على أبواب الإنتخابات الإسرائيلية

 

العودة إلى صفحة الرسالة


على ابواب الانتخابات الاسرائيلية

الدولة العبرية تمر في مرحلة انتقالية خطيرة والفلسطينيون كبش الفداء

نابلس- مها عبد الهادي

في مقال نشرته صحيفة يديعوت احرونوت منتصف شهر نيسان الجاري اتهم الكاتب الاسرائيلي عاموس عوز رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو بأنه يهبط بالنقاش الدائر في اسرائيل حول مسائل مصيرية الى الدرك الاسفل عندما يحاول الايحاء بأنه "جيد لليهود" وان منافسه في انتخابات رئاسة الحكومة ايهود براك رئيس حزب العمل "جيد للعرب".

وقال عوز ان نتنياهو يدخل الى النقاش معادلة رخيصة عندما يعتبر ان انصاره حريصون على مصالح اسرائيل فيما يتهم اليسار بأنه يحلم "كيف يرضي العرب" وذلك في رده على ادعاء نتنياهو القائل بأن الرئيس ياسر عرفات ينتظر فوز براك فيما يصلي الشيخ احمد ياسين واعضاء حماس كي يفوز نتنياهو لان فوز براك حسب قوله "يعني التقدم نحو الحل الوسط الذي يمنح الاسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء ارضا ووطنا واعترافا متبادلا وشرعية سلام".

هذه الكلمات التي كتبها عوز تعبر عن حقيقة التغيرات التي تشهدها الساحة الحزبية الاسرائيلية ، ورغم ان هذه التغيرات ليست بجديدة لكن حجمها وطبيعتها هي ما يلفت النظر. وهذه التغيرات ونوعيتها ناجمة برأي المراقبين السياسيين من القلق السياسي الذي يعيشه المجتمع الاسرائيلي ، كما انها انعكاس للسياسة التي انتهجها بنيامين نتنياهو منذ وصوله الى الحكم.

وهذا الحال ازداد استفحالا مع الحملة الانتخابية الاسرائيلية الجديدة حيث يعكس اللوحة الحقيقة لهذه الانتخابات عمق الازمة التي تعيشها الدولة العبرية ومدى التمزق الذي اصاب الجسد السياسي الاسرائيلي.

فخلال فترة لا تتعدى اشهر شهدت الساحة السياسية في اسرائيل توالدا غير مألوف في عدد الاحزاب الايديولوجية والسياسية حيث وصل عدد الاحزاب الاسرائيلية التي ستخوض انتخابات الكنيست القادمة الى رقم قياسي لم تشهد له اسرائيل مثيلا في تاريخها اذ يخوض هذه الانتخابات 33 حزبا في الوقت الذي خاض فيه 20 حزبا انتخابات الكنيست الماضية في العام 1996.

ويعتبر المحللون السياسيون في الدولة العبرية ان السمة التي تميز الانتخابات الراهنة في اسرائيل هي العنف والانقسام. ويضيفون انه بعد خمسين عاما على تأسيس الدولة العبرية كل شيء فيها بدأ ينزلق نحو الانفجار وكأن الذي يشكل تنوعها الاستثنائي يلعب ضدها : سفارديم ضد اشكناز ، يمين ضد يسار ، علمانيون ضد متدينون ، ومواطنون ضد مهاجرين.

وكما يقولون فإن النزاعات التي عبرت المجتمع الاسرائيلي دائما لم تصل الى هذه الدرجة من الحدة. فعلى سبيل المثال قوبل اول ظهور انتخابي لمرشح الوسط امنون شاحاك في سوق شعبي بتل ابيب بمظاهرات للمعارضين الذين هددوه بالموت وقذفوه بالبندورة لانه تجرأ وداس بقدمه ارضا تعتبر مملكة لحزب الليكود وزعيمه نتنياهو.

ورغم ارتفاع الاصوات الاسرائيلية المحذرة من هذه الانزلاقات الخطيرة لكن الاحداث الاخيرة التي تبعت الحدث الاول وابرزها قيام ثلاثين من انصار حزب الليكود بمنع خصوم نتنياهو من المشاركة بالحديث في برنامج تلفزيوني تؤكد ان الظاهرة تزداد.

وربما ان ذات السبب هو الذي دفع باسحق مردخاي ورئيس حزب الوسط خلال المناظرة التلفزيونية التي واجه فيها رئيس الحكومة الاسرائيلي الحالي نتنياهو في الثالث عشر من شهر نيسان الحالي الى كشف العديد من خطط نتنياهو المرسومة ضد الفلسطينيين وذلك بعد ان تحولت المناظرة الانتخابية بينهما لتبادل الاساءات الشخصية.

وربما ان المخططات الاسرائيلية تلك كانت ستبقى في طي الكتمان لولا محاولة كلا المرشحين نتنياهو ومردخاي تسجيل المزيد من النقاط لصالحه في وقت تشتد فيه حمى الدعاية الانتخابية، وما يهمنا كفلسطينيين من هذه المعركة الانتخابية هو موقع الفلسطينيين في هذه الانتخابات ، وفي برامج هذه الاحزاب المتنافسة. وما تنشره الصحف الاسرائيلية وما يتردد من تصريحات على لسان كبار المسئولين هو في غاية الخطورة.

ومما اوردته وسائل الاعلام الاسرائيلية من خطط اعدها نتنياهو للقيام بمغامرات في الاراضي اللبنانية والفلسطينية تكشف نيته القيام بمعاونة ارئيل شارون بعمليات عسكرية في الاراضي الفلسطينية منها احتلال مدينة نابلس واقتحام سجن اريحا التابع للسلطة الفلسطينية وقتل اعضاء حماس المحجوزين فيه اضافة الى عرض نتنياهو فكرة ارسال طائرات مروحية عسكرية من طراز اباتشي لقصف تجمعات لحركة حماس في قطاع غزة.

**لا فروق

وقد بات من الواضح انه كلما اقترب موعد الانتخابات ازدادت حمى المزايدات الانتخابية على حساب القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات الاسرائيلية العربية لدرجة ان الفوارق بين الاحزاب الرئيسة تكاد تختفي تحت وطأة الصراع على الاصوات العائمة التي تنتمي الى الجانب اليميني في الخارطة السياسية في اسرائيل.

وهذا الامر اكدته ذات المناظرة بين نتنياهو ورئيس حزب الوسط مردخاي فالخلافات بينهما لم تكن ابدا حول المسائل الجوهرية التي تتعلق بالفلسطينيين والعرب. فمن ناحيته فشل مردخاي الذي حاول الظهور بمظهر المتميز سياسيا في اظهار اي خط سياسي بديل وحقيقي لخط الليكود والحكومة الحالية.

والموقف الذي ادلت به الشخصيات حول القضايا التي كانت موضع سؤال كان متطابقا الى حد بعيد ، فقد اتفق الاثنان على ضرورة تعزيز الاستيطان وتوسيع المستوطنات القائمة على اعتبار ان هذه السياسة تحتل اولوية خاصة لديهما ، فمثلا : ردا على سؤال عن طبيعة الرد الاسرائيلي على اعلان السلطة الفلسطينية قيام الدولة من طرف واحد اوضح نتنياهو ان رد الحكومة سيكون قاسيا بما في ذلك التفكير الجدي في تطبيق القانون الاسرائيلي في المناطق التي تخضع للسيطرة الاسرائيلية في الضفة وغزة اي ضم هذه المناطق الى دولة اسرائيل ، بينما اكد مردخاي وجود خطط محددة لدى المؤسسة الامنية الاسرائيلية بمعنى انه يؤيد بوضوح موقف نتنياهو من المسألة.

وفيما يتعلق بموضوع التسوية ورغم ان حزب الوسط يؤيد تسوية دائمة مع السلطة الفلسطينية حتى لو ادى ذلك الى قيام دولة فلسطينية في حين يرفضها نتنياهو وحزب الليكود ، لكن الاشتراطات التي يضعها حزب الوسط على الدولة المحتملة لا تبتعد كثيرا عن موقف الليكود والذي لا يختلف كثيرا كذلك عن موقف حزب العمل.

فايهود براك لا يبدو بعيدا عن المعادلة التنافسية الانتخابية، فخلال الاسابيع القليلة الماضية اكدت تصريحات باراك انه يعمل بما في وسعه للاثبات لجمهور الوسط واليمين انه ليس يساريا وان مواقفه من المسائل التي تهم المواطنين اليهود ليس اقل صلابة من مواقف نظرائه الاخرين وخاصة نتنياهو ، حتى ان المراقبين اعتبروا ان زيارته لبلدية القدس واستقبال رئيس البلدية الليكودي المتطرف ايهود اولمرت هو بمثابة سحب البساط من تحت اقدام نتنياهو الذي يريد التركيز على نية حزب العمل وايهود براك تقسيم القدس.

وكذلك فإن التصريحات التي اطلقها ايهود براك خلال جولته في المدينة المقدسة لم تختلف عن اية تصريحات وبيانات يمكنها ان تصدر عن اي مرشح يميني متطرف.،

والادهى من ذلك ان براك وبهدف ارضاء الناخبين اليمينيين اعلن نيته عرض اي اتفاق يحصل مع الجانب الفلسطيني للاستفتاء الشعبي كشرط لتطبيقه وهذا الموقف هو شبيه بالموقف الذي سبق واتخذه اسحق رابين في موضوع التسوية حول الجولان ، وهذه الخطوة من شأنها ان تضعف حملة الليكود حول اعتزام حزب العمل بزعامة باراك تقديم تنازلات للفلسطينيين والعرب الامر الذي جعل المراقب يضع الكثير من علامات الاستفهام حول مستقبل المفاوضات العربية الاسرائيلية في حال تزعم حزب العمل الحكومة المقبلة طالما ان البرامج المطروحة من قبله لا توفر اي ضمان لتطبيق اي اتفاق في حال حصوله مع الجانب الفلسطيني لان اعطاءه اشارة المرور سيكون مرهونا بالاستفتاء الشعبي وهو ما يعني زيادة التشدد في الموقف الاسرائيلي وزيادة التطرف لدى الاحزاب الاسرائيلية المحتلة للخارطة السياسية الراهنة التي تتسابق جميعا لعرض برامجها الانتخابية المناوئة للحقوق الفلسطينية.

القدس ... تعبئة انتخابية

خلال حملته الانتخابية السابقة نجح نتنياهو بتحويل مشاعر الناخبين حول عملية السلام الى قضية رئيسية وهاجم شمعون بيرس بعباراته السلبية مثل قوله :" سيقوم بيرس بتجزئة القدس " وخلال حملته الانتخابية الحالية يحاول نتنياهو استخدام نفس المعادلة وهي تصوير باراك على انه غير قادر على مواجهة الفلسطينيين ، وانه على استعداد للمساومة على القدس التي تشكل بالنسبة للناخبين الاسرائيليين قضية جوهرية كبرى وحساسة ، ولذلك فقد عادت الحكومة من جديد الى التأكيد على الموقف المتطرف من القدس ، فالحكومة " لن توافق تحت اي طرف على تجزئة القدس او تداولها وانما ستبقى دائما وابدا تحت السيادة المطلقة لدولة اسرائيل ".

حتى ان نتنياهو اضفى على المسألة طابعا تهديديا حين قال ان اي خرق او محاولة للمس بسيادتنا في المدينة سيواجه برد فعلي عنيف جدا وفوري ، وزاد نتنياهو على ذلك بالاعتراف مباشرة بان حكومته اوقفت نشاطات بيت الشرق الفلسطيني واصدرت مناقصات للبناء في جبل ابو غنيم وزادت من ميزانيات تطوير وتعزيز القدس وفتحت محطتي شرطة منها شرق القدس وعززت الحراسة في البلدة القديمة .

وفي نفس المجال قفز نتنياهو ومن بعده وزير خارجيته ارئىل شارون الى قرار الامم المتحدة (181) للعام 1947 اي قرار التقسيم ليقول الاثنان بان حكومة اسرائىل لن توافق على اية محاولة لاحياء قرار التقسيم الذي يبقى على تدويل القدس .

ولم تتوقف الدعاية الانتخابية عند مسألة القدس بل تعدتها الى قضية الحدود والاستيطان حيث دشن نتنياهو مع شارون العديد من مشاريع التطوير في غور الاردن ، وعقب شارون حينها بالقول ان " الغور هو الحدود الشرقية لدولة اسرائيل " وانه يحظر تقليص هذه الحدود واضاف : اننا سنبقى دائما على ضفة الاردن .

وفي نفس الوقت يسعى نتنياهو مع وزرائه لزيادة وتيرة الاستيطان لطمأنة وكسب اصوات المستوطنين الى جانبه في المعركة الانتخابية لكنه زاد في ذلك بالاعلان عن مواقفه مسبقا بشأن ابرز قضايا الحل النهائي قضية الحدود .

ان هذه المواقف التي يرددها ويكررها نتنياهو والمرشحون الاخرون من وسط ويسار ليست مجرد شعارات انتخابية فقط وانما تحتل عناصر رئىسية في برنامج الحكم الذي يسعى كل منهم الى تبنيه في مرحلة ما بعد الانتخابات في حال فوزه ، والنقطة الاخرى الاكثر خطورة فانه بات من المؤكد ان الايام القليلة القادمة ستشهد المزيد من التطرف ليس فقط في المواقف بل وايضا في الاجراءات ضد الفلسطينيين الذين سيكونون الضحية الدائمة في صراع البرامج الاسرائيلية ، لذلك سيبدو من السذاجة ان تستمر الاوساط السياسية الفلسطينية في التعويل على اي من الاحزاب للوقوف الى جانب الحقوق الفلسطينية لان ايا منها سيكون هدفه الناخب الاسرائىلي اولا واخيرا .

كما ان دعم الجانب الفلسطيني لاي طرف لن يعني اكثر من مجرد اهدار الوقت لان المستقبل التفاوضي القادم على قضايا الحل النهائي لن يكون مصيره الا الانفجار.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل