قراءة تحليلية في نتائج الإنتخابات البرلمانية والبلدية التركية

 

العودة إلى صفحة الرسالة

تقرير / جواد ابو شمالة

منذ اكثر من سبعة عقود والصراع محتدم بين العلمانيين والاسلاميين في تركيا بدأ ذلك عام 1923 عندما اعلن مصطفى كمال اتاتورك عن قيام الجمهورية التركية والغاء الخلافة الاسلامية العثمانية التي مدت نفوذها حتى فينا عاصمة النمسا لاكثر من خمسة قرون ومنذ ذلك الحين قرر اتاتورك ان تحذو تركيا حذو الغرب متجاهلاً هوية وحضارة وثقافة تركيا الاسلامية فعمل على احلال القومية التركية محل العقيدة الاسلامية في بلد يدين 99% من سكانه بالاسلام ولكن ذلك لم ينجح بطمس الهوية الاسلامية لتركيا وبقي الاسلام حاضراً في نفوس الاتراك ، الاسلام الذي مكنهم من السيطرة على مساحات واسعة من العالم امتدت الى قارات افريقيا واوروبا وآسيا في الوقت الذي يلهث فيه النظام العلماني في تركيا الآن للانضمام الى الاتحاد الاوروبي !!

كان العام 1970 على موعد مع تشكيل اول حزب اسلامي سياسي بزعامة د. نجم الدين اربكان الذي خاض صراعاً مريراً مع المؤسسة العسكرية التي نصبت نفسها حامية للعلمانية في تركيا ، هذا الصراع الذي اضطره الى تغيير اسم حزبه عدة مرات بعد الانقلابات التي اجراها الجيش منذ العام 1960 فمن حزب النظام الوطني الذي اسسه اربكان عام 1970 الى حزب السلامة الوطني 1972 ثم حزب الرفاه الاسلامي عام 1983 وانتهى الامر بحزب الفضيلة الذي خاض الانتخابات النيابية والبلدية التي نحن بصددها الآن ، وان المتتبع للاحداث في تركيا على مدى العقود السبعة الماضية يرى ان الازمة في تركيا اكبر من كونها ازمة حكومية يرجى حلها بائتلاف مع هذا الحزب او ذاك ، انها ازمة هوية وصراع على الحضارة والثقافة لتركيا الحديثة .

ومن خلال قراءتنا لنتائج هذه الانتخابات نحاول ان نفهم دلالات هذه النتائج وما هي الخلفيات وراء الانزياح نحو القومية التركية واسباب التراجع لحزب الفضيلة الاسلامي في الانتخابات النيابية وتقدمه في الانتخابات البلدية .. وما هي السيناريوهات المحتملة للحكومة التركية القادمة .. وما هي العوامل التي ساهمت في احداث التحول في المجتمع التركي .. جميع هذه الاسئلة نحاول الاجابة عليها في السطور القادمة ...

اشارت النتائج التي افرزتها الانتخابات البرلمانية التركية الى تمكن خمسة احزاب فقط من دخول البرلمان وهي الاحزاب التي تمكنت من تعدي نسبة الحسم اللازمة لدخوله والبالغة 10% من اصوات الناخبين ، كما اشارت الى تقدم واضح للحركتين ذاتي التوجه القومي وهما حزب اليسار الديمقراطي والحركة القومية المتشددة واللتين حلتا في المرتبتين الاولى والثانية على التوالي وحلّ حزب الفضيلة ذو التوجه الاسلامي ثالثاً وتعرض الاحزاب اليمينية العلمانية المركزية الى ما يشبه الانهيار حيث حل حزب الوطن الام وحزب الطريق القويم ، واللذان حكما تركيا غالبية سنواتها السبعين الاخيرة ، في المركزين الرابع والخامس .

اما في الانتخابات البلدية فكانت مغايرة تماماً خاصة فيما يتعلق بحزب الفضيلة الاسلامي الذي حصل على المركز الاول بين الاحزاب التركية من حيث عدد المقاعد البلدية التي حصل عليها والاهمية النوعية للبلديات التي سيطر عليها وابرز هذه البلديات بلدية انقرة العاصمة السياسية لتركيا وبلدية اسطنبول العاصمة الاقتصادية لها وهما المدينتان الاكبر في تركيا على الاطلاق ، كما تمكن "الفضيلة" من الفوز بنصف بلديات ضواحي مدينة اسطنبول بالاضافة الى عدد من البلديات الكبرى والهامة مثل مدينة "قونية" الشهيرة . هذا التقدم الواضح لحزب الفضيلة في البلديات على غير ما حدث في الانتخابات البرلمانية له دلالات سياسية سنقوم بالتعريج عليها في السطور القادمة ، اما المركز الثاني في البلديات فقد فاز به حزب اليسار الديمقراطي وبفارق 4% من الاصوات عن حزب الفضيلة وحلّ حزب الوطن الام ثالثاً بنسبة 16% .

** اعتقال اوجلان رفع من اسهم اجاويد

يتزعم بولاند اجاويد الحزب اليساري الديمقراطي وهو رجل سياسي مخضرم في السياسة التركية حيث سبق وان شكل ثلاث حكومات ائتلافية بين عامي 1961 ، 1974، وفي العام 1999 شكل آخر حكومة تركية من حزبه فقط كحكومة اقلية وذلك بعد الصراعات المريرة بين الاحزاب العلمانية من جهة ورفض الجيش لتولي الاسلاميين السلطة من جهة اخرى رغم كونهم في المرتبة الاولى من حيث عدد المقاعد في البرلمان الامر الذي يعطيهم الحق بتشكيل الحكومة ! وكان حزب اليسار قد حل رابعاً في الانتخابات السابقة التي جرت عام 1995 وحصل على (61) مقعداً فقط ولكن في هذه الانتخابات قفز قفزة نوعية بحصوله على المرتبة الاولى وعلى نسبة تقارب الـ22% من اصوات الناخبين وحوالي 135 مقعدا من مقاعد البرلمان الـ 550 فماهي اسباب هذا التقدم الواضح ؟

1ـ ليس من الوارد ان يكون البرنامج الانتخابي لهذا الحزب قد حمل افكاراً تميزت عن الاحزاب الاخرى قفزت به الى سدة الحكم ولكن في الواقع ان احداثاً هامة قد جرت ابان فترة حكومة اجاويد اليسارية التي استمرت لاشهر قليلة ساهمت برفع اسهمه في الانتخابات واهم هذه الاحداث هي الضربة القاسية التي وجهها اجاويد للاكراد من خلال اعتقال زعيمهم الكردي الثائر عبد الله اوجلان والذي سبب حزبه في مقتل آلاف الاتراك في الصراع الدائر بين الاكراد والاتراك والهادف الى استقلال الاكراد عن تركيا .

2ـ الافكار المعتدلة التي اجراها اجاويد على سياسته في الفترة الاخيرة والتي تميل الى البعد القومي العلماني وهما صفتان مرغوبتان لدى الجيش التركي الذي يلعب دوراً كبيراً في تحديد السياسة التركية .

3ـ الاحداث الجارية في كوسوفو حيث يذبح المسلمون هناك لاسباب تاريخية مرتبطة بشكل وثيق بالتاريخ التركي حيث ان شعب كوسوفو المسلم يدفع الآن ثمن المعركة التاريخية التي جرت فيها عام 1389 بين السلطان التركي "مراد الاول" و"لازار" الزعيم الصربي والتي انتهت بمقتل الزعيم الصربي واستشهاد السلطان مراد الاول وانتصار المسلمين العثمانيين في نهاية الامر وهو ما حدا بحكومة اجاويد لفتح باب تركيا للمهاجرين الكوسوفيين لايوائهم حتى انتهاء الازمة والعودة الى ديارهم وهو ما لاقى استحساناً لدى الشارع التركي .

4ـ الجيش التركي رأى ان اجاويد هو البديل الافضل في هذه المرحلة وانه رجل الوضع القائم بسبب الصراعات الحادة التي يعاني منها الحزبان اليمينيان العلمانيان فضلاً عن الفساد الذي استشرى فيهما وهو -أي الجيش- بالطبع لا يرى في حزب الفضيلة بديلاً مناسباً بل انه يسعى الى حله مثلما فعل مع "الرفاه" الاسلامي العام الماضي وبالتالي في ظل هذا الوضع سيكون اجاويد الاقدر - حسب وجهة نظر الجيش- على تشكيل ائتلاف حكومي يجمع الاحزاب العلمانية معاً ولتحقيق هذا الهدف نفذ الجيش خطة من محورين هدفها رفع اسهم اجاويد وتسويق حزبه في الانتخابات وهذان المحوران هما :ـ

* لم يدل الجيش بأي رأي في قضية اوجلان على غير عادته بالتدخل في كافة شئون الدولة وحصر هذه القضية في اطار الحكومة التي يرأسها اجاويد وتصويره على انه بطل هذه القضية حيث ان اجاويد يرفض منح الاكراد اية حقوق من اي نوع فضلاً عن معاداته الشديدة للاسلاميين .

* قام القضاء التركي الذي يعتبر السلاح الماضي للجيش بتحديد العاشر من ابريل -اي قبل اسبوع واحد من موعد الانتخابات- موعداً لمحاكمة اوجلان زعيم الاكراد في تركيا مما ساهم في تأجيج المشاعر القومية التركية وربط هذا الانتصار "القومي" برمز اجاويد مما يساعده انتخابياً .

** ازدياد شعبية "الفضيلة" رغم تراجعه بعدد مقاعد البرلمان

حزب الفضيلة الاسلامي ورث الحياة السياسية عن حزب الرفاه الاسلامي بعد حظره من قبل السلطات التركية حيث انضم اليه نواب الرفاه مباشرة وعددهم 144 نائباً وفي هذه الانتخابات حقق حزب الفضيلة ازدياداً في شعبيته على مستوى الانتخابات البلدية فيما سجل تراجعاً واضحاً في الانتخابات البرلمانية ويمكن ارجاع ذلك الى ما يلي :ـ

1ـ لقد شاهد التيار الاسلامي التجربة التي عاشها حزب الرفاه عندما تسلم الحكم لاول مرة في تاريخ تركيا الحديثة حيث عمل العسكر على مضايقة الحزب وزعيمه اربكان حتى انتهى الامر باسقاط حكومته وحظر حزب الرفاه ومنع اربكان من مزاولة العمل السياسي لمدة خمس سنوات مع مجموعة قيادية اخرى من الرفاه بحجة انه يهدد اركان علمانية الدولة .

2ـ تعرض حزب الفضيلة قبيل الانتخابات الى تهديدات ودعوات بحله ومنعه من العمل السياسي بحجة انه شبيه "الرفاه" فضلاً عن التصريحات التي ادلى بها جنرالات الجيش والتي قالت ان تركيا العلمانية لن تسمح لحزب الفضيلة بالدخول في اي تشكيل حكومي قادم على غرار ما حدث مع حزب الرفاه .

3ـ هذه التصريحات القت بظلال من الخوف لدى الاتراك -خصوصاً انصار التيار الاسلامي- اوصلهم الى قناعة مفادها ان التصويت لحزب الفضيلة لن يؤدي الى نتيجة ايجابية بل على العكس سيعقد الامور السياسية ويعيد البلاد الى حالة من عدم الاستقرار التي عاشتها طوال السنوات الاربع الماضية التي حكمت فيها البلاد اربع حكومات تزعمها التيار الاسلامي تارة والعلماني تارة اخرى واليساري ثالثة ، ومن الطبيعي ان يسعى المواطن -اي مواطن- الى تحقيق الاستقرار الذي يؤمن له امنه الشخصي والاقتصادي والسياسي (الحرية الشخصية) وهو ما دفع قسماً كبيراً الى الابتعاد عن التصويت لحزب الفضيلة في الانتخابات البرلمانية لضمان الاستقرار الذي يرجوه ايضاً رجال الاعمال والاقتصاديون .

4ـ القمع الذي تعرض له "الفضيلة" خصوصاً في معارك الحجاب والمدارس الدينية والملاحقات القضائية التي اثرت على برامج الحزب الانتخابية .

5ـ هناك سبب مهم اثر بشكل كبير على برامج حزب الفضيلة السياسية الا وهو غياب او تغييب بعض الرموز والقيادات الاسلامية التاريخية الهامة لا سيما د. نجم الدين اربكان الذي ابعد عن العمل السياسي لخمس سنوات وهو شخصية تاريخية ذات خبرة طويلة في العمل السياسي امتدت لاكثر من ثلاثين عاماً تمكن خلالها من السير بين الاشواك بأقل الاضرار .

6ـ من الواضح ان القسم الذي احجم عن التصويت لـ"الفضيلة" في المعركة النيابية قد افرغ اصواته في صناديق الحزب القومي التركي متأثراً بالموجة القومية التي اجتاحت تركيا مؤخراً من جهة والاشارات الاسلامية التي اطلقها الحزب في دعايته الانتخابية حيث تمكن فيها من ادخال سيدة محجبة تحت قبة البرلمان التركي .

7ـ تعمد الجيش تسريب اشاعات مفادها ان تعاوناً نشأ بين الزعيم الكردي "اوجلان" ونجم الدين اربكان وهو ما ادى الى سخط كبير من الرأي العام المعادي للاكراد .

**"الفضيلة" في صدارة الانتخابات البلدية

ولكن التقدم الكبير الذي احرزه حزب الفضيلة في الانتخابات البلدية حيث حصل على المركز الاول بين الاحزاب التركية وبفارق واضح عن منافسيه ومتقدم على نتائج الانتخابات البلدية التي اجريت عام 1994 وخصوصاً في البلديات الكبرى مثل انقرة واسطنبول وقونية واكثر من نصف بلديات ضواحي اسطنبول التي يعيش نصفها الغربي في القسم الاوروبي من المدينة .

هذه المفارقة في النتائج بين الانتخابات النيابية والبلدية تدل على ان انصار التيار الاسلامي قد فهموا اللعبة السياسية او خضعوا لها او الامرين معاً ، فاحجموا عن التصويت بكثافة للحزب الاسلامي برلمانياً لانه لا طائل من ذلك في ضوء ما جرى سابقاً وما يمكن ان يجري مستقبلاً ولكنه قال كلمته في الانتخابات البلدية حيث جدد ثقته في المواقع التي فاز بها سابقاًً وفاز بمواقع جديدة اخرى وهو ما يعني في المحصلة ان شعبية التيار الاسلامي قد ازدادت على عكس ما يُروّح في وسائل الاعلام المختلفة .

** الموجة القومية تجتاح تركيا

كان من اكثر المفاجآت التي افرزتها الانتخابات النيابية على غير كل التوقعات هو الصعود المفاجئ للحزب القومي التركي بحصوله على المركز الثاني بنسبة لا تقل عن 18% من الاصوات وعدد لا يقل عن (128) من المقاعد في الوقت الذي لم يتعد فيه نسبة الحسم في الانتخابات السابقة 1995 وهي 10% ولم يكن له اي مقعد في البرلمان حيث حصل وقتها على 8.5% من الاصوات ، ويتزعم هذا الحزب دولت باغلي وهو حزب قومي له بعض الميول الاسلامية ويمكن ارجاع النصر الذي حققه الى ما يلي :ـ

1ـ تنامي وتأجج الشعور القومي التركي خصوصاً عقب الضربة التي وجهها الاتراك للاكراد باعتقال زعيمهم عبدالله اوجلان الذي ينتمي الى قومية كردية ترغب في الاستقلال عن تركيا .

2ـ الرفض المستمر للاتحاد الاوروبي بضم تركيا اليه اثار حفيظة الاتراك الذين يتعصبون لقوميتهم فاعلنوها بكل قوة "لا للهوية الغربية الاوروبية ، نعم للهوية التركية وحضارتها " فكان بمثابة طلاق من انصار التغريب باتجاه التتريك .

3ـ لعبت قضية قبرص دوراً مهماً في تأجيج المشاعر القومية حيث صدر مؤخراً عن واشنطن بعض الاشارات حول امكانية حل المشكلة القبرصية وهو ما يرفضه الشعب التركي الذي يتمسك بابقاء قبرص تحت السيادة التركية ، فهي -اي قبرص- المستعمرة الوحيدة الباقية والتي تذكرهم بأمجاد الامبراطورية العثمانية التي استمرت لاكثر من خمسة قرون .

4ـ حصوله على قسم كبير من اصوات التيار الاسلامي للاسباب التي ذكرناها آنفاً .

5ـ مأساة مهجري كوسوفو المسلمين اثارت الحنين القومي التاريخي للاتراك الذين كانوا يوماً يحكمون سيطرتهم على النصف الشرقي من اوروبا بما فيها "كوسوفو" التي شهدت معركة تاريخية بين الصرب والاتراك .

** انهيار اليمين العلماني

اما بخصوص الانهيار الذي حلّ بالاحزاب العلمانية اليمينية وخاصة حزب الطريق القويم الذي تتزعمه تانسو تشيلر وحزب الوطن الام الذي يتزعمه مسعود يلماظ حيث هبط الاول من 19.2% من الاصوات في الانتخابات السابقة الى 12.4% حالياً ، بينما هبط الثاني من 19.7% الى 13.4% وخسر كل واحد منهما حوالي 46 مقعداً في البرلمان ويعود ذلك الى الصراعات الحادة بين الحزبين وزعيميهما اضافة الى تهم الفساد الموجهة لهما حيث اتهمت تشيلر بالرشوة وكسب اموال غير مشروعة واتهم يلماظ بعلاقته مع المافيا حتى اصبح يسمى مسعود المافيا ، كما ان تحالف تشيلر مع التيار الاسلامي عام 1996 وتمكينهم من تشكيل اول حكومة اسلامية -وهي التي كانت تصفهم بقوى الظلام الذين يجب محاربتهم- اثار الاوساط العلمانية في البلاد واصبحوا على قناعة انها مستعدة لفعل اي شيء للوصول الى الحكم بما في ذلك التحالف مجدداً مع الاسلاميين .

** سناريوهات الائتلاف الحكومي القادم ومصير التيار الاسلامي

بعد حصول حزب اليسار الديمقراطي على المرتبة الاولى فإنه لا يتوقع تشكيل ائتلاف يضم الاسلاميين وذلك بسبب العداء الشديد الذي يجمع اليسار الديمقراطي والجيش ضد التيار الاسلامي وبالتالي فإن السيناريوهات المتوقعة كالتالي : اولها حكومة ائتلافية تضم اليسار الديمقراطي والحزب القومي المتشدد على الرغم من خلا فاتهما التاريخية التي تعود الى السبعينات والتي اسفرت عن مقتل الآلاف من الجانبين انتهت بانقلاب عام 1980 .

ولكن كل شيء في السياسة وارد ولا يوجد خطوط حمراء وثاني هذه السيناريوهات المحتملة هو حكومة ائتلافية تضم اليسار الديمقراطي بزعامة اجاويد وحزبي الوطن الام والطريق القويم اللذين سيرضخان للضغوط خاصة في ظل الانهيار المفاجئ الحاصل لهما .

ولكن اذا نجح هذا الائتلاف او ذاك باقصاء التيار الاسلامي عن الحكم فلن يكون بمقدوره اقصاؤه عن الساحة السياسية وذلك لاسباب عديدة نذكر منها : ـ

* تنامي المشاعر الدينية لدى الاتراك .

* قوة حضور الحركة الاسلامية في المجتمع التركي ومؤسساته المدنية والكم الهائل من الشعب الذي يقع تحت تأثير المؤسسات التابعة لحزب الفضيلة مثل البلديات ومئات المدارس الخاصة والرسمية وعشرات محطات الاذاعة والتلفزيون وآلاف الصحف والمجلات ودور النشر وعدد كبير من المؤسسات المالية التي تدير ملايين الدولارات وآلاف الشركات والمجمعات السكنية خاصة الطلابية منها وآلاف المؤسسات الوقفية وعشرات الآلاف من الموظفين والعاملين والمئات الذين يتمتعون بصفة محافظ او نائب محافظ او قائم مقام وسيطرة شبه كاملة على (72) جامعة تركية وغير ذلك من مظاهر التغلغل في المجتمع التركي . والمؤسسة العسكرسة لا تألو جهداً في الحد من النفوذ الاسلامي وانتشاره بين الناس عن طريق محاربته بشتى السبل السياسية والقانونية وملاحقة الصحف وعزل الشركات الاقتصادية الاسلامية وتجميد اموال بعضها وغير ذلك من الانشطة المضادة .

* الاستراتيجية التي تعتمدها الحركة الاسلامية تسمح بالتعايش والمشاركة مع اي قوى سياسية لا تعارض الدين الاسلامي والهوية الاسلامية مع امكانية التعامل مع القوانين التركية بشكل او بآخر .

** الازمة السياسية مرشحة للاستمرار

ولو عدنا الى النتائج الاخيرة ، هل ستؤدي الى الاستقرار السياسي في تركيا ، لا اعتقد ذلك فالازمة السياسية التي تعيشها تركيا منذ عام 1995 مرشحة للاستمرار وفق صيغتها التقليدية بزواياها الثلاث "الاحزاب العلمانية ، التيار الاسلامي ، المؤسسة العسكرية" وربما يتساءل البعض: لماذا لا يلجأ العسكر الى حسم الامور والظهور في المسرح السياسي واسدال الستار على لعبة الاستقطابات الحزبية التي تهدد مستقبل النظام العلماني ؟ نرد على ذلك بأن هذا الامر مرتبط بموقف الدول الغربية التي ترفض تدخل العسكر في الحياة السياسية كما فعلوا عدة مرات في السابق اعوام 60 ،71 ، 80 /19ويتخذون من ذلك ذريعة للاستمرار في معارضة الحلم التركي بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي .

** التحولات في المجتمع التركي في ضوء نتائج الانتخابات الاخيرة

لقد لعبت العديد من العوامل -بنسب متفاوتة- دوراً كبيراً وهاماً في احداث هذا الانقلاب في تصورات المجتمع التركي للمستقبل الذي يجب ان تسلكه البلاد وهذه العوامل هي القضيةالكردية واعتقال اوجلان والسأم من رفض الاتحاد الاوروبي انضمام تركيا اليه وقضية مهجري كوسوفو اضافة الى عامل قبرص ، جميع هذه العوامل ساهمت في احداث الانزياح المفاجئ الى التيار القومي متمثلاً بحزبي اليسار الديمقراطي والقومي حيث فازا بحوالي نصف مقاعد البرلمان الحالي ، هذا الانزياح نحو القومية سيخلق اضطرابا كبيرا في النظام السياسي التركي ، فالشارع قال كلمة لا "لاوروبا" وهو ما يعني انه سيميل الآن الى نوع من التقارب مع الشرق العربي والاسلامي سياسياً واقتصادياً ، هذا التقارب الذي -ان حصل- سيساهم بشكل كبير في تنامي التيار الاسلامي التركي مستقبلاً لان برنامج هذا التيار يتناغم مع هذا الاتجاه "نحو الشرق" .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل