد المحاكمة.

2ـ مازال حق المتهم في المساعدة القانونية يتعرض للانتهاك فمع ان تطوراً ايجابياً حصل في هذا المجال يتمثل في السماح في بعض القضايا للمتهم باختيار محام للدفاع عنه الا انه ما زال يتم تعيين ضباط من قوات الامن للقيام بوظيفة الدفاع عن المتهم في قضايا اخرى، من ناحية ثانية مازال المحامون لا يحصلون على التسهيلات الكافية التي تمكنهم من الدفاع عن المتهمين.

3ـ لا يعطى المتهم او محاموه الفرصة للادلاء بدفاعهم وبصورة خاصة لا يعطون حق استدعاء شهودهم او استجواب شهود النيابة العامة واذا تم ذلك فيكون بصورة منقوصة.

4ـ تقتصر المحاكمة عادة على جلسة واحدة وبصورة سريعة .

5ـ لا تكفل هذه المحكمة الحق في محاكمة علنية اذ تجري المحاكمة عادة بصورة سرية وان كانت قد تمت بعض المحاكمات عام 1998بصورة علنية .

6ـ قرارات هذه المحكمة قطعية ولا يستطيع المحكوم عليه الطعن في احكامها لدى محكمة اعلى لكن يجوز له تقديم طلب استرحام لرئيس السلطة الوطنية لالغاء العقوبة او تخفيفها .

** الجمهور لا يثق بالمحكمة

من جانبها طالبت النائب حنان عشراوي في تصريح اذاعي بوجود قضاء مدني يعزز الثقة بالقضاء مشيرة الى ان القضية الآتية تتعلق بمصداقية القضاء ونحن نريد تفعيل قضاء مدني واستكمال الجهاز القضائي وان تكون هناك ثقة بين الجمهور والقضاء وان تنفذ القرارات الصادرة عن القضاء العسكري على شاكلة محاكم امن الدولة التي تعمل بسرعة مذهلة وفي كثير من الاحيان لا تسمح بأن يأخذ القانون مجراه.

واشارت الى وجود عدة عوامل تساعد على عدم الثقة بنزاهة واستقلالية القضاء في ضوء عدم الالتزام بقرارات المحاكم في كثير من الاحيان وبعض الاجهزة الامنية ترى نفسها مصدر القانون والقضاء وترفض تنفيذ هذه القرارات وفي كثير من الاحيان هنالك محاكم لا تسير بشكل عادل وبالاسلوب المطلوب فهناك عدم ثقة ولهذا اصبح لدينا نوع من حالة الارتداد لقضايا تتجه نحو التسييس او العشائرية والقبلية او العاطفية وردود الفعل

ويؤكد مصطفى مرعي انه لا يستطيع تفسير او فهم الاسباب للجوء لمحكمة امن الدولة في ظل وجود قضاء مدني ، ورغم الاشكاليات في القضاء المدني ، وقد حاولنا ان نفكر لماذا تقام محكمة امن دولة وقد يكون الهدف في بعض الاحيان عدم تسليم اشخاص لاسرائيل ولكن هذا ليس مبرراً ، كما ان المحكمة المدنية تقوم بدورها. واضاف دائماً تكون هناك شكوك في نتائج المحاكم وفي مدى العدالة على مستوى المتهم وعلى المستوى العام وتهميش القضاء دفع الناس الى الاحتجاج والتظاهر .

** سيف على رقاب المواطنين

يشار الى ان محكمة امن الدولة العليا نظرت منذ تقرر تشكيلها في شباط من عام 1995 في قضايا المعتقلين الذين ينتمون لتنظيمات واحزاب سياسية معارضة واصدرت احكاماً قاسية تصل الى الاعدام والسجن المؤبد ، ووصل الذين حوكموا امام هذه المحكمة حوالي 50 شخصاً في غزة و 25 شخصاً في الضفة .

وتعتبر الهيئة المستقلة وعلى ضوء ما سبق وبصورة لا تقبل التأويل ان محكمة امن الدولة العليا تفتقر الى مقومات المحاكمة النزيهة والعادلة لذا فإن قرارتها اقرب الى القرارات السياسية منها للاحكام القضائية.

كما اشار المركز الفلسطيني لحقوق الانسان انه في كثير من الاحيان تستخدم محاكم امن الدولة للتحايل على الاجراءات القانونية المدنية او لتجنب المرور بها كما حدث مع الدكتور ابراهيم المقادمة حيث توجه محامو المركز للنيابة العامة بصفتهم وكلاء عن د. المقادمة لمعرفة اسباب اعتقاله والتهم الموجهة اليه ولكن لم يحصلوا على رد ، ثم توجهوا لمحكمة العدل العليا حيث رفضت الافراج عنه بعد ان اعلنت النيابة العامة وبمغلطة قانونية ان د. المقادمة موقوف من قبل محكمة امن الدولة الجزئية بتهمتي التحريض والتآمر على ارتكاب جناية وما يثير الاستغراب هو كيفية تمديد اعتقال المقادمة دون علم ومعرفة النيابة العامة ودون وجود طلبات من قبلهم لتمديد التوقيف فما هو موجود ليس سوى اوامر توقيف من قبل محكمة امن الدولة دون وجود طلبات لللتمديد والتوقيف .

ويعتبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان ان استمرار عمل محكمة امن الدولة يشكل سيفاً مسلطاً على رقاب المواطنين ويهدد الحريات العامة خصوصاً الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي كما يقوض وجود هذه المحكمة واستمرار عملها استقلال القضاء وسيادة القانون.

لا مبرر لها

من جهته قال الاستاذ فايز ابورحمة النائب العام السابق ان الاسلوب العادي والعادل لبحث القضايا العسكرية هو ان تكون من اختصاص القضاء المدني ولا حاجة للمحاكم العسكرية وذلك ان القضاء المدني ذو خبرة - واعصابه مستريحة ويمكنه الفصل في هذه القضايا واضاف اعتقد ان انشاء محكمة امن الدولة كان لغرض الاسراع في محاكمة من يخالف القانون دون الحاجة الى مزيد من الاجراءات او تطويل امور التقاضي مشيراً الى ان القضاء في العالم يسير كله في بطء لذلك صح من قال ان العدالة شخصية عمياء ولا تجيد المشي وهي ضد السرعة ولابد في هذه الحالة ان تمارس عملها بهدوء وتؤدة بعيداً عن الاثارة والتعصب والمحسوبية.

وفي هذا الاطار قال راجي الصوراني مدير المركز الفلسطيني لحقوق الانسان : نحن اول من عارض تشكيل محاكم امن الدولة ونحن اول من طالب بالغائها وحذرنا من خطورة ما قد يترتب على وجود هذه المحاكم لاسباب قانونية وموضوعية وذلك حرصاً منا على العدالة وحقوق الانسان وسيادة القانون والديمقراطية .

مشيراً الى انه قيل في بداية تشكيل هذه المحاكم ان الهدف منها هو التعامل مع العملاء المشتبه في تعاملهم مع السلطات الاسرائيلية وقلنا انه وحسب نص اتفاق اوسلو المادة عشرة (أ) فقرة سبعة تمنع محاسبة المشتبه في تعاونهم مع الاحتلال .

واضاف : لا داعي لوجود المحاكم العسكرية لان الشعب الفلسطيني لا زال محكوماً بالاوامر العسكرية والمحكمة العسكرية الاسرائيلية لا زالت تعمل في ايرز والضفة والغربية .

كما انها خطوة فيها عسكرة المجتمع المدني ، ايضاً لا توجد محكمة عسكريةعادلة تتوافر فيها الحدود الدنيا خصوصاً واننا نتحدث عن قضاة عسكريين .

** المحاكمة الاخيرة لم تكتمل الاجراءات القانونية

وحول محكمة امن الدولة الاخيرة التي حكمت بالاعدام على العطار وبالسجن لفترات طويلة على زملائه قال مصطفى مرعي : طالبنا من البداية باحترام القانون وضبط النفس وطالبنا عدم تنفيذ الحكم واعادة النظر امام القضاء المختص واذا ثبت انهم اعضاء في جهاز امني فمحاكم عسكرية مع ضمانات المحاكمة العادلة .

عشراوي اكدت ان هناك موقفا دائما ومستمرا من قبل هيئات حقوق الانسان ومن قبل المواطنين ايضا ورؤية عامة ان محكمة امن الدولة مرفوضة من ناحية المبدأ ونحن لسنا بحاجة لقضاء عسكري ونريد تعزيز وتكريس المنهج المدني ومؤسساته والقضاء المدني.

واشار ابو ر حمة ان المحكمة الاخيرة كانت سريعة جدا ولا تتفق مع المباديء العامة وهي تردد ما هو مشهور من ان العدل السريع هو ظلم ، والمحكمة يجب ان تأخذ حظها من الوقت والجهد لكي تصل الى قرارات عادلة بعيدة كل البعد عن الهوى.

واضاف غضب الشارع هو امر مفهوم ذلك ان هذه الاحكام كانت سريعة وبالتالي شابها التعسف والظلم لذلك لم تحظ برضى الشعب وكان ان مارس غضبه على النحو الذي رأيناه واضاف: محكمة امن الدولة يمكن ان تكون محكمة معقولة لا سيما اذا كان رئيسها احد القضاة المدنيين وفي مصر المحكمة يرأسها قاض مدني.

اما الصوراني فقد اشار الى ان المحكمة الاخيرة تمت قبل اكتمال الاجراءات القانونية من تقارير طبية وفنية كما لم يكن هناك الحدود الدنيا لاجراء محاكمة عادلة في هذه القضية ولم يكن الدفاع مختارا من المتهمين وبالتأكيد ما اثير قبل وبعد المحاكمة مسألة اثارت قلقا شديدا من الاحكام ومن عقوبة الاعدام التي لنا منها موقف مسبق. واضاف: نحن مع محاسبة من يخالف القانون وفي محاكم مدنية بأي تهمة كانت مع ضرورة الغاء محاكم امن الدولة حيث لا يوجد مبرر لوجودها واي اعذار تقف واهية وكنا قد حذرنا ان تبدأ هذه المحاكم بالمجرمين وتنتهي بالمعارضة السياسية.

**محاكمنا قانونية

يشار الى انه وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد المحاكمة اكد العميد اسماعيل الشافعي ان المحاكمة لم تكن سريعة حيث استمرت في اربع جلسات وسمح للصحفيين ومنظمات حقوق الانسان بحضورها وتم توفير هيئة محامين كاملة ولم يوجد اي خلل في الاجراءات القانونية كما اكد العميد طلال ابوزيد ان المحكمة اتاحت الفرصة الكاملة للاجراءات القانونية السليمة مئة بالمئة واتاحت للمتهمين العمل والحرية في الدفاع عن انفسهم وهيئة الدفاع اخذت فرصتها كاملة.

واكد العميد الشافعي ان محاكم امن الدولة مطبقة في اعتى الدول الديمقراطية وفي الولايات المتحدة توجد "المحكمة الديمقراطية" وفي مصر محاكم امن الدولة وفي معظم دول الجوار ولم نستورد قوانين جديدة بل نحترم قوانيننا ونقدسها ولا نحاكم بتهم سياسية.


آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل