من شوارع الوطن

بقلم : صلاح البردويل

العودة إلى صفحة الرسالة

 

الفلافل .. والتراث المقدس !!

رب ضارة نافعة ، كان ذلك شعاراً يردده حمودة الاعرج كلما تذكر مشهد طرده من عمله اثر طول لسانه وتعديه على عقول الشعب وثقافة الامة ، حمودة الذي يحمل البكالوريوس في الشريعة بتقدير امتياز والذي اصيب في الانتفاضة اصابة سببت له عاهة مستديمة في رجله اليسرى لم يعد قادراً على الحزن على حاله وحال اولاده  الاربعة وحال امه وزوجته واخواته .. ولم يعد قادراً في زحمة الهمّ على تذكر اخيه الشهيد الا قليلاً ...

يتذكر حمودة جيداً تلك العبارات التي وجهت اليه على اثر القاء القبض عليه متلبساً بحب الوطن والحديث عن مساحتة الحقيقة في صدره .. قال له المسؤول : لا تزايد .. لا تخرب عقول الناس .. انتم تتكلمون اكثر مما تفعلون .. لا تجنوا على ثقافة الجيل .. دعوهم يفكرون بواقعية ولا تتفلسفوا !!

يومها ظلت الكلمات ترن في اذنه لدرجة انه اخذ يفتش من جديد في الكتب عن معنى الثقافة وثقافة الجيل .. حتى هداه الله وهو يقرأ في احد كتب التراث الفلسطيني فصلاً يدافع فيه كاتبه عن الفلافل !!

يقول فيه ان المحاولات المكشوفة التي بذلها الصهاينة من اجل تصوير ان الفلافل جزء من تراثهم الاسرائيلي كلها باءت بالفشل !! وقد اثبتت الدراسات التي قام بها باحثون اوروبيون ان الفلافل جزء لا يتجزأ من تراث الشعب الفلسطيني الكنعاني !!

عند ذلك استرد حمودة ثقته بنفسه وبوطنيته ، فقد تمددت جذور الحمص في عروقه كما يتمدد الفقر تماماً في كل زاوايه .وقد حاول حمودة فيما بعد ان يسوّق نفسه عند بعض المؤسسات الوطنية من خلال التصريح بهذه المعلومات ، ولكنه يبدو انه جاء متأخراً فقد تحولت ثقافة الفلافل الى ثقافة الفراخ .. واصبح الزمن زمن الفراخ ، لكنه مع ذلك كان مكرهاً على التمسك بالفلافل ، الامر الذي دفعه هذا الصباح ان يرسل ابنه لياتي للعائلة بالتراث المقدس الفلافل ليأكلوه شاكرين حامدين منتظرين رحمة الله .

فرد الولد ورقةالفلافل امام الايدي التي كشفت في لمح البصر عن ورقة الجريدة الفاضية والتي بقيت من نصيب حمودة .. ولانه كان مولعاً بقراءة قصاقيص الصحف المحلية التي يُباع بها الفلافل فقد تناول الورقة وقرأ بامعان .. "مهرجان فلسطين الدولي 99 .. هذا المهرجان السابع الذي كان محظوظاً لحيازته على لرقم 7 بكل ما يستدعيه هذا الرقم من تداعيات .. ها نحن نبحث معاً  في وطن يضيق اكثر فاكثر" وتابع حمودة القراءة : "لماذا الرقص الحديث ؟ .. لان الرقص الحديث امكانية مفتوحة ، وضرورية لابد لفرق الرقص المحلية والمهتمين بالفنون المشهدية من الخوض فيها ، ولانه يفتح امكانيات بكر للجسد ولابداعاته"

ثم تابع حمودة بصوت تسمعه الافواه التي لم تشبع من الفلافل بينما زوجته ترضع طفلها وهي فاغرة فاها : "مهرجان فلسطين الدولي .. بحث عن الهوية .."

على الفور ضرب حمودة يده على جيبه متفقداً هويته التي مازالت حروفها مكتوبة بالعبرية الفصحى ، فتشها ليبحث عن شيكل آخر ليشتري به فلافل فلم يجد !!

.. وتابع يقرأ .. ثمن التذكرة ثمانون شيكلاً .. يا بلاش .. فرق اجنبية .. وعربية .. وكله .. كله ..

يا عيني على الصبر يا بلدنا !! 

كان اولاد الشيخ حمودة يهمّون بالخروج الى دار تحفيظ القرآن الكريم بالمسجد نصف بطونهم فارغة .. وهم ينظرون بعيون حائرة الى والدهم الذي لا يجيد الرقص .. لا لسبب ثقافي !! ولكن لعاهة مستديمة وحزن لا ينتهي .

تذكر حمودة اخاه الشهيد وهو يربت على اكتاف اطفاله ، ومزّق الصحيفة المزيتة والقاها في الزبالة وقال وهو يتنهد بمرارة يبدو ان ثقافة الفلافل تبدلت .. وثقافة الفراخ تبدلت .. ونحن اليوم على ابواب ثقافة اللحوم الفاسدة .. يا اولاد .. يا ابطال .. توكلوا على الله ونهض  قائلاً لزوجته : اشبعي الرضيع .. انا خارج .

رب ضارة نافعة

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل