جولة خاتمي الخليجية واستراتيجيته الإنفتاحية

 

العودة إلى صفحة الرسالة

منذ مجييء الرئىس الايراني خاتمي الى قمة السلطة في ايران قبل قرابة اكثر من عام ظل شخصية مثيرة للجدل والاهتمام سواء داخل ايران او خارجها وذلك بحكم توجهاته السياسية البرجماتية والتي عبر عنها في اكثر من مناسبة على شكل رسائل موجهة بعض الدول والتي حاول خلالها ان يشير الى استعداده لمراجعة السياسات الايرانية ازاء القضايا محل الخلاف والبحث عن قواسم مشتركة جديدة للتعاون بين بلاده وتلك الدول .

لكن خاتمي ظل رغم ذلك محافظا على قدر من الغموض تارة والتردد او التراجع تارة اخرى في التعبير عن توجهاته السياسية الجديدة نظرا لحساسية القواعد الجماهيرية الثورية الخمينية ازاء هذه التوجهات وتحفظاته عليها وهو ما جعل تلك الدول تتعامل مع اشاراته بقدر كبير من البرود والتحفظ رغم ترحيبها بتلك التوجهات .

ويرى مراقبون ان محمد خاتمي انما يعبر عن تيار جديد داخل ايران والقيادات الدينية النافذة في الدولة يسعى الى اخراج ايران من عزلتها الاقليمية والدولية وتوثيق علاقاتها الخارجية وزيادة مجالات تعاونها مع الدول في المجالات المختلفة خاصة الاقتصادية والدبلوماسية والذي قاده الرئىس السابق رفسنجاني ، لكن هذا التيار لم يستطع ان يكشف عن كل اوراقه السياسية وخططه التغييرية ازاء مستقبل ايران في المنطقة وعلاقتها مع العالم الخارجي ومدى التزامها باهداف تصوير الثورة التي حددها مرشد الثورة الخميني في مطلع عقد الثمانينيات وهو ما جعل هذا التيار يتباطأ كثيرا في الخطوات التي يقدم عليها بل ويتراجع احيانا خاصة ازاء العلاقات مع الغرب وبعض العواصم العربية ، لكن هذا التيار حاول ان يجعل من وصول محمد خاتمي لقمة السلطة في ايران بما عرف عنه من قوة في الشخصية وحضور في مؤسسات الحكم بمثابة انطلاقة جديدة نحو انفتاح ايران على العالم الخارجي والمبادرة في اطلاق مبادرات حسن نية في اكثر من اتجاه وعاصمة كقضية حرية المرأة ومشاركتها السياسة التي تستهوي الغرب والعلاقات مع فرنسا والمانيا ..... الخ .

الا ان التيار الذي يطلق عليه تيار حراس الثورة او المحافظ او اليمين المتشدد الذي لازال صاحب النفوذ والتأثير القوي في عدد من قطاعات الحكم والسلطة كمنصب مرشد الثورة والحرس الثوري والمراجع الدينية ادرك مبكرا حقيقة نوايا التيار الانفتاحي الجديد الذي يقوده خاتمي والاهداف التي يريد تحقيقها خاصة ازاء إحداث تغيير جوهري على فلسفة الحكم وتوجهات واهداف الثورة الخمينية وعلاقاتها مع العالم الخارجي وهو ما اعتبره محاولة الانحراف عن الخط الخميني واعادة ربط لايران بالحضارة الغربية . من هنا حاول هذا التيار ان يفتعل المواجهات والازمات مع التيار الانفتاحي تارة عبر التصفيات الجسدية المباشرة وتارة عبر تصعيد الحملات والمواجهات مع انصار ومؤيدي جماعة مجاهدي خلق ، او تارة عبر فتح ملفات الفساد ، واحيانا عبر سياسة الاقصاء في محاولة لابعاد بعض القيادات العليا عن المناصب العليا والمؤثرة في الدولة مما دفع التيار الخاتمي والمسمى بالتيار الاصلاحي الى التراجع عن كثير من خططه وسياساته الخارجية بل والداخلية ومحاولة العمل على تعزيز تواجده داخل مؤسسات الدولة وفتح حوار داخلي مع التيار المحافظ حول ضرورة ادخال تغييرات جوهرية على اهداف س وتوجهات ايران الداخلية والخارجية .

ووفقا لما يراه بعض المراقبين للتطورات في ايران فان التيار الخاتمي او الاصلاحي رأى ان انفتاح ايران على الدول الاسلامية ومحاولة لعب دور ما في التأثير على سياساته هذه الدول وتحسين علاقاتها مع ايران من شأنه ان يلقى تفهما وقبولا لدى شريحة واسعة من التيار المحافظ في ايران ، ووجد هذا التيار ضالته في القمة الاخيرة للدول الاسلامية التي عقدت في ايران قبل قرابة عام حيث حاول خاتمي من خلالها ابراز مكانة واهمية ايران ازاء القضايا التي تهم الدول الاسلامية وطمأنة قادة هذه الدول على التوجهات الجديدة للحكم في ايران وتخليه عن سياسة تصدير الثورة كما حاول هذا التيار ان يستثمر عددا من الازمات والقضايا الساخنة في التعبير عن سياسانه الجديدة مثل قضية البوسنة والهرسك والعدوان الامريكي على الععراق وغيرها .

لكن تأثير وانعكاسات كل ذلك ظل محدودا بحكم عدة عوامل مؤثرة داخل ايران نفسها ابرزها توازن التجاذب بين التيار الاصلاحي بقيادة خاتمي والمحافظ بقيادة مرشد الثورة مما ساعد على استمرار الحالة القائمة والحيلولة دون ادخال تغييرات كبيرة على السياسة الايرانية .

وفي الاوانة الاخيرة شهدت المنطقة العديد من التطورات السياسية في المحيط الايراني الاقليمي والدولي مثلت تهديدا مباشرا للمصالح والامن الايراني ابرزها الوضع في افغانستان والصدع مع امريكا حول الامتيازات النفطية في اسيا الوسطى واستمرار الهجمات الجوية الامريكية على العراق والازمة التركية السورية والغطرسة الامريكية في السياسة الدولية وخروجها حتى على غطاء مجلس الامن والشرعية الدولية هذه وغيرها حركت مشاعر القلق لدى القيادة الايرانية ازاء المستقبل وهو ما جعل قادة التيار الاصلاحي يفكرون في استغلال هذه التطورات في اعادة ترتيب العلاقات الايرانية مع العالم الخارجي خاصة مع دول الخليج والعراق باعتبارهما شركاءها في الامن الاقليمي وفتح حوار داخلي مع التيار المحافظ بهدف تعزيز الجبهة الداخلية والتكتل حول رؤى مشتركة لمصالح ايران العليا في ظل تزايد الاخطار الخارجية خاصة العداء مع امريكيا والتصدعات في ادارة الازمات الدولية .

وفي هذا الاطار تيار محمد خاتمي الاصلاحي ادخال تغيير جوهري وشامل على علاقات ايران مع دول الخليج مستغلا التهديدات الامنية والحاجة الى تبديد التوتر الاقليمي بهدف عدم اعطاء الفرصة لامريكيا لممارسة غطرستها في المنطقة والتي قد تطال ايران وقطع الطريق على اية توترات مفتعلة في المنطقة خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الايرانية الخليجية .

وحتى تنجز ايران هدفها في تحسين العلاقات مع دول الخليج وتبريد التوترات في المنطقة لجأت الى الاستعانة بسوريا حليفتها في المنطقة ومعربة المصالح الايرانية حيث زار محمد خاتمي دمشق قبل ان يعلن عن جولته الخليجية الاخيرة وطلب الى الاسد تمهيد الاجواء الخليجية لاستقباله وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائىة رغم حالة الاحتقان الموجودة في العلاقات الايرانية الخليجية خاصة بسبب ملف الجزر الاماراتية المحتلة من قبل ايران وفي ظل تنامي القدرات العسكرية الايرانية وما يواكبها من طموحات ايرانية متصاعدة ببناء نظام امني اقليمي تلعب فيه دورا قياديا .

وفعلا لم تمض سوى فترة قصيرة حتى فتحت قنوات الاتصال الايرانية الخليجية رغم محاولة الامارات ربط اي علاقات مع ايران بموقفها من قضية الجزر الاماراتية المحتلة ، خاتمي حاول في جولته الخليجية ان يستهدف عاصمتين خليجيتين فقط هما السعودية وقطر باعتبار ان الاولى صاحبة الثقل الاهم في المنطقة والتأثير في السياسات النفطية والتي لا يمكن لايران استمرار خلافاتها معها والاخرى قطر الدولة الوحيدة ربما في منطقة ا لخليج التي ليس لها عداءات مع ايران على خلفيات دينية مذهبية والدولة التي تتمتع بقدر كبير من الجرأة في علاقاتها الخارجية ، هذه التوجهات الجديدة الايرانية مع المنطقة الخليجية يحاول من خلالها التيار الاصلاحي ان يضع اسسا جديدة للعلاقات الايرانية الاقليمية قائمة على حسن الجوار وتقاسم المصالح والادوار وتهيئة الظروف لقدر من التعاون يحول دون امكانية الاستعانة بالدول الخليجية في اية اعمال مستقبلية من شأنها الاضرار بامن ايران واستقراره على غرار ما هو حاصل في العراق الان .

هذه التوجهات الجديدة لخاتمي وتياره لم يجد التيار ا لمحافظ في ايران تبريرا لمعارضتها في ظل سياق التطورات المتصاعدة في المنطقة والتي تشكل تهديدا مباشرا لامن ايران في المستقبل .

من هنا فقد عمد التيار الانفتاحي الى استثمار الاخطار الامنية في المنطقة والصفة الاسلامية للعلاقات مع الدول الخليجية في اعطاء دفعة وانطلاقة جديدة لسياسة الانفتاح الايراني على العالم الخارجي بعيدا عن الشعارات التقليدية للثورة الايرانية ، ويأمل هذا التيار الاصلاحي في ايران ان تكون اعادة الحياة للعلاقات مع دول الخليج والحوار والتعاون معها مدخلا مناسبا لاقناع التيار المحافظ بضرورة التخلي عن السياسات الجامدة التي حكمت ايران طوال السنوات الماضية من عمر الثورة وفتح صفحة جديدة مع هذا التيار تساعد على انفتاح ايران خارجيا وزيادة تعاونها مع العالم الخارجي في ظل التغيرات الدولية السياسية والاقتصادية .



آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل