باراك بعد انتخابه رئيساً للوزراء

 

العودة إلى صفحة الرسالة

القدس عاصمة موحدة لاسرائيل ... لا عودة لحدود 67 ... المستوطنات قائمة للأبد ... الاحتفاظ بـ 55% من مساحة الضقة الغربية !!

كما كان متوقعا حقق ايهود براك زعيم حزب العمل فوزا ساحقا على رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي زعيم الليكود في الانتخابات التي تبين ان نتائجها تعكس رسالة واضحة من قبل الشارع الاسرائيلي على الطريقة التي أدار بها نتيناهو شئون الدولة العبرية ، كما تبرز هذه النتائج الى حد كبير انعدام ثقة الشارع اليهودي في مؤهلات نتنياهو الشخصية والقيادية عقب سلسلة الاخفاقات التي قادت اليها سياسته على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي .

ويجمع كل الذين راقبوا هذه الانتخابات على ان شخصية نتنياهو لا مواقفه الايديلوجية هي التي حسمت التنافس لصالح ايهود براك. والذي يعطي مصداقية واضحة لهذا الاستنتاج هو التنسيق الظاهر بين قيادات الوسط واليسار الاسرائيلي وقيادات هامة في الليكود واليمين من اجل اسقاط نتنياهو ، بل ان معظم المراقبين في اسرائيل يكادون يجمعون على الدور الحاسم الذي لعبه قادة اليمين الاسرائيلي في اسقاط نتنياهو، وفي نفس الوقت فقد نجح ايهود براك في اقناع الشارع الاسرائيلي انه فيما يتعلق بالمواقف السياسية وخصوصا تجاه المسار التفاوضي الاسرائيلي / الفلسطيني فإنه لا يوجد اختلافات جوهرية بين مواقفه ومواقف نتنياهو.

وقد عاد براك واكد على هذه الحقيقة بُعيد ساعات من اعلان نتائج الانتخابات ، بل ان استطلاعات الرأي العام في اسرائيل التي سبقت اجراء الانتخابات قد عكست ثقة الجمهور اليهودي في قدرة ايهود براك على ضمان تحقيق مصالح اسرائيل الاستراتيجية والامنية بصورة افضل من نتنياهو.

كما استطاع براك ادراك جملة من التغييرات الاجتماعية التي طرأت على اسرائيل واكدتها نتائج هذه الانتخابات ، كما سنبين لاحقا ، في حين ان نتنياهو تجاهل هذه المتغيرات معتمدا على تحليلات مخطئة وتشخيص مضلل لحقيقة رغبات الشارع الاسرائيلي، وخصوصا التيار العلماني الذي ثارت ثائرته من استمرار الغزل بين نتنياهو والاحزاب الدينية الارثوذكسية وبالتحديد شاس على الرغم من تورط زعيمها في قضايا فساد خطيرة وكبيرة تعتبر سابقة من حيث حجمها ومدى تورط قيادة على هذا المستوى الرفيع فيها.

من الاهمية بمكان عند استقراء نتائج الانتخابات في اسرائيل عدم القفز الى استنتاجات غير دقيقة لا تعكس الواقع ، مثل ما يروج له انصار التسوية السياسية مع اسرائيل، في الدول العربية والسلطة الفلسطينية الذين يدعون ان انتخاب ايهود براك يعكس تحول شعب اسرائيل لصالح الحلول السلمية ، وان نتيجة هذه الانتخابات تمثل رفض الشارع اليهودي لسياسة التشدد التي كان يديرها نتنياهو اثناء مفاوضاته مع السلطة الفلسطينية.

وهنا يجب ان يتم طرح السؤال المهم التالي : كيف قدم ايهود براك نفسه للناخب الاسرائيلي ، وما الصورة التي حرص على بلورتها له في ذهن رجل الشارع اليهودي ؟ وما هي المواقف السياسية التي عرضها؟

بالرجوع الى الحملة الانتخابية التي اشرف عليها ايهود براك يستدل ان زعيم حزب العمل حرص على ايصال رسائل للناخب الاسرائيلي.

** الرسالة الأولى : ماض عسكري ينفي اي تساهل مع العرب

لمعرفة ايهود براك بمدى تعلق الشارع الاسرائيلي بقادة الجيش الذين لهم دور في مواجهة "الاعداء" ، ولهيمنة "الشوفينية" على قطاعات واسعة من اليهود في اسرائيل، فقد شدد براك على ابراز ماضيه العسكري كرئيس اركان وكقائد سابق ، فبراك هو الضابط الذي حصل على اكبر عدد من الاوسمة تقديرا على ما قام به من عمليات ضد العرب والفلسطينيين تحديدا.

وعن سبق اصرار قام براك بتسليط الاضواء على حياته عندما كان قائدا لوحدة "سييرت متكال" التي تتولى بشكل اعتيادي تنفيذ عمليات الاغتيال ضد قادة المقاومة الفلسطينية ، ففي كراس انتخابي تم توزيعه بالروسية على المهاجرين اليهود الجدد من روسيا والذي يحمل عنوان " ايهود براك... الجندي رقم واحد في اسرائيل" يتحدث براك في هذا الكراس عن دوره الشخصي في اغتيال كل من كمال ناصر وكمال عدوان ويوسف النجار وهم ثلاثة من قادة م.ت.ف وذلك في بيروت عام 73.

يقول براك : لقد اطلقت النار على رؤوسهم وقد تطاير بياض عيونهم على قبعتي " ... فهل من يسوق نفسه بهذا الشكل يعتبر من "جنود السلام" ، ويصف براك جميع عمليات الاغتيال التي ارتكبها ضد قادة الفلسطينيين بانها عمليات اخلاقية من الطراز الاول ، ويشير الكراس بشكل خاص الى دوره في اغتيال ابو جهاد في العام 1986، حيث كان نائبا لرئيس هيئة اركان الجيش الاسرائيلي ، وكان براك في سفينة في عرض البحر قبالة العاصمة تونس يتابع تنفيذ العملية ، مع انه كان من الذين وضعوا اللمسات الاخيرة على عملية الاغتيال التي قادها قائد الضفة الغربية الحالي موشيه يعلون والذي كان حينها قائدا لوحدة "سييرت متكال" ، ولم ينس براك ان يشير الى دوره في قصف مقر م.ت.ف في حمامات الشط بتونس في العام 86 ، ناهيك عن اعداده مخططاً قصف المفاعل الذري العراقي في العام 1981 وقد كان يشغل حينها منصب قائد قسم التخطيط في الجيش الاسرائيلي .

مساعدو براك ، وبتعليمات صادرة منه، قاموا بابراز دور براك عندما كان رئيساً للاركان في محاولة اخماد الانتفاضة الفلسطينية ، حيث انه تولى فعلياً تنفيذ سياسة تكسير العظام والابعاد وهدم البيوت واغلاق الشوارع وغيرها من اجراءات قمعية.

واضح جداً ان براك يريد من ابرازه لهذا الجانب من حياته التأكيد على ان انساناً بهذا الماضي لا يمكن ان "يفرط" بمصالح اسرائيل الاستراتيجية وامنها "القومي" . كما لعبت نفس الدورالصور التي تضمنتها دعاية حزب العمل الانتخابية لايهود براك وهو في لباسه العسكري ، وايضاً وهو يحصل على الاوسمة من رؤساء الوزراء بعد نجاحه في تنفيذ عمليات انقاذ الرهائن الاسرائيليين الذين كان يتم اختطافهم من قبل منظمات فلسطينية .

الامر المهم الذي يجب الاشارة اليه هنا هو ان براك قد حصر انتقاداته لنتنياهو في مزاياه الشخصية وليس في مواقفه السياسية ، وخير دليل على ذلك ، انه في الوقت الذي يعرض فيه براك بنتنياهو فإنه يكيل المديح لـ"حكمة" من هم اكثر منه تطرفاً وتشدداً مثل ارئيل شارون الذي يؤكد براك احترامه وتقديره لفهمه العسكري وتسود بين الاثنين علاقة شخصية واعجاب متبادل .

من هنا فقد كان اختيار الجمهور اليهودي لبراك نابعاً من تلك النظرة العنصرية المتأصلة تجاه العرب والفلسطينيين في اعماق وعي الاسرائيليين ، اذ انهم يؤيدون من كان له باع اطول في ضرب العرب والنيل منهم .

وقد اثار هذا التوجه عدداً من منظري اليسار غير الصهيوني الذين وصفوا براك بأنه يعرض نفسه كـ"مقاول قتل" على حد قول الصحافي الاسرائيلي .

** الرسالة الثانية : برنامج سياسي متطرف

"المرء يحتاج الى ميكروسكوب لكي يدرك الفروق الايدلوجية بين حزب العمل والليكود" هكذا يكرر ايهود براك دوماً ، وهو بالتالي ينفي ما يدعيه البعض في الجانب الفلسطيني والعربي من ان هناك اختلافاً بين براك ونتنياهو وعلى وجه الخصوص بكل ما يتعلق بالموقف من التفاوض مع الجانب الفلسطيني، ولقد ادى التشابه الكبير في المواقف السياسية بين الجانبين الى اقناع عدد كبير من الشخصيات السياسية التي كانت حتى وقت قصير محسوبة على اليمين الاسرائيلي بتأييد براك .. ويمكن هنا الاشارة الى عدد كبير من القادة المعروفين بتوجهاتهم اليمينية ومع ذلك اعلنوا ان براك هو خير ممثل لهم ، مثل : الجنرال يهوشع ساغيه احد زعامات الليكود ورئيس بلدية تل ابيب ، ودان ستيمان ، ورؤفين باروخ ، وارئيل لين ، وجميعهم من اللجنة التنفيذية في الليكود . ويشرح البروفيسور يهوشع بورات وهو من منظري اليمين في اسرائيل سبب تحوله لتأييد براك قائلاً : "انني على يقين ان ما يحققه نتنياهو بثمن كبير تدفعه دولة اسرائيل ، يحققه براك واكثر منه دون ان تخسر شيئاً يذكر". وبالفعل فإنه عند مقارنة برنامج براك الانتخابي على الصعيد السياسي فإن المرء لا يجد فروقاً جوهرية بينه وبين برنامج نتنياهو ،ويمكن اختصار برنامج براك السياسي بعدد من الخطوط الحمراء :ـ

1ـ القدس هي العاصمة الابدية والموحدة لدولة اسرائيل وللشعب اليهودي .

2ـ عدم العودة الى حدود العام 1967م بشكل من الاشكال .

3ـ لا وجود لجيش عربي على الضفة الغربية لنهر الاردن .

4ـ احتفاظ اسرائيل بالسيادة على ما يقارب (50-55%) من مساحة الضفة الغربية يرى براك انها تمثل مناطق حيوية لدولة اسرائيل ، وتشمل هذه المناطق :غورالاردن ، مصادر المياه ، مصادر الطاقة ، سلسلة الجبال وقممها الاستراتيجية ، المناطق المتاخمة للخط الاخضر ، المناطق السياحية والاماكن المقدسة لليهود .

5ـ عدم ازالة مستوطنات يهودية قائمة في الضفة الغربية ، بل ان براك وعد قادة المستوطنين ان المستوطنات في بعض     المناطق ستزدهر ، واعاد الى الاذهان تعلقه الوجداني بجبال الضفة الغربية واعجابه الكبير بما يقوم به المستوطنون اليهود الذين يصفهم بأنهم "حماة المشروع الصهيوني الكبير" .

6ـ  رفض اعادة اللاجئين الفلسطينيين مطلقاً ، مع العلم انه يتبنى اقتراح شمعون بيرس القاضي بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في اماكن تواجدهم الحالية .

فضلاً عن ان براك يشترط ان تقوم السلطة الفلسطينية بتجفيف منابع الحركات الاسلامية المقاومة نهائياً .

من هنا فإنه من الصعب التسليم بادعاء اولئك الذين يقولون ان خلافات جوهرية حقيقية بين براك ونتنياهو تستدعي التفاؤل ازاء احتمال التوصل لاتفاق نهائي ومنصف مع الطرف الفلسطيني .

7ـ عند الحديث عن المواقف السياسية لبراك فإنه تجدر بنا الاشارة الى ان براك وخلال ترؤسه لهيئة اركان الجيش الاسرائيلي عارض اتفاقية اوسلو ، ووصف هذه الاتفاقيات بأنها مليئة بالثقوب كـ"الجبنة السويسرية"، وعندما تقاعد من الجيش وانضم لحكومة رابين في العام 1995م امتنع عن التصويت على اتفاقية "طابا" . وعلى الرغم من ان برنامج حزب العمل السياسي لا يرفض اقامة دولة فلسطينية منقوصة السيادة ولا تتمتع بسيادة حقيقية على الارض، الا ان براك رفض حتى الآن الاعلان بشكل مطلق تأييده لفكرة اقامة الدولة الفلسطينية .

** الرسالة الثالثة : برنامج"اجتماعي - اقتصادي "مغر

تزامنت الانتخابات مع هيمنة عاملَين على المجتمع الاسرائىلي : ازمة اقتصادية خانقة ، ونزاعات عميقة بسبب الاستقطاب الكبير والحاد بين التيارات المختلفة في هذا المجتمع .

أـ التسوية كأداء لازدهار الاقتصاد الاسرائيلي

تدل تقديرات مكتب الاحصاء المركزي الاسرائيلي ان معدل البطالة قد قفز في عهد نتنياهو من 6% الى 12% اي بمعدل 100% كما تراجعت مستويات الاستثمار بشكل مخيف في اعقاب رجال العمال الاجانب في توظيف رأس مالهم في مشاريع التنمية في اسرائىل بسبب الجمود في العملية السياسية ، وبراك وعبر تبنيه لمواصلة تطبيق اتفاقية " اوسلو" بحذر شديد فانه يريد اعادة الاقتصاد الاسرائيلي الى حالة الازدهار التي كانت سائدة في عهد حكومتي رابين /بيرس ، وذلك بتوفير الاجواء اللازمة لتشجيع الاستثمار الاجنبي والقضاء على البطالة . وليس سرا ان منطلقات حزب العمل تدعو لاستثمار العملية السياسية من اجل اقتحام السوق العربية وزيادة معدلات الانتاج بشكل يحدث طفرة في ودائع اسرائىل من العملات الصعبة ، ويزيد من قدرة الدولة العبرية على استقطاب المهاجرين الجدد لاسرائيل وخصوصا من روسيا والجمهوريات التي كانت تشكل سابقا الاتحاد السوفياتي .

ب ـ  طرح سلم اولويات اجتماعي نال قبول الاسرائيليين

براك اعلن بشكل واضح رفضه استمرار انفراد المتدينين الارثوذكس بالحصول على ما يريدون من خزينة الدولة ، وتعهد بان يعمل على تطبيق الخدمة الاجبارية في الجيش على طلاب المدارس الدينية ، وكان شعاره المؤثر " متساوون في الحقوق .... متساوون في الواجبات " ، هذا التوجه اقنع الاغلبية العلمانية وخصوصا المهاجرين الجدد من روسيا بضرورة منح براك فرصة لمعالجة ما يسمونه بــ " الغبن الذي لحق بالاغلبية العلمانية جراء امتثال نتنياهو لمطالب اليهود المتدينين " ، ولكنه وبعد ان حققت حركة شاس انتصارا كبيرا بعد حصولها على 17 مقعدا في البرلمان الاسرائيلي على الرغم من ادانة زعيمها الحاخام ارييه درعي بعمليات فساد كبيرة من هنا فان براك تعهد بالعمل على اجراء مصالحة " وطنية " شاملة .

** الرسالة الرابعة : ابراز الفروق في الشخصية بينه ونتنياهو

لا يختلف اثنان في اسرائىل على ان نتائج الانتخابات كانت ايضا رسالة احتجاج واضحة ضد ما ميز شخصية نتنياهو اثناء فترة حكمه فنتنياهو بالنسبة لوسائل الاعلام الاسرائيلية كان كذابا غير جدي مستعدا لعمل اي شيء من اجل تحقيق مصالحه الشخصية ، كان يدير الدسائس ضد اقرب الناس اليه لدرجة انه استطاع دفع اهم قيادات حزبه واكثرهم شعبية مثل دان مريدور ، اسحاق مردخاي ، وبني بيغن ، وروني ميلو الى احضان المعارضة بشقيها " اليميني " و " الوسطي " ، براك بعد ان تيقن من غرس هذا الانطباع في اذهان معظم الاسرائيليين ركز على ما ينفي مثل هذه الصفات عنه ، وفي سبيل ذلك فقد قام براك بايراد اقتباسات كثيرة لقادة سابقين في الجيش والمخابرات يشيدون بتجربته كقائد ويثنون على صفاته الشخصية ، وهذا ساعد كثيرا في تسهيل الانتصار الذي حققه براك على نتنياهو .

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل