نتائج الإنتخابات الجزائرية ... إستمرار أزمة الشرعية

 

العودة إلى صفحة الرسالة

نتائج الانتخابات الجزائرية ... استمرار ازمة الشرعية

تقرير/ جواد ابو شمالة

جرت يوم الخميس الماضي الانتخابات الرئاسية في الجزائر وسط اجواء غير طبيعية ومتوترة حيث اعلن ستة من المرشحين السبعة انسحابهم من العملية الانتخابية وذلك بعد ان رفض الرئيس السابق الامين زروال استقبالهم لانهم ارادوا وضعه في صورة ما وصفوه بالتزوير الحاصل في الانتخابات التي جرت قبل يوم واحد من موعدها الرسمي في صفوف الجيش الجزائري ، عندها فرغ صبرهم من التحيز الواضح الذي تبديه مؤسسات الدولة المختلفة واهمها الجيش ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لصالح وزير الخارجية الجزائري الاسبق عبد العزيز بوتفليقة وهو ما اضطرهم في نهاية الامر الى اعلان الانسحاب الجماعي من التنافس في السباق الرئاسي ووجهوا الدعوة الى الرئيس زروال لإلغاء هذه الانتخابات وتنظيم انتخابات جديدة ديمقراطية ، كما دعوا الشعب الجزائري الى النزول للشارع والتظاهر احتجاجا على عمليات التزوير.

لقد ارادت السلطة في الجزائر وخاصة مؤسسة الجيش تحقيق هدفين مرتبطين معا اولهما فوز المرشح عبد العزيز بوتفليقة الذي لم يكن اختياره مرشحا لرئاسة الجزائر امرا عشوائيا ، فقد اراد الجيش اثارة حنين الجزائريين لعصر هواري بو مدين الذي يصفه المراقبون بالعصر الذهبي للجزائر ، اما الهدف الثاني فهو ضمان كسب رهان الشفافية والنزاهة في الانتخابات في محاولة منهم لاضفاء نوع من الشرعية للسلطة القادمة لان ذلك يعني ان التجربة الديمقراطية اصبحت تتسع لخيار اخر غير خيار السلطة وهو ما يؤذن بنهاية مرحلة وبدء اخرى ، لذلك ولتحقيق هذه الاهداف دأب رموز الجيش والسلطة على التأكيد انه لا يوجد مرشح لهما في محاولة منهما لافساح المجال لدخول مرشحين من الوزن الثقيل لاضفاء المصداقية على العملية الانتخابية.

المرشحون الستة الذين انسحبوا من التنافس في اللحظة الاخيرة كانوا يعلمون -رغم تأكيدات الجيش السابقة- ان الجيش لن يقف محايدا وانه سيلقي بكل ثقله خلف بوتفليقة وهو ما حدث فعلا من خلال التحيز له في وسائل الاعلام وابلاغ سفارات الجزائر في الدول الاخرى بتمهيد وتسهيل الامور لصالح بوتفليقة وتصريحات العديد من جنرالات الجيش التي تبارك بوتفليقة ، ومنهم الجنرال المتقاعد خالد نزار الذي قاد الانقلاب على نتائج الانتخابات عام 92 ، والتي فازت فيها الجبهة الاسلامية للانقاذ بالاضافة الى اقصاء الجيش للمرشح الاسلامي الشيخ محفوظ نحناح والابقاء على الجبهة الاسلامية للانقاذ حزبا محظورا.

اذن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي دفعهم لترشيح انفسهم رغم معرفتهم ان النتائج محددة سلفا؟ وان سقوط مرشح السلطة يعني سقوط قيم سياسية ترتبط اساسا بمقومات وجود النظام؟ لقد اراد هؤلاء المرشحون ايصال رسائلهم للشعب الجزائري ووضع الحلول امامه للخروج من الازمة التي تعانيها الجزائر منذ ثماني سنوات ومحاولة منهم لدفع السلطة لاتخاذ اجراءات ديمقراطية تسمح للشعب بأن يقول كلمته بعيدا عن تأثير مجموعة من الجنرالات.

ولكن في ظل اصرار المؤسسة العسكرية على التدخل اعلن المرشحون الستة انسحابهم حتى لا يفهم انهم ساهموا بشكل او بآخر في اضفاء الشرعية على نظام يفتقر اليها اساسا وينتظر اللحظة التي يفوز فيها.

ان عملية الانسحاب التي تمت افرغت العملية الانتخابية من مضمونها ووضعت السلطة والجيش في مأزق كبير سحب البساط من تحت اقدامهم وخاصة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي سيحكم البلاد وهو يفتقر الى الشرعية التي كان يحلم بها ويخطط لها واخذت تواجهه التحديات حتى قبل تسلمه رئاسة الجمهورية ، كما ان هناك مصاعب عديدة عليه ايجاد حل لها اذا اراد ان يخرج الجزائر من عنق الزجاجة الذي ترزح فيه واهم هذه الملفات ملف المعتقلين السياسيين وملف المخطوفين والمفقودين الذي تحدثت السلطة اثناء الدعاية الانتخابية عن قدرتها على ايجاد حل لها ، وذلك في محاولة لجذب الشارع الجزائري الى صناديق الاقتراع.

كما ان ملفات اخرى هامة تشغل بال كل الجزائريين وهي اعادة الامن الشخصي والاستقرار وانقاذ الاقتصاد الوطني من التدهور الذي يعاني منه، كما ان بوتفليقة مطالب بتطبيق برنامجه الانتخابي الذي وعد فيه الجزائريين باعادة اللحمة ووقف نزيف الدم واعتماد الحوار سبيلا وحيدا للتفاهم بين السلطة ومعارضيها ونبذ سياسة الاقصاء والتهميش التي اتبعت في الماضي ، فهل سيتمكن الرئيس بوتفليقة من تحقيق برنامجه ووعوده الانتخابية؟؟

ان الازمة الجزائرية معقدة للغاية ومتشابكة وهي في نظرنا اكبر من ان يتمكن الرئيس الجديد من حلها وتتمثل اوجه هذه الازمة في الجوانب التالية:ـ

اولا: يتجاذب الجزائر استقطاب حاد في الهوية وينقسم الجزائريون بين انصار الهوية القومية والعرقية والدينية فضلا عن انصار التغريب والفرنسة.

ثانيا: منذ عشر سنوات والجزائر تعاني من تدهور حاد في الاقتصاد الوطني مرده تردي الوضع الامني السيء الذي يبعد رؤوس الاموال خارج الجزائر من الاستثمار فيها كما يدفع برؤوس الاموال الجزائرية الى ايداع اموالها في البنوك الخارجية ، وقد بلغ حجم الديون الخارجية حوالي 26 مليار دولار ووصل حجم البطالة الى 28%.

ثالثا: يرتبط هذا الجانب من الازمة بالدستور ففي عام 1989 كان للجزائر دستور يضمن الحريات والتعددية السياسية وهو ما سمح لجبهة الانقاذ الاسلامية بدخول المعترك السياسي وتحقيق الفوز في انتخابات عام 1991 ، وهو ما حدا بالجيش للانقلاب على هذه النتائج واعلان حالة الطواريء عام 1992، عاشت بعدها الجزائر مرحلة صعبة وحربا اهلية طاحنة وبعد انتخاب الرئيس زروال عام 1995، اجرى تعديلات دستورية اعادت البلاد الى نقطة الصفر حيث حدت من الحريات والتعددية السياسية ، واهم هذه التعديلات اعتبار عناصر الهوية الوطنية هي الاسلام والعروبة والامازيغية البربرية ولا يجوز استخدام هذه العناصر لاغراض سياسية او تأسيس احزاب على اساسها.

ولا تجيز التعديلات اي علاقة بين الاحزاب السياسية والمنظمات النقابية او جمعيات غير حكومية ، كما تعطي التعديلات وزارتي العدل والداخلية حق حل الاحزاب او ايقافها او توقيع عقوبات عليها اذا ما اخلت بالقوانين وتضع هذه التعديلات قيودا كبيرة على تمويل الاحزاب، كما انها تعطي رئيس الدولة الحق في تعيين ثلث اعضاء مجلس الامة وتمتعه بحق اصدار قرارات لها قوة التشريع.

ومن الواضح ان الحركة الاسلامية هي المستهدفة من هذه التعديلات الجديدة حيث استمرت الحكومة في حينه في حربها العسكرية والاعلامية ضد المعارضة وخاصة الاسلامية منها التي رفضت التوجهات الجديدة ووقعت بيانا في بروكسل حددت فيه مطالبها من الحكومة ورفضت التعديلات التي حددتها للاستفتاء ، وضمت المعارضة التي وقعت على بيان بروكسل شخصيات وطنية معروفة مثل احمد بن بيللا وحسين ايت احمد وعبد الحميد مهري الامين العام السابق لجبهة التحرير الجزائرية الذي تمت الاطاحة به من الامانة العامة بسبب معارضته للتعديلات ونقل جبهة التحرير من حزب السلطة الى المعارضة ، وحل مكانه في رئاسة جبهة التحرير بوعلام بن حمودة الذي كان يؤمن بضرورة مشاركة جبهة التحرير في ادارة دفة الامور في الجزائر وكان يؤيد التعديلات الدستورية المقترحة.

رابعا: يتعلق هذا الجانب بالجيش الذي يعتبر من اهم عناصر الازمة الجزائرية فالجيش هو الذي انقلب على نتائج الانتخابات عام 91 وهو يتدخل بشكل مباشر في الحياة السياسية فالجيش هو الذي جاء بالرئيس الشاذلي بن جديد وهو الذي ابعده عن سدة الرئاسة وجميع الرؤساء الجزائريين حتى الان يأتون بمباركة من الجيش ولا يمكنهم تنفيذ اي برنامج دون موافقته وهو يذكر بما حصل مع الرئيس السابق زروال الذي كان بينه وبين مجموعة من الجنرالات خلافات بدأت برفضهم لترشيحه لرئاسة الجزائر ولكن زروال اصر على الترشيح وكان يحمل خطة للحوار مع الاسلاميين المعتدلين بهدف احتوائهم فماذا فعل الجيش؟

قام بتكثيف عملياته البشعة من قتل وذبح خصوصا من انصار الجبهة الاسلامية للانقاذ وذلك للايحاء بأن مؤسسة الرئاسة ضعيفة وغير جديرة بالاستمرار وهو ما حدا بزروال في النهاية الى تبكير الانتخابات الرئاسية في اشارة واضحة لانتصار الجيش وسيطرته على الامور كافة في الجزائر.

ان التحدي الحقيقي للرئيس الجديد هو من سيحكم الجزائر ، الرئيس والمؤسسات الدستورية ام المؤسسة العسكرية التي ستحكم ولو بشكل خفي ، ان الارجح هو ان بوتفليقة سيتبع من رشحوه وزكوه اي انه سيصبح رئيسا تابعا او مجرورا لا محل له من الاعراب ، لان الجيش اراد بترشيحه الحفاظ على سياسة "الابقاء على الوضع الراهن" ولو حاول بوتفليقة تطبيق جزء من برنامجه خاصة فيما يتعلق بالحوار مع الاسلاميين فسيتعرض لضغوط الجيش عندها سيستخلص بوتفليقة العبرة التي استخلصها سلفه زروال بالاعلان عن انتخابات جديدة مبكرة لتبقى الجزائر تدور في حلقة مفرغة يسيطر عليها العسكر ، والخيار الاخر امام بوتفليقة هو الرضوخ لرغبات الجيش وبالتالي استمرار الازمة الى اشعار اخر ، واول مؤشر سيء على استمرار الازمة هو حظر الجيش لتظاهرة سلمية دعا لها المرشحون الستة الذين انسحبوا من العملية الانتخابية، بل ان انسحاب المرشحين من الانتخابات ربما يزيد من نقمة الجيش على المعارضين ليس الاسلاميين فحسب ، بل ذوي التوجهات الوطنية كذلك.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل