المرأة المطلقة في المجتمع الفلسطيني

 

العودة إلى صفحة الرسالة

المرأة المطلقة في المجتمع الفلسطيني: المجتمع لا يرحم.. والعادات تعمق النظرة السيئة

الطلاق لا يعني الفشل للمرأة او نهاية لحياتها!

"ليتني صبرت على نار واسى زوجي ولم ارجع الى جنة اهلي" اول عبارة تتردد على لسان اي امرأة مطلقة عندما تسأل عن اسباب طلاقها ولو كانت مظلومة عند زوجها ، فالطلاق وفق عادات المجتمع الفلسطيني وصمة عار تلاحق المرأة وترغمها على خوض العديد من التجارب الفاشلة رغما عنها وتتحمل وحدها مسئولية فشل زواجها وتحرم من كافة حقوقها التي كانت ممنوحة لها قبل الطلاق، وخاصة بعد تزايد اعداد الافراد المطلقين بنسبة كبيرة ليصل عددهم في عام 1997 الى 1996 فردا وفق احصائية دائرة الاحصاء المركزية الفلسطينية.

فما هي الاسباب الحقيقية التي ادت الى تكوين هذه الصورة السيئة للمرأة المطلقة؟ ولماذا للمرأة دون الرجل ؟ وما هي الاثار النفسية والاجتماعية التي تترتب عليها؟ للاجابة على هذه التساؤلات وغيرها التقت الرسالة بالعديد من المهتمين:ـ

تحقيق/ اعتدال قنيطة

*نار الزوج ولا جنة الاهل

المرأة الفلسطينية المطلقة ما زالت تعاني من مشاكل عديدة نتيجة نظرة المجتمع والاهل الدونية لها او نظرتها الى نفسها ، مما جعلها عرضة للعديد من الامراض النفسية التي نادرا ما تنجو منها مطلقة ، لو استطاعت ان تسطر نجاحا باهرا في كافة امور حياتها الاخرى ، فالصورة الذهنية السيئة لها تكمن في اذهان معظم شرائح المجتمع لها ، فالعديد منهن ابدين استياءهن مما يتعرض له من ايذاء نفسي وحرمان من كافة الحقوق التي كانت ممنوحة لها قبل زواجها، فذكرت لنا المواطنة (هداية) المأساة التي تواجهها بعد طلاقها والدموع لا تفارق عينيها "نار الزوج ولا جنة الاهل يا ليتني مت قبل ان اصبح في نظر المجتمع امرأة مطلقة ، فالمجتمع لا يرحم انوثتي ولم يراع حمم النار التي اكتويت بها عند زوجي ، لقد حاولت بكل الطرق ان احافظ على بيتي لكن لا فائدة ، فبالرغم من ان اهلي يعلمون حالتي واول من ساعدني على الطلاق، فهم كذلك اول من يسيء اليّ ، فكل امر لديهم ممنوع ، الخروج ممنوع ، اكمال تعليمي ممنوع ، فيجب عليّ ان ابقى حبيسة البيت بدون فائدة حتى اتزوج بآخر يذيقني باقي المأساة ، لانه من يتقدم لخطبتها سيكون حتما اسوأ من زوجها الاول بكافة المعايير.

اما المواطنة (س) فقد كانت اسوأ حظا من سابقتها فقد سبق لها وان مرت بتجربتين من الزواج الفاشل خارج حدود الوطن فتحدثت معنا عن تجربتها قائلة "يا ليتني لم ارجع الى غزة ، كان عندي امل ان اهل بلدي سيكونون ارحم بي من غيرهم فلم اكن اعرف شيئا عن العادات والتقاليد الفلسطينية تجاه المطلقة فقد تربيت في احدى الدول العربية وعاداتهم افضل بكثير ، فالمرأة المطلقة لديهم محفوطة كرامتها وحقوقها كاملة.

ففي غزة تحولت حياتي الى جحيم وجمالي زادها جحيما ، فكل نساء العائلة والجيران ينفرن مني ويكرهون زيارتي لهن، وحتى عندما خرجت الى وظيفتي لعلي اجد اناسا اكثر وعيا من اقاربي ، افاجأ بأنه حتى الطبقة المتعلمة تسيء اليّ بنظرتها، فأنا مطلقة وفاشلة في حياتي الزوجية. ان هذه النظرة السيئة لا تقتصر على المرأة المطلقة بل كذلك على البنت المطلقة بعد خطبتها.

ان الطلاق بمفرده كفيل على ان يذيق المرأة امراض نفسية متعددة فكيف اذا صاحبته نظرة المجتمع السيئة لها فذكرت عزة محيسن اخصائية نفسية في برنامج غزة للصحة النفسية ان الطلاق يمثل عند المرأة تجربة فاشلة فعادات وتقاليد المجتمع الشرقي تعتبر الزواج هو المصير الحتمي والنهائي للمرأة ، وفشلها فيه يترك اثارا نفسية سيئة عليها من احباط ، وعدم الثقة بالنفس ، والاكتئاب ، وفرض العزلة على نفسها، وفي بعض الحالات يزداد الامر سوءاً فتفكر في التخلص من ذاتها ، لانها فقدت الرغبة في الحياة.

ويصاحب هذه الامراض اعراض نفسية كثيرة مثل قلة النوم والمأكل ، ظهور سلوكيات جديدة في طبيعة علاقتها باسرتها ، حب العزلة والانفراد بنفسها لمحاسبتها وتعذيبها ، واكدت محيسن ان هذه الاثار تتفاوت في حجم اضرارها من امرأة الى اخرى تبعا لنوعية وحجم الدعم الذي تتلقاه من الاسرة، فالاسرة هي المسئولة الاولى عن زيادة هذه الاعراض والامراض او اخفائها ، ففي كثير من الحالات يزداد توجيه لوم الاهل لها ومحاسبتها حتى لو كانت هي المظلومة ، وهم من سعوا الى طلاقها.

فوجودها في البيت وخاصة اذا كانت لا تعمل يعني زيادة الاعباء للاسرة ، وينظر اليها على انها ستكون السبب في ضياع فرصة الزواج لباقي اخواتها ، لانها اعطت سمعة سيئة لبنات العائلة بالاضافة الى انتشار العديد من المشاكل الاجتماعية في البيت سواء كان بين زوجات الاخوة او بينها وبين والدتها وافراد الاسرة ، فهي في مقابل هذه النظرة تنظر اليهم انهم هم السبب الرئيس في وصولها الى الطلاق ، كما تحملهم مسئولية سوء اختيارهم ، فالمرأة المطلقة انسان ضعيف في حاجة ماسة الى مزيد من العطف والحنان لكي تستطيع ان تعيد ثقتها بنفسها.

ثم استكملت حديثها قائلة "لا شك ان نوعية الرعاية التي يقدمها الاهل لها بعد الطلاق ستختلف عن السابق سواء عندما كانت بنتا او متزوجة ، فالاهل جزء من المجتمع وهي ضحية له كذلك ، فيفكرون دائما في اقاويل الاخرين عليها ومراقبتهم لها فيضطرون الى فرض قائمة من الممنوعات عليها ومحاسبتها على جميع حركاتها وزيادة تدخلاتهم في جميع جوانب حياتها ، ويحملونها المسئولية الكاملة في فشلها مع زوجها وخاصة اذا كان من الاقارب وبدون رضى الاهل".

**المشكلة سوء التربية ام العادات؟

وحول اهم الاسباب الحقيقية لهذه النظرة السيئة ، قال الاستاذ المشارك محمود ابو دف رئيس قسم اصول التربية بالجامعة الاسلامية "وفق المنهج العلمي فإن اسباب الطلاق ترجع الى اختلاف معايير الزواج عند الناس ، والاسلام وضع معايير واضحة لكل من الذكر والانثى حتى يضمن تشكيل اسرة قوية ، واوصى الاباء بحسن اختيار الزوج الصالح صاحب الدين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذا اتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، الا تفعلوا تكن فتنة وفساد عريض" وحددها للرجل فقال صلى الله عليه وسلم "تنكح المرأة لاربعة ، مالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" .

والمعيار السائد في مجتمعنا الفلسطيني عند اختيار الزوجة الجمال الجسدي ، بالاضافة الى تدخل الاهل والاقارب في شئون الحياة الزوجية وغياب التربية الاسرية ، كنوع من التربية يتعلق باعداد الزوجين للحياة الزوجية الامنة ، وتفهم كل منهما لرسالته ، فليس المشكلة في الزواج المبكر، كما يدعي البعض لان السن العمري ليس مقياسا لاستمرار الحياة الزوجية ، وانما يتعلق الامر بالتربية المبكرة".

في حين خالفته الرأي نائلة الاغا -محاضر في قسم الاجتماع جامعة الازهر- التي اكدت ان الزواج المبكر سبب اساسي في زيادة عدد حالات الطلاق في المجتمع الفلسطيني، كما ان تركيبة المجتمع ونوع التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد كان لها دور اساس في زيادة سوء نظرتهم الى المرأة المطلقة ، فالبنت تربت ونشأت منذ صغرها على انها عنصر ضعيف يجب ان يتحمل كافة اخطاء غيره، فعندما تمر بتجربة زواج فاشلة فانها تتحمل مسئولية فشلها مع ان الرجل يشاطرها المسئولية ، فيؤدي الى ظهور سلوكيات سيئة لديها نتيجة شعورها بذلك الفشل ،بالاضافة الى ان المجتمع ينظر الى الزواج على انه مستر للبنت وحافظ عليها ، ويظهر ذلك جليا في كثرة ما يتردد على السنة النساء عندما تدعو لاي فتاة بقولها "ربنا ستر عليك".

وبين ابو دف ان منشأ هذه النظرة يعود لاسباب غير موضوعية نتيجة سوء تربية البنت على انها عنصر مسالم سلبي ، مع انه في الاصل ان ينظر الى ظاهرة الطلاق كظاهرة لها سلبياتها الاجتماعية على المجتمع وانه مفسدة له وان كان ابغض الحلال الى الله وليس الى ارتباطه بشخص بذاته.

**زوج ثان يعني مشكلة جديدة

وحول المشاكل الاجتماعية التي تترتب على سوء نظرة المجتمع الى المرأة المطلقة قالت محيسن "ان تفكير المرأة المستمر بحالتها ورغبتها الشديدة في التخلص من هذه النظرة يجعلها متهورة ولا تحسن في اتخاذ قرار حياتها الباقية ، فتوافق على اول زوج يتقدم لها ما دام لا توجد به عيوب زوجها الاول ، التي تبقى هاجسا مخيفا لها حتى اول اشهر زواجها الثاني، متجاهلة او متناسية العيوب الاخرى والامور الاساسية التي يجب ان تتوفر في زوجها مما يوقعها في مشكلة في اغلب الاحيان تكون اعمق من مشكلتها الاولى، والاهل يتركون لها حرية الاختيار حتى يتخلصوا من ذنبهم عندما اساءوا اختيار زوجها الاول، وبالتالي تتعرض الى فشل جديد ربما يكون اشد وقعا على نفسها من الزواج الاول.

واضافت الاغا ان المجتمع الفلسطيني مجتمع قبلي عشائري فهو شبه مغلق وكل فرد من افراده يعرف الاخر مما جعل فرصة زواجها بآخر امر عسير ، والرجال والاهل عادة يرفضون اقتران ابنهم الذي لم يسبق له الزواج بامرأة مطلقة ولو كانت مظلومة ، وبالتالي فإن من سيتقدم لخطبتها عادة لا تتوفر فيه ادنى ما تحتاجه في زوجها.

بينما اضاف ابو دف قائلا "صحيح ما ورد في السنة النبوية من حثه صلى الله عليه وسلم على الاقتران بالبكر دون الثيّب ولكن الاصل في ذات الدين ، وبالتالي ينظر الى المرأة كإنسان له حقوق وعليه واجبات يمكن ان يؤديها بنجاح ، المرأة احرص على استمرار حياتها الزوجية من الرجل والحفاظ عليها سواء لطبيعة تربيتها او لشدة خوفها من المجتمع الذي تعيش فيه وان تصبح مطلقة.

كما استنكر ابو دف الفكرة السائدة عند بعض الاسر ان الاسرة جميع بناتها التي طلقت ابنتها ، فاشلات في حياتهن الزوجية وسوف يتعرضن للطلاق مستقبلا لانه مرفوض تربويا، قائلا ان فكرة التعميم امر خاطيء ، فالاصل معرفة طريقة تربية البنت ومعرفة اسباب طلاقها ، فهي في العديد من الحالات تكون ضحية الزوج او الاهل ، مع عدم اغفال ان قليلا من العائلات تسييء تربية بناتهن ، وتجشعهن على الطلاق وبالتالي يمكن ان يتكرر الطلاق مع اكثر من بنت فيها.

**قادرة على تغيير الصورة

ولكن يبقى السؤال الذي يحتاج الى اجابة: كيف يمكن للمجتمع الفلسطيني ان يحسن صورته عن المرأة المطلقة؟ دعا ابو دف الى ضرورة مديد العون لها ومساعدتها على التخلص من مشاكلها النفسية واعادة ثقتها الى نفسها ، فالطلاق لا يعني نهاية حياتها والاهل مطالبون بذلك لأنها ضحية اما لسوء تربيتهم لها او لسوء اختيار زوجها ، وعليهم فتح مجالات اخرى امامها غير الزواج في البداية حتى تثبت للمجتمع نجاحها وتفوقها كما طالب النساء المطلقات بايجاد النماذج الحسنة فيهن للمجتمع فتغيير صورة المجتمع تحتاج الى نماذج قوية ومؤثرة.

كما طالبت محيسن بضرورة فتح مجالات التعليم مجانا امامها سواء في الجامعات او المدارس وبناء المراكز التعليمية الثقافية الانتاجية التي تضم المرأة المطلقة، ومساعدتها على توفير مصادر رزق لها بدلا من الاعتماد على تمويل الاسرة لها ليس فقط عبر زيادة مساعدات الشئون الاجتماعية والمؤسسات الخيرية ، يجب ان تنتج حتى تشعر بقيمة فائدتها للمجتمع.


جدول يوضح عدد حالات الزواج والطلاق في المجتمع الفلسطيني

عدد حالات الطلاق عدد حالات الزواج السنة
687 7232 1990
740 7635 1991
761 7276 1992
847 7696 1993
961 8346 1994
1239 8788 1995
1257 7396 1996



آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل