الهيمنة الأمريكية على العالم ، وسبيل الإنعتاق!!

نهاد الشيخ خليل

العودة إلى صفحة الرسالة


قبل انهيار الاتحاد السوفييتي -وفي اواسط الثمانينات- ساد رأي في الولايات المتحدة الامريكية ، بين عدد من المفكرين الاستراتيجيين ، مفاده ان الجانب العسكري سيستنزف الاقتصاد الامريكي خاصة في ظل تزايد المديونية وعجز ميزانية الولايات المتحدة في اواخر السبعينات. لكن بانهيار الاتحاد السوفييتي وتراجع الاقتصاد الياباني ، وعجز اوروبا امام الاقتصاد الامريكي ، اخذ الاختصاصيون يعيدون النظر في فرضياتهم ويعتبرون ان الولايات المتحدة خرجت من ازمتها واعادت لنفسها تأمين موقع عالمي مسيطر.

ورغم انهيار الاتحاد السوفييتي كقوة منافسة لامريكا، وكذلك رغم عدم وجود قوة اخرى تتحدى امريكا الا ان امريكا لا زالت تحتفظ بكل تحالفاتها العسكرية السابقة مثل حلف الناتو ، او المعاهدات العسكرية مع دول جنوب وشرق اسيا ، لكن الاكثر غرابة انه رغم وضوح رغبة الهيمنة لدى امريكا ، فإن هذا الامر لم يستفز القوى الاخرى لاقامة تحالفات مضادة ، او تجمعات لعلها تردع او تحد من نزعة الهيمنة لدى امريكا.

والاعجب من ذلك ان دولا مثل روسيا والصين وغيرها تتبارى لكي تخطب ود الولايات المتحدة الامريكية ، ولا يوجد من دول العالم من يحاول المجابهة الا بعض الدول العربية والاسلامية التي ترفض الهيمنة الامريكية مثل ايران والعراق وليبيا والسودان.

الولايات المتحدة يقظة في هذا المجال ، فهي تمنع وبكل الوسائل الضرورية قيام اي قوة تتحداها ، وذلك بتأليف وتأييد تحالفات اقليمية ضد اي متحد صاعد، ولاحكام سيطرتها على العالم لجأت الولايات المتحدة للسيطرة على البحار والمحيطات والفضاء والجو لتحقيق اهدافها.

وكذلك جعلت الولايات المتحدة من نفسها مركزا لعلاقات العالم السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية بإقامة علاقات قوية بعدد كبير من البلدان في العالم ، بحيث صارت لمعظم تلك البلدان فائدة من حسن علاقاتها بالولايات المتحدة تفوق ما يمكن ان تحصل عليه من خلال الصراع ضدها. وهذا جعل من الصعب على اي قوة في العالم ان تعقد تحالفات مضادة لامريكا.

وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي ، ركزت الولايات المتحدة على بناء قوة عسكرية تتيح لها القدرة على السيطرة على العالم ، واستندت الى القوة النووية والسيطرة على البحار ، وتوسيع سيطرتها على الجو والفضاء عن طريق انفاق مذهل على التسلح يبلغ 270 مليار دولار في السنة.

والاستراتيجية الامريكية في هذا المجال هي استراتيجية التورط العالمي او الهيمنة العالمية ، وغايتها ان تؤمن قدرة امريكا على السيطرة على جميع المسارب البحرية والجوية والفضائية عند الحاجة، ولتمكنها عقب انهيار الاتحاد السوفييتي من الفوز في حربين اقليميتين في آن معا (العراق والبلقان مثلا).

ولا تواجه الولايات المتحدة اي تحد جدي لسيادتها الا في العالم العربي والاسلامي ، وعلى الرغم من علاقاتها الوطيدة بالمغرب وتونس ومصر والسعودية ودول الخليج ، فإنه -وكما ورد آنفا- لازالت ايران والعراق وليبيا والسودان ، ترفض الخضوع للهيمنة الامريكية ، وهذا التحدي العربي والاسلامي له خطره الخاص على الولايات المتحدة لسببين:ـ

اولا: لانه قائم في منطقة توجد فيها اضخم الاحتياطات النفطية في العالم، وهذا مهم للسيطرة على الاقتصاد العالمي.

ثانيا: ان هذا التحدي قائم ضمن سياق تحد ايديولوجي ديني متماسك وله اصداؤه في ارجاء العالم الاسلامي ، فقد مثل هذا التحدي اكثر التحديات جدية للسيطرة الغربية الثقافية وغيرها السائدة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.

وعلى الرغم من ذلك يبقى الوضع العسكري على مستوى لم يسبق له مثيل ، فأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية تكون الولايات المتحدة مرتاحة لعدم وجود خطر رئيس منظور يهدد امنها وسيطرتها على العالم. لكن مقابل هذا التفوق العسكري الشامل والاطمئنان لعدم وجود خطر يهدد الامن الاستراتيجي للولايات المتحدة ، فإن خبراء الامن الامريكان يرون ان مصدر التهديد يكمن في امكانية عمل منعزل نووي او بيولوجي او كيميائي تقوم به دولة عدوة لامريكا ، او منظمة عالمية سرية.

وفي وجه هذا الخطر تعمل الولايات المتحدة على تقوية منظومات اقمارها الصناعية الخاصة بالمراقبة والتجسس ، وتحاول دحر البلدان التي لا تزال خارج نطاق نفوذها عبر استعمال وسائل الضغط الاقتصادي والسياسي والعسكري.

وفي اطار سياستها للهيمنة على العالم ، تسعى الولايات المتحدة لتأمين مصالحها في الشرق الاوسط وهذه المصالح تتمثل في :ـ

- محاربة ما تسميه الولايات المتحدة "الاصولية" ، سواء تجسدت في دول او في حركات سياسية ، لذا فهي تعمل على استمرار حصاد السودان ، ومحاولة ارباك ايران واحتوائها.

- الحفاظ على أمن اسرائيل ، ومحاربة ومحاصرة كل القوى التي تريد مقاومتها، ونعت هذه القوى بصفات الارهاب ، واجبار الدول العربية على محاصرتها وعدم تقديم العون لها.

- الحفاظ على الانظمة الصديقة للولايات المتحدة في المنطقة ، لكي تحمي البترول والاسواق والاستثمارات الغربية فيها.

ـ الحفاظ على تدفق البترول من الخليج بطريقة سهلة وميسرة وبأسعار رخيصة.

وباختصار ، فإن الاهداف التي تريد الولايات المتحدة تحقيقها في العالم عموما ، وفي الشرق الاوسط خصوصا ، والمصالح التي تريد الحفاظ عليها ، هي اهداف عدوانية ، ومصالح متناقضة مع ما فيه خير للامة العربية، فأمريكا لا تريد لهذه المنطقة الا ان تبقى مصدرا للمواد الخام، وسوقا لاستهلاك المنتجات الغربية، وبالتالي فهي تريدها تابعة ومستقرة ، وطالما ان هذه الامور متحققة فلا يهم الولايات المتحدة هل تحقق العدل في هذه المنطقة ام لا؟ لأن اساس سياستها وجوهر اهدافها وحقيقة مصالحها تتناقض مع العدل والخير.

واذا ما ارادت الامة العربية النهوض ، فلابد من التحرر من التبعية للولايات المتحدة الامريكية ، لكن التحرر لا يكون بالشعار ، وانما بالعمل على وقف الاستبداد الداخلي ، واطلاق الحريات، حتى يندحر الفساد من بلادنا وتنطلق الطاقات المبدعة في خدمة وطنها، ولا نملك عند الاجابة عن سؤال: متى هو؟! الا ان نقول : عسى ان يكن قريبا ، لكن الامر مرتبط بالارادة..

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل