الرذيلة ... عندما تكون لها اسماء اخرى!!؟؟

العودة إلى صفحة الرسالة

صالح النعامي

كان احد ابرز نجوم السينما لما يربو عن ثلاثين عاما ، والان هو رئيس جمهورية الفلبين بعد ان فاز باغلبية ساحقة عكست ما له من شعبية بين الجماهير ، هذا الرئيس الفلبيني الحالي ، الكثير من قادة الولايات الكبيرة في الهند هم ايضاً من كبار الفنانين السابقين ، العديد من نواب البرلمانات ، ورؤساء البلديات الناجحين في امريكا الجنوبية هم ممثلون او مطربون سابقون كذلك ...

الجماهير في امريكا الجنوبية والفلبين والهند التي وضعت ثقتها في هؤلاء الفنانين انما كانت تكافئهم على الدور الذي اطلعوا به في معالجة مشاكل المجتمع وتبنيهم لقضاياه العادلة وابراز همومه الحقيقية ، فالفن في هذه البلدان يمثل الجمهور بأمانة ويشخص مساوئ النظام السياسي المهيمن ، والاعمال الفنية لا تخضع لتأثير الحكم ، وهي بالتالي تعتبر احد وسائل الرقابة على اداء الحكومات ، هذا التوصيف قد يبدو خياليا وحالما لحال الفن في عالمنا العربي ، الذي يعني في الاساس محاربة قيم الامة وموروثها الحضاري والثقافي ، ويلحق الاسفاف الفج بالذوق الانساني ، "فن" يخاطب الغرائز البهيمية ولا يتجه الى استثارة تدبر العقول واستنهاض الهمم للتغيير ... فمعايير النجاح للافلام في بلداننا ترتبط بعدد مشاهد الفراش الساخنة التي يتم حشوها بها، ومهما كانت القضية التي يعالجها الفيلم فلابد من اغراق المشاهد في بحر من اللقطات المثيرة جنسيا... وكما يقول احد نقاد السينما العرب ، فإن ما يشغل بال منتجي ومخرجي الافلام هو عدد التذاكر التي ستباع على شبابيك دور العرض ... مع العلم ان اكثر الافلام التي حققت عوائد مالية في امريكا ، حيث الاباحية الجنسية هي معلم من معالم المجتمع، هو فيلم "الديناصورات" وهو فيلم لم تشارك في تمثيله أي امرأة ... كما ان الافلام الثلاثة التي حصلت على جوائز الاوسكار هذا العام قد خلت تماما من أي مشهد جنسي ... بالطبع فان الفن على هذه الصورة انما يستخدم كوسيلة لالهاء الناس وزجرهم عن الاهتمام بأحوالهم ومستقبلهم ، والاعمال الفنية ذات تأثير كاسح على تبلور الرأي العام وتدفع نحو اتجاه محدد لاولويات المواطن العربي ، فإطلالة بسيطة على ما تعرضه الفضائيات ووسائل الاعلام العربية تدل بشكل واضح على المساحة الشاسعة جدا التي تحتلها الافلام والمسلسلات والمسرحيات والاغاني واللقاءات مع الفنانين ... الفن عندنا يوظف من قبل الحكام ليكون وسيلة دعائية ضد معارضيهم .. وما فيلم "الارهابي" "والارهاب والكباب" الا صور سافرة للتدليل على هذا التوظيف ... وهناك من الاعمال الفنية ما يمس عقيدة الامة مثل فيلم "المهاجر".

وشتان بين هؤلاء وارباب صناعة السينما اليهود في امريكا الذين انتجوا مئات الافلام والمسلسلات التلفزيونية التي ابرزت الرواية اليهودية حول المذابح التي ارتكبها النازيون ضد اليهود لكي يبقى العالم دوما يتعاطف مع دولة اسرائيل ... الى جانب عشرات الافلام التي اساءت للمسلمين والعرب ... تبرز المفارقة والمهزلة ... عندهم الفن يتبنى القضايا "الوطنية" ، وهو ايضاً وسيلة في مواجهة "الاعداء" ، وعندنا فإن الفن ، الى جانب كونه وسيلة لإدامة التخلف وتفشي الانحلال فإنه يجذر الفرقة والاختلاف ويكرس الاغتراب بين الجماهير في اوطانها ... ليت الامور تقف عند هذا الحد ، فالفن يستخدم ايضا من قبل الانظمة في التنفيس عن الشعوب وذلك لتأجيل اللحظة التي تثور فيها على الاوضاع البائسة التي تعيشها .... ، مسلسل  "عودة غوار" الذي بثته الفضائية السورية الشهر الماضي لابد  ان يثير استغراب الكثير من المشاهدين ، ففي هذا المسلسل وجهت انتقادات لاذعة وصريحة لاوجه الفساد المستشري في سوريا ، والعفن الذي ينهك المؤسسات هناك.. مع العلم ان من يجرؤ في هذا البلد على التنفس بغير اذن السلطات يزج به في غياهب السجون... لكنهم يسمحون بعرض مثل هذا المسلسل لانهم يريدون اطفاء النيران المشتعلة في النفوس واخماد بركان الثورة على عهد الارتداد والنكوص ... الرئيس الفلبيني الحالي وهو الممثل السابق كان قد اعتقل في عهد الدكتاتور السابق فرديناند ماركوس بسبب عدم موافقته على المشاركة في تمثيل مسرحية "عود الثقاب" التي اعدت من اجل "التنفيس" عن الفلبينيين ، صحيح ان غيره قام بالتمثيل ، لكن هذا يعكس درجة الوعي السياسي والامانة التي تميز كثيرا من الفنانين خارج وطننا ...

ازاء هذا الواقع الخطير فانه لابد من مباركة الجهود التي تبذل الان من اجل التخلص من بواعث الانحطاط والتي تمثلت في توجه العديد من المثقفين العرب والمخرجين الواعدين لعدد من اصحاب رؤوس الاموال المخلصين من اجل انشاء شركات انتاج سينمائي وتلفزيوني لتقديم اعمال فنية تحترم وعي المشاهد العربي وتنهض بذوقه وتستجيب للاولويات الوطنية التي يراها ملحة .. مع العلم ان الجمهور يقدر الاعمال الراقية ... والدليل على ذلك الاقبال الجماهيري على "الدراما السورية" وخصوصا اعمال المخرج نجدت انزور مخرج مسلسلي "العوسج" و"الكواسر والجوارح" على الرغم من اعتمادهما الفصحى ... لسنا مع اولئك الذين يهاجمون الفن لكونه فناً ، فإذا كان للفن هذا الدور الايجابي في العالم الرحب ، فإنه بالامكان ان يؤدي هذا الدور عندنا !!... اما الرذيلة فلا يمكن ان تكون بديلا عن الفن!!

**"فانتازيا"

من يطلع على مذكرات رجال المخابرات الاسرائيلية وسيرهم الذاتية فضلا عما تتناوله وسائل الاعلام الاسرائيلية والغربية فإنه لابد ان يصدم من حجم الاختراقات التي احدثتها الاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية داخل المؤسسات العربية سواء الامنية منها او السياسية ، حتى اصبح تجنيد "علية القوم" في العالم العربي لصالح "الموساد" الاسرائيلي احد صور التنافس بين القائمين على الجهد الاستخباري في الدولة العبرية ، بل ان بعض قصص التجسس الاسرائيلي داخل الدول العربية تعتبر اساطير لولا انها حدثت بالفعل، واعترف بها العرب انفسهم ، ومع ذلك فإنه لم يحدث ان تناول فيلم او مسلسل اسرائيلي هذه النجاحات للموساد على الاطلاق ... في المقابل فإن شاشات التلفاز والسينما في العالم العربي عرضت وتعرض مسلسلات وافلاما تصور "اختراقات" ، كبيرة استطاعت المخابرات العربية تحقيقها داخل اسرائيل فمسلسلات "جمعة الشوال" و "رأفت الهجان" وافلام >الطريق الى ايلات< و >فتاة في تل ابيب< تتحدث عن هذه البطولات وكأننا نعيش في عالم اخر... واذا كانت اسرائيل تهول من انجازاتها الكبيرة في اختراق الدول العربية وتجنيد الجنرالات والضباط وكبار الموظفين العرب فان نتائج حروبها معنا تعكس حقيقة الموقف على الصعيد الاستخباري ، لدرجة ان الباحث العربي في مجال الامن الدكتور ابراهيم السماك يقول "ان احد اهم العوامل في حسم اسرائيل لمعاركها ضد العرب هو تمتعها بالحصول على معلومات دقيقة ووافية من مصادر موثوق بها داخل العالم العربي استطاعت تجنيدها للعمل لصالح اجهزتها الاستخبارية ... ويسخر اللواء ركن متقاعد سليم الهزيع من تلك المسلسلات والافلام العربية التي تصور "بطولات" لم تحدث ويقول "لقد كان من الواضح ان اسرائيل في حروبها مع الدول العربية كانت دوما مطمئنة لدقة المعلومات التي بحوزتها ومن المتفق عليه ، ان العرب فشلوا فشلا ذريعا في حرب المخابرات مع اسرائيل" ، ويستدرك الهزيع قائلا "هذا ان كانت المخابرات العربية قد وضعت اصلا اسرائيل كهدف في حساباتها" ..

الجنرال داني ياتوم رئيس "الموساد" السابق والذي سيكون مسئولا عن مكتب ايهود براك يقول في اجابة على سؤال بخصوص مدى صحة المعلومات التي تضمنها مسلسل رأفت الهجان "لا اريد ان اكشف اسرار الدولة كرد على فانتازيا المؤلفين والمخرجين العرب ، لكن بكل تأكيد فانها تتضمن كل شيء باستثناء الحقيقة" ... هذا بعد اخر للدور الذي يشغله الفن العربي حيث التزييف والتضليل وتبييض الصحائف السوداء لأناس لم يقصدوا يوما محاربة اسرائيل بجدية ... على الجمهور العربي الذي يداوم على مشاهدة هذه المسلسلات ان ينظر لهذه الافلام والمسلسلات على انها "فانتازيا" ... فالحقائق الدامغة لا يمكن نفيها بالتمثيل والتهريج.

**سلامات يا "كولومبيا"!!

عندما تذكر "كولومبيا" ، فان اول ما يخطر على الذهن الفساد والفوضى وتجارة المخدرات والسياحة الجنسية وعصابات المافيا، وعلى الرغم من ان تداول السلطة يتم في هذا البلد بشكل ديمقراطي فان كل الدلائل تشير الى احتفاظ "العالم السفلي" بتأثير كبير على مجريات الامور ، الا ان الاوضاع المزرية في كولومبيا لم تحل دون ارساء مبدأ هام ، نفتقد نحن في بلاد العروبة متعة تطبيقه، ألا وهو خضوع الجميع للقانون فقد اكتشفت الشركة المسئولة عن الاتصالات هناك ان ثلث اعضاء البرلمان الكولومبي يقومون باستخدام الخطوط الهاتف التابعة لمبنى مجلس النواب في اجراء مكالمات على "الخط الساخن" الذي يقدم خدمات جنسية ... ومع ان عددا من هؤلاء هم وزراء في الحكومة الا انه تقرر عرض اسمائهم على الجمهور والشروع في تحقيق واسع في هذه الفضيحة ، وقد كان اول اجراء بحقهم هو ارغامهم على تسديد فواتير الهاتف ، ما حدث في كولومبيا يبدو تافها جدا مقارنة مع النهب الواسع الذي تتعرض له الممتلكات العامة عندنا والتعدي على حقوق المستضعفين من الناس على ايدي اصحاب النفوذ الذين يجب ان تبقى مخازيهم مستورة .

احد المقربين من نظام حكم عربي استولى على اراض تعود لقرية باكملها وعندما احتج بعضهم على ذلك صدرت الاوامر لزج من تجرأ منهم على ذلك في غياهب السجون بحجة الانضمام الى "منظمات ارهابية ومساعدة عناصرها" ...

اما اذا كان احد قد اثارته "دناءة" نفوس نواب كولومبيا ... فان احدى الاسبوعيات العربية قد نقلت عن مسئول سابق في احدى الدول العربية اتهامه لرفاقه بانهم يحتفظون بجميع اشرطة الافلام الاباحية التي مثلتها سيئة الصيت "شوشولينا"... سلامات يا كولومبيا!!!

**هندسة وراثية

على الرغم من انني انهيت دراستي الجامعية في تخصص "الاحياء" الا ان معلوماتي في هذا المجال تطايرت مع توالي الايام ... ومع ذلك فان ما اذكره من اساسيات في مادة "الوراثة " يمكنني -على حسب ظني - ان اقدم اقتراحا تكميليا لتوصيف المفكر العربي محمد جابر الانصاري بحال العرب...

فالانصاري يفسر انقياد الشعوب العربية لحكامها والاستسلام لمشيئتهم بوجود عوامل وراثية تدفع الجماهير العربية للانقياد لولاة الامر ... وعليه فانني اقترح ان يقوم عدد من الباحثين العرب في مجال "الوراثة" باجراء دراسة شاملة للكشف عن الجين الوراثي المسئول عن تثبيت الخنوع في النفس العربية ، ليكملوا جميلهم بعد ذلك ويحاولوا باستخدام تقنية الهندسة الوراثية احداث تغيير في تركيبة هذا الجين "الملعون" ... عساه يدفع العرب لنقيض حالهم!.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل