صعوبات كبيرة تواجه تشكيل الائتلاف الحكومي في تركيا

 

العودة إلى صفحة الرسالة

في اعقاب تصريحات زوجة اجاويد

صعوبات كبيرة تواجه تشكيل الائتلاف الحكومي في تركيا

منذ صدور نتائج الانتخابات البرلمانية التركية بات واضحاً حجم الزلزال الذي احدثته هذه النتائج والتي كان من ابرزها الصعود المفاجئ للحركة القومية التركية حيث جاءت في الترتيب الثاني بعد حزب اليسار الديمقراطي بواقع 130 مقعداً من مقاعد البرلمان الـ 550 وهو ما اثار مخاوف الاوساط السياسية والاقتصادية من صعود اليمين القومي المنغلق على الخارج في زمن العولمة الثقافية والاقتصادية والسياسية! خصوصاً ان الحزب ليس له تجربة اقتصادية او سياسية واضحة وقد تنعكس اطروحاته على علاقة تركيا بالاتحاد الاوروبي الذي لا يرى القوميون جدوى من استمرارها وتعميقها في احسن الاحوال بسبب الشعور القومي الذي يطغى على برنامج الحزب حيث يدعون الى اقامة >الوطن الكبير< من الاناضول الى وسط آسيا ومن المعارضين بشدة للنزعة الانفصالية الكردية حيث شارك افراد الحزب -كمتطوعين- في محاربة الاكراد الذي كان لاعتقال زعيمهم عبد الله اوجلان اثر كبير في تعميق الشعور القومى لدى الاتراك وهو ما وضع الحركة القومية في الصدارة .

وهو موقع كان من الصعب تجاوزه من الشخص المكلف بتشكيل الحكومة القادمة ارجحها حكومة ائتلافية تضم احزاب اليسار الديمقراطي والحركة القومية والوطن الام وذلك على الرغم من الصراع التاريخي الذي شاب العلاقة بين القوميين واليساريين والذي وصل ذروته في نهاية السبعينيات عندما تزعم دولت باغجلي -الزعيم الحالي للحركة القومية- حركة الذئاب الرمادية التي قضت على اليسار التركي في اشتباكات ذهب ضحيتها اكثر من خمسة آلاف قتيل وألحقت الهزائم بأجاويد الذي كان حينها رئيساً للوزراء 1974م ، وهناك ثارات مازال جمرها تحت الرماد حتى الآن وهو ما ظهر بالفعل في اعقاب الازمة التي افتعلتها زوجة بولاند اجاويد عندما صرحت لاحدى الصحف بأنها تشك في كون القوميين قد غيروا سياستهم وهو ما اثار استياء القوميين وزعيمهم دولت باغجلي الذي طالب باعتذارها علناً وهو مارفضه اجاويد وتطورت الازمة عندما رفض باغجلي استقبال اجاويد في اطار محاولات الاخير تشكيل ائتلاف حكومي واذا استمرت هذه الازمة ولم ينجح اجاويد في تشكيل الحكومة على اعتبار ان حزب الطريق القويم بزعامة تانسو تشيلر لا يرغب في التحالف مع حزب الوطن الام بسبب تضارب الحسابات والمصالح السياسية .. عندها سيضطر الرئيس سليمان ديمريل تكليف دولت باغجلي بتشكيل الحكومة ، عندها لن يجد باغجلي اقرب من حزب الفضيلة ورغم ذلك سيحتاج الى حزب ثالث وهنا يأتي دور تشيلر وحزبها الطريق القويم الذين سيكون من السهل عليهم تقاسم الكعكة السياسية خصوصاً ان الفضيلة لن يكون له طموحات كبيرة من المكاسب السياسية حتى لا يغضب العسكر ويحافظ على اكبر قدر من الاستقرار الحكومي وسيكفي بشكل اساسي -ان نجح الائتلاف- باعادة فتح المدارس الشرعية ومدارس تحفيظ القرآن الكريم واقرار حرية ارتداء الحجاب في المؤسسات الحكومية ومنها البرلمان الذي اثار مؤخراً عاصفة سياسية لم تهدأ بعد بسبب اصرار مروة قاوقجي -النائبة عن حزب الفضيلة- على ارتداء حجابها في جلسات البرلمان.

كان من الممكن ان تساهم هذه الازمة بين اليسار الديمقراطي والحركة القومية في اعطاء فرص جيدة لحزب الفضيلة في الدخول على خط التحالفات الحكومية المستقبلية ولكن دخول القضاء التركي في اجراءات لحل حزب الفضيلة -وهو المتوقع حدوثه- سيعقد الازمة بشكل كبير لأن اي حكومة قادمة ستشكل من ثلاثة احزاب على الاقل من الاحزاب الخمسة الممثلة في البرلمان فإذا حظر الفضيلة ، ورفض القوميون التحالف مع اجاويد ستكون الخيارات محدودة جدا ، وهي تتمثل في سيناريوهين فقط وامامها صعوبات كبيرة:ـ

اولهما، حكومة يتحالف فيها اليسار مع الطريق القويم والوطن الام والثاني ائتلاف يضم القوميين والطريق القويم والوطن الام وهما خياران يواجهان صعوبة كبيرة للاسباب التالية:ـ

- المصالح السياسية المتضاربة بين الاطراف الثلاثة

- تهم الفساد التي تحيط بمسعود يلماظ تجاه تعاونه مع المافيا التركية والتي سقطت حكومته على اثرها ووجوده الان في اي تحالف قد يسقط الحكومة من جديد مستقبلا.

- الرفض الشديد الذي يبديه يلماظ في قضية اعادة فتح المدارس الشرعية ومدارس تحفيظ القرآن الكريم وموضوع الحجاب لأن الحكومة التي ترأسها يلماظ نفسه هي التي اقرت اغلاق هذه المؤسسات!

- العداء والتنافس الشديد بين زعيمي حزب الطريق القويم والوطن الام تشيلر ويلماظ وهو ما يمنع الاستقرار في حكومة بائتلافهما ففي عام 96 فضلت تشيلر التحالف مع حزب الرفاه وتشكيل الحكومة معه بسبب الخلاف الشديد مع يلماظ رغم انه يحمل نفس الافكار العلمانية التي تحملها!

لقد ازدادت المعادلة السياسية صعوبة ويبدو انها تستعصي على الحل ويعود ذلك بشكل اساسي الى التدخل السافر للمؤسسة العسكرية في تحديد الملامح السياسية للبلاد ، فالموقف الذي يتخذه العسكريون من حزب الفضيلة منع تشكيل ائتلاف قابل للاستقرار بشكل افضل من اي ائتلاف اخر يضم القوميين والفضيلة والطريق القويم، ان الحل الوحيد لهذه الازمة هو ان يتخلى الجيش عن نهجه التسلطي والتمسك بالمعنى الحقيقي للديمقراطية ومبدأ تداول السلطة واحترام رغبات الشارع ، لأن هذا الحل الوحيد لخروج تركيا من مأزقها السياسي الذي ارهق اقتصاد تركيا الذي بلغ من السوء الى درجة كبيرة حيث ازدادت نسب البطالة بين الشباب بشكل متزايد.

ان الملاحظ للتركيبة البرلمانية التي تمخضت عنها انتخابات 99 يرى انها لا تختلف عن تركيا عام 95 ليس من جهة موازين القوى الحزبية -التي تغيرت كثيرا- ولكن من جهة كونها ما زالت مربكة ومرشحة لاستمرار الازمة وتكريسها والانتقال بها الى مدار جديد.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل