بعد فوز براك

نهاد الشيخ خليل

العودة إلى صفحة الرسالة


بعد فوز براك

الرجاء تمهلوا ، واحذروا قنوات التفاوض السرية!!

بكل تأكيد هنالك فرق بين العمل والليكود ، وبين براك ونتنياهو على وجه الخصوص، لكن ورغم ذلك ، فإننا اذا كنا قد ودعنا نتنياهو بلا أسف على سقوطه المدوي ، فإن صعود براك الى الحكم يجب الا يُستقبل من طرفنا الا برفع الرايات الحمر ، خاصة وانه قد اختصر علينا الطريق ، ولم يتركنا في حيرة من امرنا بشأن توجهاته وسياساته تجاه العملية السياسية عندما اعلن ، حتى قبل ظهور النتائج النهائية للانتخابات ، ان القدس ستبقى موحدة وعاصمة ابدية لاسرائيل، وأنه لا رجعة لحدود 76 ، وانه لن يسمح بوجود جيش عربي غرب نهر الاردن، وان المستوطنات ستبقى في تجمعات كبيرة تحت السيادة الاسرائيلية.

ذكر براك هذه الخطوط الحمراء او اللاءات ولم يتطرق ولو باشارة واحدة الى هموم شريكه الفلسطيني بشأن المرحلة الانتقالية وتنفيذ بنودها سواء على صعيد اعادة الانتشار او افتتاح الممر او المرور الامن بين غزة والضفة... الخ.
ان ما تقدم ذكره عن توجهات براك يعني انه يوجه رسالة للاحزاب المتشددة ويدعوها للمشاركة في ائتلافه الحكومي ، خاصة وانه حريص على اقامة اوسع ائتلاف حكومي ممكن من اعضاء الكنيست اليهود، ومصر على استثناء اعضاء الكنيست العرب من هذا الائتلاف ، رغم ان الاخيرين تجندوا لصالحه في الانتخابات في الوقت الذي رفضت بعض الاحزاب اليهودية التي يخطب ودها اليوم ان توجه جمهورها لانتخابه ، لا بل ان بعضها دعا الى عدم انتخابه مثل شاس.

ان هذه الرسالة للاحزاب المتشددة (ولا يوجد بينهم معتدل) تشير الى ان التسوية التي سيسعى لها براك ستكون في غاية السوء ، هذا على الصعيد الداخلي الاسرائيلي ، اما بخصوص المفاوضات فإن ما لم يقله براك ، خاصة تجاهله قضايا المرحلة الانتقالية ، يعني انه يريد تحويل هذه القضايا المتفق عليها في المفاوضات السابقة الى مطالب فلسطينية ، ومن ثم التفاوض عليها من جديد ، او تنفيذها كما هي لكن مقابل صفقات بشأن القضايا النهائية.

ان الحديث عن وجود فرق بين العمل والليكود ، او انهما وجهان لعملة واحدة يثير جدلا في الشارع الفلسطيني والعربي، وانا لا اخفي انحيازي لوجهة النظر القائلة بوجود فرق بينهما ، ولكن اي فرق؟!

وتتمثل الفروق بينهما في النقاط التالية:ـ

ـ الليكود يريد ان يواصل سلب حقوقنا بواسطة القهر والغصب، اما العمل فيريد اخذ موافقتنا، بشهادة العالم ، على التنازل عن هذه الحقوق ، ومثال ذلك ما ردده احد كبار قادة حزب العمل يوسي بيلين في اكثر من مناسبة ، حيث كان يقول ان هدف طرح القدس كأحد موضوعات المفاوضات في التسوية الدائمة هو تسجيل اعتراف الفلسطينيين بالقدس كاملة عاصمة لدولة اسرائيل ، حتى يزول العائق الذي تتخذه معظم دول العالم التي ترفض الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة اسرائيل.

ـ الليكود بساديته ووحشيته العلنية ضدنا يستفز العالم بأسره ، خاصة العربي والاسلامي ، ويعيق التطبيع مع دولة الاحتلال ، وينشر اجواء تعزز الوحدة الوطنية الفلسطينية ، او على الاقل تقلص الخلافات ، اما العمل فإنه بسحر بيانه وبكلامه المعسول يستطيع ان يجند العالم ضدنا ، وان يظهر بمظهر المتفضل علينا (بما يعطينا من فتات) ، وان يغرس الفرقة في صفوفنا ، ويسعى لوأد كل مظهر من مظاهر الوحدة الداخلية ، ولا ننسى هنا ان حزب العمل قتل الشهيد هاني عابد في بداية مجيء السلطة بهدف توتير الاوضاع ، واغتال الشهيد يحيى عياش بعد حوار القاهرة بين السلطة وحماس.

ـ العمل يعمل بصمت ودهاء ويقتنص الفرص المناسبة للقتل والاغتيال ، فمثلا عندما تم اغتيال الشهيد د. فتحي الشقاقي سنة 5991 مر الامر بهدوء وكأن شيئا لم يكن، ولازلت اذكر حتى اللحظة -كما لو انني اسمعه الان- وزير خارجية دولة عربية كبيرة ومهمة كان يجلس وقتها بجوار شمعون بيرس في المؤتمر الاقتصادي للشرق الاوسط في عمان ، اذكره عندما اجاب على سؤال الصحفي الاسرائيلي ايهود يعاري " ما هو تعقيبك على مقتل الشقاقي؟؟ فقال: انا لا اعرف شخصا بهذا الاسم ، فعلق الصحفي الاسرائيلي المخضرم قائلا : في حياتي لم اشهد ردة فعل باردة على اغتيال زعيم فلسطيني كهذه.

اما حزب الليكود فيقتل بعنجهية وخير مثال على ذلك محاولتهم اغتيال الاستاذ خالد مشعل (صحيح ان الملابسات تختلف) لكن الاجواء بشكل عام في ظل الليكود تساعد على التضامن العربي، اما في ظل العمل فإنها تعمل على التفرقة.

ـ نتنياهو ظهر امام العالم كزعيم لليمين المتطرف ، لذا فإنه كان من السهل محاصرته ، اما براك فإنه يسعى لتشكيل اكبر ائتلاف حكومي ممكن ، ربما يقول البعض انه يفعل ذلك لأنه مقبل على تنازلات ، لكن هذا غير صحيح، انه يفعل ذلك لأنه يريد ان يتصلب في المفاوضات ، والامر ليس بحاجة الى استنتاج حيث اعلن خطوطه الحمراء منذ اللحظة الاولى لفوزه!

ـ الليكود يميل لاجراء المفاوضات من خلال وسائل الاعلام الامر الذي يجعل الامور مكشوفة وواضحة ، الامر مما الجميع من فهم مغزى وابعاد كل اتفاق يتم التوصل اليه مع الليكود ومعرفة ما يحتويه هذا الاتفاق من مشاكل والغام ، اما حزب العمل فيميل للتفاوض السري ، وعقد الصفقات ، واستخدام التعبيرات الغامضة التي تتيح لكل طرف ان يسوقها كانتصار له في وسائل الاعلام ، لكن على صعيد التطبيق فإنها لن تخدم الا القوي.

ـ حزب العمل يجيد التنسيق مع الامريكان ، بخلاف الليكود ، وهذا يعني انه في حال بروز اي خلاف مع حزب العمل ، فإن السلطة ستقع تحت ضغط امريكي شديد ومباشر ، وستجد السلطة نفسها مجبرة على التجاوب معه ، هذا اذا قررت السلطة التعامل مع مسألة المفاوضات بنفس النهج والطريقة والتحالفات السابقة.

اذاً يوجد فرق بين العمل والليكود ، او بين براك ونتنياهو ، وهذه الفروق تتطلب من السلطة التمهل والحذر ، تتطلب منها وضع براك تحت الاختبار وليس التنظير له كما لو انه رسول سلام.

كما تتطلب هذه الفروق من المعارضة الانتباه لأن الايام القادمة ستشهد قطعا محاولات على مستوى دولي واقليمي لتغيير الاجواء التي خلفها نتنياهو ، وستعود لغة بيرس وبيلين للظهور على السطح والتي تقسم العرب الى قسمين ، احدهما مناصر للسلام يجب ان يتحالف مع الاسرائيليين من انصار السلام ، الاخر معاد للسلام ارهابي يجب محاربته واجتثاثه من الجذور.

على اي الاحوال ، ما هو قادم ليس قدرا غالبا لا راد له ، بل بإمكاننا ان نفعل الكثير خاصة اذا ما ادركت السلطة والمعارضة ان الايام القادمة ليست اياما وردية ، وان مصلحة كليهما ومصلحة الشعب قبل ذلك تتطلب الروية والحذر والعمل على تقليل المخاطر لأن الافق لا يسمح ولا يساعد على تحقيق المكاسب.

 

الانقلاب الاسرائيلي هو رسالة "سلام" ؟!!

كشفت الانتخابات الاسرائيلية التي جرت يوم 17/5/1999 ان المجتمع الاسرائيلي يعيش حالة غليان ، ويشهد تحولات عميقة لها دلالاتها الاجتماعية والسياسية ومن ضمن ما كشفت عنه الانتخابات الاسرائيلية :ـ

- طبيعة الفسيفسائية (شديدة التجزؤ) للمجتمع الاسرائيلي ، والصراع الشديد الآخذ في الاحتدام بين الاثنيات المتعددة ، حيث تمثل الروس بأعداد لا بأس بها في البرلمان وكذلك الشرقيين . والصراع بين الروس وشاس اخذ يحتدم ، حيث يريد الروس ان يوقفوا احتكار المتدينين للموارد والمخصصات المالية.

- كشفت هذه الانتخابات عن احتدام الصراع بين العلمانيين والمتدينين ، حيث بات العلمانيون يخشون من مسألة الاكراه الديني التي يحاول المتدينون فرضها على المجتمع في اسرائيل ، كما انهم -اي العلمانيون- ضاقوا ذرعاً بابتزاز المتدينين لاموال الدولة ، وعدم احترامهم للقانون ، وقد حصل الحزب الذي رفع لواء محاربة الاكراه الديني على ستة مقاعد في الكنيست رغم انه حزب جديد .

- تقلصت اعداد الكنيست التي يشغلها اعضاء الحركات اليمينية المتطرفة ، لكن هذا لا يعني انحساراً للايدلوجية المتطرفة ، لكن الذي حدث ان مركز الخريطة السياسية الاسرائيلية، فترة حكم نتنياهو، قد اتجه خطوات واسعة نحو التطرف ، وتمكن من اقناع الشارع الاسرائيلي بجدوى التطرف المنضبط الذي يحفظ المصالح الاسرائيلية ولا يثير حساسية الآخرين . لهذا فإن اكثر اعداد الكنيست يمكن القول انهم يمثلون الوسط الجديد او السيار الجديد .

ـ يجب الحذر من التصريحات القائلة ان نتائج الانتخابات الاسرائيلية ، بما حملته من انقلاب ، تعني ان الشعب الاسرائيلي يبعث برسالة سلام الى الفلسطينيين والعرب ، وخاصة وان قائد هذا الانقلاب يبدي عجرفة في تعامله مع الفلسطينيين منذ اللحظة الاولى سواء الفلسطينيين داخل الخط الاخضر حيث يرفض اشراكهم في تحالف حكومي معه ، وكذلك بشأن التسوية السياسية معنا .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل