القدس بين اجراءات تهويدها وجهود الدفاع عنها

نهاد الشيخ خليل

العودة إلى صفحة الرسالة

تواجه القدس حملة تهويد واستيطان على درجة عالية من الشراسة ، لذا يجب استنهاض الهمم للدفاع عنها وافشال مخططات تهويدها . لكن عملية الدفاع عن القدس او على الاقل ابقاء قضيتها حية ترتبط بشكل وثيق برؤى الاطراف المختلفة لمكانة القدس ومستقبلها وامكانية تفوق احدى هذه الرؤى على غيرها لا سيما وان مفاوضات الحل الدائم اصبحت على الابواب . وسنستعرض في هذه المقالة :

1- وجهة النظر الاسرائيلية بشأن مستقبل القدس، وطريقة تبريرها ، وامكانية تسويقها في الغرب .

2- وجهة النظر الفلسطينية بشأن مستقبل القدس، وطريقة تبريرها ، وامكانية تسويقها في الغرب وحشد التأييد لها من خلال العمل الدبلوماسي والاعلامي.

3- جهود الدفاع عن القدس ، او ابقاء قضيتها حية على الساحة الدولية ، ورؤية نقدية ، ومقترحات لجهد اكثر ملاءمة ، واكثر قدرة على الدفاع عن المدينة .

اولاً : وجهة النظر الاسرائيلية

بخصوص غرب المدينة ، تبنت دولة اسرائيل وعدد من رجالات القانون الدوليين وابرزهم "الياهو لاطروفخت" رأياً يقول ان السيادة على هذا الجزء من المدينة هي لاسرائيل ، وبموجب هذا الطرح يعتبر قرار التقسيم (القاضي بتدويل المدينة) بمثابة مجرد توصية كما هو الحال في باقي قرارات الجمعية العامة ، وكان بامكان الجمعية العامة ان توصي فقط بحل من شأن اطراف الصراع ان تقبل به ، ليشكل قاعدة لاتفاق فيما بينها ، وقد تباحثت مؤسسات الامم المتحدة ما بين الاعوام 1947-1952 مرات عديدة اقتراح اقامة نظام دولي في المدينة الا ان الموضوع لم يطرح على جدول اعمال المنظمة بعد ذلك ، وهذا الامر يدل على ان الموضوع لم يطرح على جدول اعمال المنظمة بعد ذلك ، الامر الذي يدل على ان المنظمة تعترف ضمنياً بغياب القدرة على تنفيذ هذا الاقتراح .

ويؤكد الاسرائيليون انه مع انتهاء الانتداب البريطاني نتج فراغ في السيادة ، ويمكن فقط ملأ هذا الفراغ بالوسائل القانونية فقط . وقامت القوات المصرية والعراقية والاردنية واللبنانية والسورية بغزو البلاد مباشرة مع خروج البريطانيين بغية مقاومة تنفيذ خطة التقسيم عنوة. هذه الاعمال شكلت خرقاً صارخاً لقواعد القانون الدولي بخصوص تحريم استعمال القوة . وكان نتيجة الهجوم ان قامت اسرائيل باتخاذ خطوات دفاع عن النفس بموجب القانون الدولي . لذا فإن السيطرة على غربي القدس من خلال اجراءات دفاع عن  النفس قانونية . ملأت الفراغ في السيادة ومنحت اسرائيل السيادة على هذا الجزء من المدينة . وبموجب هذه النظرة فإن مؤسسات الامم المتحدة وافقت بصمتها على النتائج المذكورة .

وبخصوص شرقي المدينة يرى الاسرائيليون انه مع نهاية الانتداب البريطاني نتج فراغ في السيادة ، وكان يمكن ملؤه فقط عن طريق اجراء قانوني . وبالنسبة للاردن يرى الاسرائيليون انه لم يحصل على حق قانوني في شرقي القدس اذ انها احتلته في العام 1948 عن طريق الاعتداء الهجومي ، وهذه العملية تتعارض مع قواعد القانون الدولي ، لذا فإن ضم شرق القدس (مع مناطق الضفة الغربية) الى المملكة الاردنية ليس له اي مفعولية . ولما قامت الاردن -حسب وجهة نظر الاسرائيليين- بخرق الاتفاق عن طريق اعمالها الهجومية التي قامت بها ضد اسرائيل مع بداية حرب الايام الستة . وبالتالي فإن احتلال اسرائيل  لشرقي المدينة في يونيو 1967 اثناء اجراءات الدفاع عن النفس القانونية (بعدما هوجمت من الاردن) يبرر سيادتها القانونية على هذا الجزء من المدينة .

وانطلاقاً من وجهة النظر هذه تقوم اسرائيل بمختلف حكوماتها واحزابها ، بعملية تهويد واستيطان وتوسيع لا هوادة فيها للمدينة المقدسة وتتمثل في :

1-تطويق المدينة بالمستوطنات والطرق الالتفافية لعزلها عن محيطها العربي وربطها بالمدن اليهودية الساحلية {المستوطنات مثل (غيلو/ جبل ابو غنيم/ تلبيوت الشرقية،رموت الون / ريخس شعفاط / معاليه ادوميم) وغيرها } . وذلك لجعلها جزءاً من التركيبة الجيو سياسية الاسرائيلية .

2- تبني سياسة ترحيل متواصلة للمواطنين الفلسطينيين عن طريق الغاء حق الاقامة الدائمة الذي يتمتعون به في المدينة .

3- مضاعفة عدد السكان اليهود في المدينة وتبني سياسات تشجيعية للاجيال اليهودية الشابة للسكن في المدينة عن طريق تكثيف البناء اليهودي في المدينة .

4- منع الفلسطينيين من البناء في المدينة عن طريق عدم منح التراخيص لهم ، وكذلك بواسطة هدم البيوت غير المرخصة .

5- غزو الجزء الشرقي من المدينة والاحياء العربية والاستيلاء بالقوة والاحتيال على بيوت بداخلها وتحويلها الى بؤر استيطانية سكنية او مدارس لتعليم التوراة كما حدث في (رأس العامود وبرج اللقلق).

6- تقييد النشاط الاقتصادي في المدينة العربية .

7-التوسيع المستمر للحدود البلدية للمدينة .

وبهذا تكون اسرائيل قد اعدت نفسها جيداً على صعيد الادعاء بقانونية سيادتها المزعومة على المدينة بشقيها بما يكفل جلب التأييد الغربي او على الاقل جعلهم يتبنون موقفاً محايداً من هذه المسألة . وكذلك على مستوى فرض الامر الواقع على الارض الذي يؤبد سيطرتها العملية على المدينة .

وبناء على ما تقدم فإنه يمكن الاستنتاج ان الاسرائيليين ذاهبون للمفاوضات بشأن القدس لكي يأخذوا موافقة الفلسطينيين على ما تم رسمه على الارض وما تم فرضه من وقائع ، لكي لا يبقى مبرر لاي دولة في العالم لعدم الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل .

ولا يفوتنا ان نشير الى ان اسرائيل مستعدة لاجراء مفاوضات وترتيبات بشأن المقدسات مع الفلسطينيين والاردنيين . وقد تقبل اجراء مفاوضات بخصوص ترتيبات ادارية تخص المواطنين الفلسطينيين المقيمين في القدس .

وهذا ما يدفعنا للتعرف على وجهة النظر الفلسطينية الرسمية ومدى تمكنها من مواجهة الرؤية والفعل الاسرائيليين .

ثانياً : وجهة النظر الفلسطينية

يتركزموقف السلطة الوطنية الفلسطينية في ان قرار التقسيم 181 لازال ساري المفعول ، وانه ملزم لاسرائيل لانها قامت على اساسه ، وترى السلطة في هذا القرار -الذي يعتبر القدس بشقيها الشرقي والغربي منطقة دولية- اساساً قانونياً لابطال الادعاء الاسرائيلي بالسيادة على المدينة المقدسة .

وكذلك فإن السلطة تستند في موقفها هذا الى عدد غير قليل من القرارات الصادرة عن مجلس الامن او الجمعية العامة للامم المتحدة والتي استنكرت اجراءات اسرائيل في ضم المدينة وتطبيق القوانين الاسرائيلية عليه ، او تلك التي اعادت التأكيد على تدويل المدينة ، او التي اكدت على اعتبار القدس الشرقية خاضعة للاحتلال وعدم جواز احتلال اراضي الغير بالقوة ، او التي حذرت اسرائيل من اجراء اي تغيير في معالم المدينة المقدسة .

وبالطبع فإن السلطة تقصد الجزء الشرقي من المدينة وليس كل المدينة خاصة بعد ان اعلنت السلطة مطالبتها بإقامة الدولة الفلسطينية على اراضي 1967، وكذلك بعد اتفاق اوسلو الذي اقتصر في مرجعيته على انتقاء القرارين 242، 338 وكما هو معروف فإنهما يتحدثان عن الاراضي التي احتلت عام 1967.

والسلطة لا تصر على تقسيم المدينة ، وتبدي استعدادها لقبول وضع تبقى فيه المدينة موحدة بشرط ان تكون عاصمة للكيانين ومفتوحة للجميع .

ومؤخراً قامت السلطة برفع تقرير للجامعة العربية ولدول العالم تشكو فيه السياسات الاسرائيلية التهويدية للمدينة المقدسة .

ورغم ان الموقف الفلسطيني هو الموقف العادل الا ان التواجد الفلسطيني في المدينة آخذ في التآكل على صعيد السكان والارض والمؤسسات وحتى المعنويات ، ورغم ان الولايات المتحدة ممثلة برئيسها ترجئ حتى اللحظة نقل سفارتها للقدس ، الا ان القرار لم يلغ . كما ان الولايات المتحدة ترفض تقسيم المدينة ، وتبدي انسجاماً مع مواقف حزب العمل الاسرائيلي من مستقبل المدينة .

ورغم ان اوروبا حتى اللحظة لا تعترف بسياسة الامر الواقع الاسرائيلية في القدس ، وتدعو -من خلال عدة بيانات- الى جعل المدينة عاصمة للطرفين ، الا انها تتحاشى في كثير من الاحيان اغضاب الطرف الاسرائيلي . ان كانت قد فعلتها احياناً خاصة في الزيارة الشهيرة لوزير خارجية بريطانيا روبين كوك لابوغنيم .

ثالثاً : جهود الدفاع عن المدينة المقدسة

كما اوضحنا سابقاً فإن جهود الاسرائيليين لاكمال تهويد المدينة متواصلة وتقترب من الاكتمال ، ورغم كل الشعارات والمؤتمرات واللجان والتضحيات ، فإننا لم نستطع ايقاف هذا الخطر الداهم ، الامر الذي يتطلب اعادة النظر في الوسائل التي عجزت حتى اللحظة عن ايصالنا الى الهدف المنشود .

ان ما قيل وما تم عرضه من خطط للدفاع عن القدس شملت مؤتمرات وحملات اعلامية ودعم السكان للصمود، وتفعيل اللجان المحلية والعربية والاعتصامات والمظاهرات والتصدي للجرافات ولقوات الاحتلال وحرس حدوده ، كل ذلك جيد، لو انه يحدث في ظل وجود رادع للاسرائيليين يجعلهم يذوقون الالم الذي يذيقونه بشكل يومي للفلسطينيين . ان غياب هذا الرادع وتعهد السلطة بمنع استخدامه افقد كل اشكال النضال والتضحيات معناها الحقيقي ، هذا من جهة ، اما من الجهة الاخرى فإن السلطة لا تملك الارادة الحقيقية للدفاع عن القدس ، ولا توفر الميزانيات المطلوبة (كما ورد في محاضرة الشعيبي عن الميزانية في صحيفة الحياة) ولا تقوم بالاجراءات اللازمة لاشاعة المعنويات القادمة .

لذا وحتى يمكن للجهود الاعلامية والدبلوماسية ، والمقاومة الميدانية ان تنجح فلابد من وقفة حقيقية مع الذات لاتخاذ قرار وبالاجماع يفتح كل الخيارات بلا استثناء للدفاع عن القدس، وكذلك يجب على السلطة ان تساهم برفع معنويات الجماهير والقيام بما يتطلبه ذلك من اجراءات .

وعلى القرى ان تتحد للضغط على السلطة ودفعها بهذا الاتجاه ، وبدون ذلك فستبقى مشاهد اكتمال ضياع القدس تتواصل امام اعيننا ، وسيبقى كل حديث عن حمايتها مجرد ذر للرماد في العيون .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل