لا يمكن التعويل على الموقف الأمريكي والدعم السياسي للدول

العودة إلى صفحة الرسالة

لا يمكن التعويل على الموقف الامريكي والدعم السياسي للدول

اعلان الدولة : التأجيل تحت الضغوط .. واجتماع "المركزي" تحصيل حاصل

لايمكن المقارنة بين بيان برلين ووعد بلفور

تقرير - عمر احمد / صالح النعامي

مع اقتراب الرابع من ايار ومع تصاعد "الضجة الاعلامية حول تأجيل اعلان الدولة ومع تسارع وتيرة الاستيطان والاجراءات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية ، فإن عشرات الاسئلة تطرح نفسها حول مستقبل القضية الفلسطينية خصوصا وان الرابع من ايار سيشهد بحسب الاتفاقات الموقعة - انتهاء المرحلة الانتقالية ، وهذا يعني للسلطة الفلسطينية شيئا كثيرا -وكذلك للشعب الفلسطيني- سواء على مستوى السلب والايجاب ، اذ ان الواقع السياسي يشهد جمودا وحالة من الشلل التام في كافة مناحي التفاوض وفضلا عن "التكهنات " السيئة بعودة نتنياهو الى الحكم والتي تعني "العودة الى نقطة الصفر" في بحث القضايا الشائكة بين الطرفين.

كما ان حالة الركود الاقتصادي والتدهور الاجتماعي تطرح امام الفلسطينيين اسئلة "تحدي" صعبة وعسيرة : هل يقبلون اعلان الدولة في الوقت الذي يقتنعون فيه بأن المسار السياسي وصل الى طريق مسدود وانه لم تعد جدوى للعيش على الاحلام والاماني؟.. هل يمكن ان يقنعوا بأن اعلان الدولة هو حل سليم وفي الاتجاه الصحيح ، ام انه الهروب من الواقع البائس ومحاولة القفز الى اعلى درجات السلم ، والسؤال الاهم : هل يمكن للشعب الفلسطيني بكافة فصائله وقطاعاته ان يتخذ موقفا حاسما في هذا اليوم بعد معاناة ومكابدة وخسران دام خمس سنوات متواصلة ، ام ان مسلسل المماطلة والتسويف ودغدغة العواطف سيستمر الى ما لا نهاية؟!!

** الاعلان .. او عدم الاعلان

على الرغم من ان كل التقديرات تشير الى ان السلطة الفلسطينية بصدد تأجيل الاعلان عن الدولة الذي كان مقررا ان يتم في 4/5/1999 موعد انتهاء المرحلة الانتقالية ، الا ان المجلس المركزي الفلسطيني ، وهو حلقة الوصل بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية لـ (م.ت.ف) ، سيباشر بعقد اجتماعات ماراثونية لمناقشة هذه القضية ، وذلك في السابع والعشرين من نيسان الجاري ، وفي حديث مع الرسالة اشار النائب صلاح التعمري عضو المجلس المركزي الى ان هناك اعتبارات متضاربة تدفع باتجاه الاعلان او تأجيل الاعلان ، فمن ناحية تأجيل الاعلان يعني بشكل واضح ان نتنياهو وسياساته هي التي فرضت على السلطة التأجيل ، ومن ناحية ثانية فإن الاعلان سيدفع نتنياهو لاستغلال ذلك لاثارة مخاوف الاسرائيليين من خطوات السلطة ، وبالتالي يتمكن من كسب مزيد من الاصوات ، الا ان صلاح التعمري الذي يرأس ايضا "لجنة الاراضي ومحاربة الاستيطان" التابعة للمجلس التشريعي نوه على ان المعيار الذي يجب ان يوجه السلطة هو المصلحة الوطنية بحيث انه يبدو ان التأجيل سيكون ضد المصلحة الوطنية الفلسطينية ، حيث ان ذلك يعني اعطاء نتنياهو مبررا لاقتطاع مزيد من الاراضي الفلسطينية ومواصلة تهويد القدس ، وحذر التعمري من مغبة التعويل على ما اسماه بـ "الدول الصديقة والشقيقة" التي رأى ان دعمها ينحصر في مجال التأييد السياسي المجرد وغير المسنود بأي دعم مالي.

وعن رؤيته لمرحلة مابعد الرابع من ايار قال التعمري: "ارى ان يتم الاعلان عن باقي الاراضي الفلسطينية كأراضي دولة محتلة وعن القدس كعاصمة محتلة لدولة قائمة".

وحول ما اذا كان هذا الموقف يعني الغاءً لاوسلو ، قال التعمري "الذي الغى اوسلو عمليا هو نتنياهو ، جعل منها جثة هامدة ، فهو لم يفرج عن المعتقلين ، ولم يفتح الممرات الامنة..."

النائب عبد الكريم ابو صلاح عضو المجلس المركزي ورئيس اللجنة القانونية اتفق مع التعمري في ضرورة الاعلان عن الدولة ، مشددا على ضرورة الاعلان عنها وفتح مرحلة جديدة تتطلب اتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لتكريس سيادة هذه الدولة على الارض، واجراء اصلاحات جذرية مثل اعتماد القانون الاساسي الذي اقره المجلس التشريعي.

**قريع : عدم التعويل على الموقف الامريكي

من ناحيته اكد رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني انه لا يجوز التعويل كثيرا على ما يمكن ان تقدمه امريكا من ضمانات في حال تأجيل الاعلان عن الدولة الفلسطينية في نهاية المرحلة الانتقالية، ووصف قريع الموقف الامريكي بأنه "ليس كما يجب الان" ، واضاف "الولايات المتحدة برئيسها ووزير خارجيتها ومستشار الامن القومي، وطاقم السلام في وزارة الخارجية وطاقم الامن القومي والبيت الابيض والمخابرات الامريكية جميعهم تواجدوا في مؤتمر واي ريفر لكنهم لم يحموا ما فاوضوا من اجله ، علما انها المرة الاولى التي تشارك فيها الولايات المتحدة في مفاوضات مباشرة ولم تعمل على حمايتها" واشار قريع الى ان المستوطنات منذ اتفاقية واي مازالت تبنى يوميا ، حيث اقيمت 17 مستوطنة ، ومستوطنات اخرى تم توسيعها ، حيث وصلت معاليه ادوميم الى البحر الميت.

**الاختلاف داخل "التشريعي"

خلال النقاشات التي تمت داخل المجلس التشريعي بدا واضحا ان معظم اعضاء المجلس مع اعلان الدولة في الرابع من ايار ، الا ان الخلاف نشب حول مسألة اتخاذ المجلس قرارا بالدعوة للاعلان ام التريث ، فقد دعا نواب ووزراء المجلس الى التريث في اتخاذ موقف واضح ، خاصة وانه لم يتم الاستماع الى ما جمعته القيادة الفلسطينية من مواقف وآراء دولية وعربية خلال جولة الرئيس عرفات فيما يتعلق بمسألة اعلان الدولة ، الا ان بعض النواب طالبوا بالاعلان عن الدولة فور حلول استحقاق الرابع من ايار.

نبيل عمرو وزير الشئون البرلمانية ذكر اعضاء المجلس بأن مسألة الاعلان عن الدولة ليست من صلاحيات المجلس واختصاصه ، لذلك لابد من مناقشة هذه المسألة ضمن اجتماعات المجلس المركزي.

فيما يبدو ، وبغض النظر عن فحوى اللقاءات داخل المجلس المركزي ، فإن القرار سيكون التأجيل وليس ادل على ذلك من تلميحات بعض الوزراء في السلطة وتأكيدات بعض الساسة الاسرائيليين ان السلطة ستؤجل الاعلان عن الدولة، ويزعمون ان هذه المعلومات جاءت بناءً على تعهدات من القيادة الفلسطينية .

** معطيات جديدة

الذي يتابع وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة يجد سيلاً من التصريحات الفلسطينية حول الدولة الفلسطينية سواء بالاعلان او التأجيل ، وهذا السيل الاعلامي يعني ان المسألة اصبحت تأخذ طابع "الاهتمام" الدولي والمحلي ، ويعتبر المسؤولون في السلطة الفلسطينية ان الرئيس ياسر عرفات استطاع "بحنكته السياسية" ان يصنع من الرابع من ايار حدثاً تاريخياً له صداه في دول العالم رغم ان التاريخ لا يعني كثيراً . ويشير هؤلاء المسؤولون الى ان كثرة ترداد الرئيس عرفات لتصريحات حول اعلان الدولة وحتى التهديد بذلك اضافة الى تصريحات مسؤولي السلطة يعني ان هناك اجماعاً من قبل قادة السلطة على "التمسك بهذا الاعلان" سواء في موعده المقرر ام في حالة تأجيله .

وتشير مصادر في السلطة الفلسطينية الى ان ما دفع السلطة الى التمسك باعلان الدولة هو حصولها على تأييد واسع من قبل العديد من الدول خصوصاً الاتحاد الاوروبي ، وتقول هذه المصادر ان البيان الذي اصدره مؤخراً الاتحاد خلال جلسته الاخيرة في برلين "كشفت القناع" عن التأييد الصريح للاتحاد الاوروبي لقيام دولة فلسطينية مستقلة ، كما ان بعض الدول الاوروبية وخصوصاً فرنسا اوعزت للسلطة بأنها ستؤيد اعلانها للدولة في اي وقت تقوم بذلك ويعتبر مسؤولو السلطة الموقف الاوروبي الجديد بمثابة "انتصار" كبير للدبلوماسية الفلسطينية وللرحلات المتكررة للرئيس الفلسطيني . لذلك قال وزير التخطيط والتعاون الدولي نبيل شعت في تصريح للصحافة ان الدول الاوروبية اعلنت عن استعدادها للاعتراف بالدولة عند الاعلان عنها ، وان هناك حديثاً عن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في الدول الاوروبية يوم 4/5 وذلك كإشارة الى خطوات على درب الاعتراف بالدولة .

اما بخصوص الموقف الامريكي فلا يزال هناك شك كبير حول تأييده لاعلان الدولة اذ ان الرئيس الامريكي بيل كلينتون صرح لصحيفة الشرق الاوسط اللندنية (يناير/99) قائلاً : ان اعلان الدولة من طرف واحد سيفتح الباب امام كارثة ، وشدد على ان الولايات المتحدة ستعارض الاعلان عن دولة من طرف واحد ، وتعتبر السلطة ان قرار الاتحاد الاوروبي بالموافقة على اعلان الدولة جاء بضوء اخضر امريكي .

غير ان امين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة محمود عباس يعتبر ان الموقف الامريكي بدأ يتغير نوعاً ما باتجاه هذا الامر وقال في حديث لمجلة "الوطن العربي" (ابريل/99) : "نحن مرتاحون للعلاقة بيننا وبين الولايات المتحدة لانها مبنية على الصراحة والوضوح والثقة" .

غير ان عباس لما ووجه بسؤال حول قرار الكونغرس قبل ثلاث سنوات بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس قال : "اننا سنعترض على ذلك اعتراضاً شديداً وعلى اي تطبيق لهذا القانون لو حصل فعلاً واملنا ان تتغلب الحكمة الامريكية" .

ورغم الحديث الكثير عن تهديدات وضغوطات اسرائيلية لكبح جماح اعلان الدولة فإن السلطة الفلسطينية تحاول ان تبدو وكأن اعلان الدولة ليس له اي علاقة بالانتخابات الاسرائيلية لذلك يقول نبيل شعت "نحن لا نلقي بالاً لتهديدات نتنياهو في معركته الانتخابية ، وليست هي العنصر الذي يدخل في حسابنا التأجيل او عدم التأجيل ، فنحن لن نؤجل ونثبّت اننا خائفون او غير خائفين من نتنياهو" .

** بين اعلان برلين .. واعلان بلفور

بحسب بعض اراء الشخصيات "الرسمية" في السلطة فإن هناك اعتقاداً بأن اعلان برلين "الذي صدر عن اجتماع الاتحاد الاوروبي ووافق فيه على قيام دولة فلسطينية هو بمثابة "معادل تاريخي" لاعلان بلفور الذي ضمن قيام وطن قومي لليهود في فلسطين ، ووافقت عليه الدول الاوروبية انذاك . لكن السيد عبدالله الحوراني يرى انه لا مجال للمقارنة هنا ويقول "هناك فرق كبير بين الحالتين اذ ان بريطانيا -التي كانت سيدة العالم انذاك - هي التي اعطت وعد بلفور وكانت قادرة على تنفيذه لانها كانت تحكم فلسطين والامر يختلف الآن عما سبق اذ ان الموقف الاوروبي محكوم امريكياً ، وامريكا لا تسمح للدول الاوروبية ان تستقل بسياستها في الشرق الاوسط عن الموقف الامريكي . واكد الحوراني على ان امريكا تريد من اوروبا ان تكون "البقرة الحلوب" اي الدول المانحة التي تعطي اموالاً فقط وتكون مغيبة سياسياً في نفس الوقت . واشار الحوراني الى ان امريكا لم تعط للآن اي وعد صريح بدعم دولة فلسطينية وكل ما تعطيه هو وعدها بالبدء بمفاوضات الحل النهائي . واعتبر الحوراني ان الموقف الاوروبي "ليس جديداً" فقد كانت له مواقف مشابهة في السابق ، لكن تكمن المشكلة في ترجمة هذه المواقف الى وقائع عملية ، كما يقول .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل