الوجه الحقيقي لصاحب "اللاءات"

 

العودة إلى صفحة الرسالة

صالح النعامي

يدعو عدد من كبار المفكرين العرب حاليا - وبحق - الى اعادة كتابة التاريخ العربي الحديث ، اذ ان هذا التاريخ كما يقدم للقاريء العربي البسيط يقوم على جملة من المغالطات والحقائق الزائفة ، والتضليل المتعمد الذي يهدف الى اخفاء الوجه الحقيقي للكثير من الانظمة العربية والقادة "الثوريين " الذين ارتبط ذكر بعضهم بهالة من التقديس .... في اعتقادي ان واحدة من اهم القضايا التي يجب اعادة تأريخها والوقوف على تطورها عبر الزمن هي الاتصالات السرية بين اسرائيل والدول العربية ، وهل اقتصرت هذه الاتصالات على الاردن والمغرب فقط كما يعلم الجميع الان ام ان هناك انظمة اخرى حاولت فتح قنوات اتصال مع اسرائىل ؟!! والسؤال الاكثر اهمية الذي يجب ان يطرح في هذه الحالة هو : ايهما الذي رفض الحلول السلمية ، قادة اسرائىل ام قادة الانظمة " الثورية" في البلدان العربية ؟!! …. وهنا يجب ان يعاد البحث في موقف جمال عبد الناصر الحقيقي بالذات من اسرائىل مقارنة مع مواقفه العلنية المعروفة ، اذ ان عبد الناصر صاحب اللاءات الثلاث .. لا للتفاوض … لا للصلح … لا للاعتراف قد اسفرت سياساته عن واحدة من افظع الهزائم في التاريخ المعاصر ، حرب العام 67 …. فهل كان عبد الناصر ينوي "رمي اليهود في البحر" كما حاولت ابواق الزور ان تصورذلك للمواطن العربي ، وهل كان عبد الناصر حقا هو الذي كان يبادر الى التأزيم مع اسرائىل ام العكس ؟!! .... يكشف المؤرخ والكاتب الامريكي ستيفن غرين في كتابه " الانحياز" (ص 84 ) ان جمال عبد الناصر كان على اتصال برجل المخابرات الامريكية كيم-روزفلت وكان يعبر له عن احترامه لاسرائيل واعجابه بقدرة قادة الحركة الصهيونية على انجاز " مشروعهم القومي في زمن قياسي" ، وقد طلب عبد الناصر من روزفلت ان ينقل للادارة الامريكية رغبته في التوصل الى حل سياسي مع اسرائىل ، وفي العام 1954 اجتمع عبد الناصر مع عضوي البرلمان البريطاني ريتشارد كروسمان وموريس اورباج وطلب منهما اقناع حكومتهما بفتح قناة اتصال سرية بينه وبين قادة اسرائىل ، الكاتب والمؤرخ البريطاني جين لاكستوير ذكر في كتابه " التحول في مصر" ان عبد الناصر قد اجرى بالفعل اتصالات غير مباشرة مع ثاني رئىس وزراء لاسرائىل موشيه شاريت ، ناحوم جولدمان اول رئىس للمؤتمر اليهودي العالمي ومن مؤسسي دولة اسرائىل يذكر في كتابه " التناقض اليهودي " انه قام شخصيا بالاقتراح على الرئىس الهندي السابق نهرو ان يتوسط لدى عبد الناصر للموافقة على ان تكون مصر واسرائىل جزءا من كونفدرالية لدول الشرق الاوسط ، و يقول جولدمان انه صدم عندما ابدى عبد الناصر موافقة مبدئية على هذه الفكرة ، لكنه يعترف ان قادة اسرائىل في ذلك الوقت هم الذين رفضوا الاقتراح ، جدعون رفائيل مدير عام وزارة الخارجية الاسرائىلي الاسبق يذكر ان عبد الناصر قابل في العام 1954 مسؤولين اسرائيليين للبحث في سبل حل النزاع العربي الاسرائىلي بشكل جذري !! لكن روفائيل يكشف في كتاب " ثلاثة عقود من السياسة الخارجية الاسرائىلية " ان حكومات اسرائىل برئاسة دفيد بن غوريون ووزير دفاعه بنحاس لافون التي ادارت شؤون اسرائىل منذ العام 1948 حتى 1963 رفضت كل المحاولات لتسوية النزاع مع الدول العربية بالطرق السلمية ، حيث كان بن غوريون ولافون وموشيه دايان يؤمنون بضرورة " انهيار حالة الحرب عن طريق الحاق هزيمة كبيرة بالدول العربية " ويشير الكثير من الباحثين الذين تتبعوا السياسة الاسرائيلية التي اتبعها بن غوريون الى ان الدولة العبرية حرصت على احباط كل المساعي للتوصل الى حل سلمي وخصوصا بعد ان رأت ان عبد الناصر يبدي استعدادا للتجاوب مع هذه المساعي ، ويكتب البرفسور آبي شلايم ان بن غوريون : " كان يصعق عندما يسمع عن محاولات دبلوماسية لحل النزاع مع عبد الناصر، وكان على الفور يحبط هذه المحاولات عبر شن هجمات وراء حدود الدول العربية وذلك ليرغم عبد الناصر على اظهار التشدد والتصلب " ، وحتى ديمون هيبر سفير الولايات المتحدة في بيروت في الخمسينيات قد وصف في كتابه " الشرق الاوسط كما عرفت " سياسة بن غوريون تجاه عبد الناصر قائلا " لقد كانت هناك دوافع خبيثة وغير مسؤولة تحرك بن غوريون ووزراءه الذين رأوا في العمليات العسكرية السبيل الاوحد لابقاء الحدود في حالة اضطراب " ... لا مجال هنا لايراد الكثير من الشواهد التي تفضح " عناد الزعيم الثوري " صاحب اللاءات الشهيرة ... من هنا فانه من حق النشء العربي ان يعي حقائق تاريخه كما هي دون زيف او تضليل حتى لا تبقى الانطباعات الكاذبة معشعشة في اذهان الكثيرين ... نعم الذين قادوا العالم العربي الى حرب العام 7691 والتي تعاني الشعوب العربية من نتائجها حتى الان كانوا متهالكين على اي سلام مع اسرائيل .....

من حق هؤلاء ان " يؤمنوا بالسلام مع اسرائيل " .... لكن الشيء الذي لا يمكن فهمه هو ان ينساق عبد الناصر الى حرب العام 1967 الكارثة على الرغم من عدم اقتناعه بقدرة العرب على هزيمة اسرائىل كما قال هو لصديقه رجل المخابرات الامريكية روزفلت ؟؟!! ... مرة اخرى فان دعوة كبار المفكرين العرب امثال محمد جابر الانصاري ومحمد عابد الجابري وكروم حلو وقسطنطين زريق ومنير شفيق وغيرهم لاعادة كتابة التاريخ العربي يجب ان تجد آذانا صاغية ... مع يقيننا ان اصحاب

** معايير مزدوجة !!

اثناء تفجير قضية عبد الله اوجلان اثر اختطافه من قبل تركيا ثارت ثائرة الاكراد وقاموا بتوظيف وجودهم القوى داخل اوروبا وامريكا من اجل تحريض الرأي العام هناك على تركيا وحليفاتها وخصوصا امريكا واسرائيل. وقد كانت الحملة الكردية موفقة الى حد ان تركيا شعرت بضرورة ايجاد اوراق ضغط مقابلة تبطل فاعلية الصوت الكردي في امريكا واوروبا ، من هنا فقد اصدرت وزارة الخارجية التركية تعليمات صارمة لبعثاتها الدبلوماسية في ارجاء اوروبا بضرورة حث المواطنين الاتراك الموجودين هناك على الحصول على الجنسية الامريكية او جنسية اي دولة اوروبية وذلك لاعتقادها ان وجود اتراك يحملون الجنسيات الاوروبية او الامريكية سيمنح تركيا خدمات دعائية كبيرة حيث سيعمل هؤلاء الاكراد على تشكيل "لوبي" يدافع عن مصالح تركيا ومواقفها خصوصاً تلك التي تحظى باجماع "وطني" تركي ... من هنا تبدو سخافة موقف الحكومة التركية بزعامة بولانت اجاويد رفعت الجنسية التركية عن النائبة الاسلامية مروة قاوقجي بحجة انها حصلت على الجنسية الامريكية وبالتالي لا يحق لها "التمتع" بالجنسية التركية ... لو كانت الامور بالمنطق لكانت النائبة قاوقجي اولى بتقدير اجاويد وزملائه ، فضلاً عن الطغمة العسكرية الحاكمة ....لكن لا وجود للمنطق في عملية اتخاذ القرار السياسي التركي ، فبما ان قاوقجي مصممة على التشبث بالحجاب فإنها يجب ان تستثنى من كل ما يتمتع به اي مواطن تركي ... لكي نقف على مدى الانحدار الذي وصلت اليه الدولة التركية في عدائها لمعتقدات شعبها وتراث امتها ، فإننا نستذكر هنا قصة الطيار الاسرائيلي المتدين الذي كان يتدرب في الاجواء التركية حسب الاتفاق الموقع بين اسرائيل وتركيا ، وقد اثار هذا الضابط نظرات الاستغراب والاندهاش على وجوه الضباط الاتراك عندما رأوه يعتمر القبعة الدينية ويشرع في الصلاة حسب الديانة اليهودية ، ويخبر هذا الضابط الصحف العبرية انه فوجئ عندما علم انه محظور على زملائه الاتراك ابراز اي مظهر من مظاهر التدين ... ويختم هذا الضابط شهادته قائلاً انه شعر بالاحتقار تجاه النظام في تركيا الذي يقوم بهذا القدر من القمع لرغبات ابناء شعبه المشروعة في ممارسة طقوسهم الدينية ...
وعلق احد الصحافيين العاملين في تركيا على قرار حكومة اجاويد رفع الجنسية التركية عن قاوقجي قائلاً "لماذا تغضب هذ النائبة ، فلو كانت قاوقجي كلباً امريكياً لتعامل معها عسكر تركيا بصورة افضل مما يتعاملون معها الآن كممثلة عن الشعب التركي ".

رسالة براك!!

على الرغم ان 95% من العرب داخل اسرائيل قد صوتوا لايهود براك الا انه حرص باصرار خلال الحملة الانتخابية على عدم زيارة المدن والقرى العربية وتجنب عن قصد الظهور وسط الجماهير العربية، فضلا عن انه ترك مهمة التنسيق بين حزب العمل والاحزاب العربية الى يوسي بيلين ، ورفض منح الصحافة صورا جماعية يظهر فيها مع قادة الجمهور العربي ، والاكثر من كل ذلك فإن براك رفض الاستجابة لأي مطلب من مطالب القوائم العربية مقابل تعهدها بدعم ترشيحه..
لماذا يصدر مثل هذا التصرف عن براك وهو يدرك مدى حيوية الصوت العربي في حسم التنافس على رئاسة الوزراء!!... الاجابة على هذا السؤال يمكن العثور عليها في تحليل المعلقين في اسرائيل ، الذين يؤكدون ان براك يعتقد ان العرب داخل اسرائيل لا خيار لهم الا التصويت لصالحه ، حيث انه من غير المتوقع ان يوجه العرب اصواتهم لنتنياهو.

من هنا فإن براك يتعامل مع الاصوات العربية المؤيدة له كمعروف يتوجب عليه مكافأتهم لقاءه، والشيء المهم جدا والذي بدا واضحا بشكل جلي ان براك بدأ منذ الان يراهن على المهاجرين الروس الذين خاب املهم في نتنياهو ، ولأن اليهود الروس ذوو توجهات يمينية متشددة ويتبنون مواقف عنصرية تجاه العرب، فإن براك سيظل يراهن على الصوت الروسي ايضا في الانتخابات المقبلة ، وهو بالتالي ينوي ان يكون ليس فقط خيار الوسط واليسار الاسرائيلي، بل ايضا خيار اليمين بشكل عام.

كثير من المراقبين يؤكدون ان براك يخطط لانتخابات العام 2003 منذ الان وهو سيحاول القضاء على فرص اي مرشح يميني منافس له وذلك عن طريق تبني مواقف اكثر تشددا وتطرفا...

ماذا يعني هذا الموقف بالنسبة لنا نحن اهل الضفة الغربية وقطاع غزة والسلطة الفلسطينية والدول العربية!!... هذا يعني ان براك سيحمل رسالة متشددة ومتصلبة في كل ما يتعلق بالمسارات التفاوضية ، وخصوصا المسار الاسرائيلي الفلسطيني... فبراك لن يفكر مطلقا في مستقبل هذا المسار الا من زاوية خدمة هدفه الرئيس ، الا وهو الوصول الى كرسي رئيس الوزراء والبقاء فيه حتى العام 2007.

براك قد ا قدم بالفعل على تكرار نفس شعارات نتنياهو ومواقفه ، ففي غمرة حملة نتنياهو على "بيت الشرق " اكد براك انه في حال فوزه فلن يسمح بفتح اي مؤسسة فلسطينية في القدس مطلقا..

الصحافي الاسرائيلي امنون دانكز وهو من المحسوبين على اليسار الاسرائيلي يبدي تشاؤما كبيرا ازاء عهد براك الذي يصفه بأنه انسان تتحكم فيه الشكوك والغرور بصورة كبيرة ، وفي نفس الوقت لديه ميل لمحاباة اولئك الذين يتبنون مواقف اكثر تصلبا منه.

ويتخذ الصحافي امير اورن نفس الموقف من براك ويقول انه عندما كان رئيس قسم التخطيط في الجيش الاسرائيلي اثناء غزو لبنان في العام 1982فقد ترسخ تفاهم بينه وبين شارون الذي كان حينها وزيرا للدفاع ، وحسب اورن فقد عمل براك على اعداد خطط الحرب كما يعتقد ان شارون يريدها، فمثلا وضع براك ضمن هذه الخطة ضرب المواقع السورية في محاولة لجر سوريا للحرب ،وبالتالي توسيع دائرة الحرب وتوريط سوريا والتخلص من الوجود السوري في لبنان مرة وللابد... مع ان اكثر الضباط تطرفا في قيادة اركان الجيش لم يفكروا بما ذهب اليه براك في مسعاه لاسترضاء شارون.
ليس هذا فحسب ، فبراك -الذي كان يعد نفسه ليوم يكون فيه منافسا على رئاسة الوزراء- قد وصف ، اثناء توليه رئاسة اركان الجيش الاسرائيلي اتفاقية اوسلو بأنها تشبه الجبنة السويسرية ، لكثرة الثغرات التي تحتويها!!!
الشيء الذي يجب الاشارة اليه الان هو ان براك منذ اليوم الاول لتسلمه رئاسة الوزراء سيقيس تعاطيه مع العرب والفلسطينيين وفق نفس المقاييس التي كانت معتمدة لدى نتنياهو ، لكن بصورة اكثر حكمة. الامر الاخر الذي من الاهمية بمكان ان يؤخذ بعين الاعتبار ان براك ، وبخلاف نتنياهو يحظى بمصدر قوة هام جدا مقابل العرب، ذلك انه سيجد ان الساحة الدولية وخصوصا الامريكية منسجمة الى اقصى حد معه ... فإذا كانت ادارة الرئيس كلنتون قد داهنت نتنياهو على الرغم من كل ما صدر عنه من مواقف ومارست الضغوط على السلطة من اجل عدم احراجه والتوافق مع تعنته حتى انتهى بها المطاف بالتوقيع على اتفاقية "واي" ... فكيف سيكون حالها مع براك؟... رسالة براك الواضحة والصارمة ان على العرب دفع فاتورة انتخابه الان وفي الانتخابات المقبلة.

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل