الدولة الفلسطينية ... حلم من ورق على أرض من ورق

علي نور الدين

العودة إلى صفحة الرسالة

بينما تشهد الدبلوماسية الفلسطينية تحركات ربما لم تشهدها في تاريخها منذ عقد السبعينيات حيث تولت مسئولية الدفاع عن الحقوق الفلسطينية الثابتة "حق تقرير المصير ... الخ" من اجل التعرف على اراء العواصم العالمية من قضية اعلان الدولة الفلسطينية في الرابع من ايار مايو 1999 وهو تاريخ انتهاء المرحلة الانتقالية ونصائحها وموقفها من التوجهات الفلسطينية بهذا الصدد. بات يسود الاعتقاد على نطاق واسع ان السلطة الوطنية الفلسطينية تتجه نحو قرار تأجيل اعلان الدولة استنادا الى نتائج المشاورات التي جنتها الدبلوماسية على مدار اكثر من شهر من العمل الدؤوب الذي غطى عشرات العواصم الهامة في العالم عربيا واسلاميا ودوليا.

وبعيدا عن الموقف والقرار الفلسطيني النهائي بهذا الشأن يمكننا القول ان كلا الخيارين امام السلطة الوطنية الفلسطينية لا يتمتعان بقدر ملائم من الظروف الحاسمة والمجدية بالنسبة لها. فخيار الاعلان محفوف بمخاطر وتحديات وتعقيدات لا قبل لها بها مما سيجعل هذا الخيار مكلفا جدا من الناحية السياسية وغير محدود المخاطر من النواحي الاخرى.

اما الخيار الثاني القاضي بتأجيل الاعلان فهو ايضا محفوف بخسائر جمة من الناحية السياسية والتفاوضية لا يستطيع احد ان يحدد سقفها ، هذه الحالة التي وضعت السلطة الفلسطينية فيها والتي افقدتها القدرة على تحديد الخيارات العملية تكشف حجم وخطورة الاخطاء التي ارتكبت اثناء عملية التفاوض واعداد مشاريع الاتفاقيات مع الجانب الاسرائيلي وبالتالي كانت النتيجة الحالية هي الحصار المر لاتفاقيات لم تتضمن اية ضمانات تكفل لنا حقوقنا او تساعدنا على التحرك وحسم خياراتنا الوطنية والمستقبلية وجعلنا نعيش مع كل مرحلة او متغير حالة جديدة بمعطيات جديدة من التفاوض مع الجانب الاسرائيلي.

واذا كنا هنا لا نريد اجراء تقييم موضوعي للخيارات المتاحة والقرار الفلسطيني المرتقب بشأنها الا اننا نجد من المفيد ان نتوقف عند هذه المناسبة ونستعرض قراءة سريعة للطموحات الفلسطينية بشأن اعلان الدولة. قبل كل شيء لابد هنا ان نشير الى ان اعلان الدولة يجب ان يضمن تحقيق المصالح والاهداف الوطنية العليا فلسطينيا ، والمتمثلة في حق تقرير المصير والاستقلال وحق العودة والسيادة على القدس واستعادة الاراضي المحتلة والا فإن الاعلان عن الدولة سيكون نوعا من العبث الذي من شأنه ان يلحق الضرر بالمصالح الوطنية سابقة الذكر.

وبالعودة الى السياق التاريخي الذي تحملت فيه منظمة التحرير الفلسطينية مسئولية تمثيل الشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقه الوطنية بعد اعتراف قادة الدول العربية في قمة 1974 بذلك بدأت المنظمة العمل على اكثر من صعيد من اجل تثبيت حقها سالف الذكر ، وخاضت من اجله كثيرا من المواجهات والصدامات العسكرية والسياسية.

وفي الوقت نفسه عملت المنظمة على تدجين العمل الفدائي والثوري وتسييسه لخدمة استراتيجية جديدة تقوم على اساس التصالح مع اليهود والتعايش معهم في دولة لشعبين. وفي سياق هذا التحول ادارت المنظمة العديد من المعارك غير الهادفة وتعاملت مع عشرات المشاريع السياسية التي كانت تطرح بين الحين والاخر من قبل الجهات المعنية عربيا واوروبيا وامريكيا بل واحيانا فلسطينيا.

ظل هذا الحال مستمرا بين النشاط والبرود حسب التطورات السياسية دون ان يثمر بسبب اغلاق الدولة العبرية الابواب امامها ، الى ان ظهر المتغير غير المنظور والمحسوب في تاريخ القضية الفلسطينية والذي تمثل في الانتفاضة الفلسطينية وانفجار الارض تحت اقدام الجيش الاسرائيلي وانكشاف استراتيجيته الامنية في السيطرة على المناطق المحتلة التي كانت تضمن له السيطرة والتحكم في المناطق من دون اية تكاليف مادية او بشرية تذكر.

كما انفجرت مع الانتفاضة حقائق كثيرة كان يتجاهلها الاحتلال الاسرائيلي طوال اكثر من عقدين من الزمان اهمها ان القوة لن تكفي لاستمرار السيطرة على المناطق ، وان تذويب الانسان الفلسطيني غير ممكن مهما ، وان الفوران الجهادي بركان لا يمكن اخماده بصورة دائمة مهما طال الاحتلال. وبدأ الحديث عن مشاريع سياسية جديدة اسرائيليا وامريكيا وفلسطينيا وعربيا من اجل وضع حد للانتفاضة ومعالجة الملف الفلسطيني بصورة شاملة.

لكن هذه المشاريع ظلت تعيش حالة من التردد وعدم الحسم خاصة بعد ان بدأت الانتفاضة في التراجع عن تدفقها وتصاعد اعمالها الصدامية مع الاحتلال لاسباب لا مجال لذكرها هنا ، وخلال هذه الفترة اشتهر مشروعان : ـ

الاول امريكي الذي عرف بمشروع شولتز ولكنه ظل مجرد مشروع سياسي لم يحظ بقبول جميع الاطراف والاخر فلسطيني تمثل بالاعلان عن قيام الدولة الفلسطينية في الجزائر وعاصمتها القدس في 15/11/1988، ولتكون بذلك هي الحالة الاولى التي يعلن فيها عن قيام دولة على غير ارضها وعلى الورق فقط. وكان من اللافت للانتباه ان هذه الدولة حظيت في حينها باعتراف اكثر من مائة دولة وهو نفس عدد الدول التي كانت تعترف باسرائيل في حينها.

هذا الاعلان كان محصلة مشاريع وتحركات فلسطينية كثيرة تداولتها منظمة التحرير الفلسطينية ، وحتى الان لا احد يعرف دوافع هذا الاعلان الحقيقية في حينه ، لكن يمكن القول ان هذا الاعلان حجم الطموحات الفلسطينية في فلسطين من ارض فلسطين من البحر الى النهر الى جزء لا يتجاوز الـ "20%" الا بقليل على الورق في حينه. كما اضفى الشرعية شبه القانونية على اقامة الدولة العبرية على اكثر من 70% من اراضي فلسطين.

واقر هذا الاعلان بما عرف بمبدأ دولتين في فلسطين لشعبين مختلفين ، وهكذا حصر العمل الفلسطيني في اطار عمل سياسي ودبلوماسي يهدف الى نقل دولة الورق "اعلان الجزائر 1988" الى اراض تضمنها اعلان الورق في حينه.

وبعيدا عن الحديث عن النوايا والدوافع نقول ان اعلان الجزائر آنذاك كان رسالة موجهة الى اسرائيل بالدرجة الاولى ثم امريكا ثم المجتمع الدولي بأن التطلعات الفلسطينية حددت سقفها وفقا لقرارات الامم المتحدة 242، 338 والشرعية الدولية وانها تخلت عن الخيار العسكري والمطالبة بفلسطين من البحر الى النهر وقبلت بوجود دولة اسرائيل استنادا الى المؤسسات الدستورية الفلسطينية التي وافقت على اعلان الجزائر.

وهكذا انتقل العمل الفلسطيني الى مرحلة جديدة قائمة على استراتيجية محددة وهي نقل مشروع الدولة من الورق في اعلان الجزائر الى فلسطين المحتلة بعد 67 ، حتى ولو جزء منها ، كما عبر عن ذلك الرئيس عرفات في اكثر من مناسبة . بعد ذلك بدأ التداول فلسطينيا واسرائيليا لمشاريع الحل وفقا للمعطيات الجديدة وكثرت في حينها المشاريع والمداولات لدى المختصين ولكن هذه المشاريع ظلت بانتظار محركات جديدة لحسمها واتاحة الفرصة امامها من اجل ان تصبح مقبولة لدى شعوب المنطقة.

وكانت حرب الخليج الثانية هي الظرف الملائم والقوة الدافعة التي سمحت بالكشف عن المشاريع والحلول السياسية وتهيئة الاجواء للقبول والحلول التي كان يتداولها الدبلوماسيون والسياسيون في الكواليس وجاء مؤتمر مدريد كمظلة تحرك خلفها اصحاب المشاريع السياسية وانضجوا مداولاتهم ومشاريعهم التي انتهت كما نعلم باتفاق اوسلو وما تبعه من اتفاقيات برعاية دولية خارج اطار الامم المتحدة والقانون الدولي.

عندها نظر الفلسطينيون الى ان هذه الخطوة بداية الطريق لنقل دولة الورق الى ارض الواقع وترجمة الحلم الفلسطيني الذي حملته الاوراق سنوات الى واقع على الارض.

وهنا دعونا نختصر الخطوات والمراحل ونتجاوز قراءة الاتفاقات ونقف عند النقطة التي وصلنا اليها ونستعرض منجزاتنا وفقا الى مصالحنا الوطنية العليا التي اشرنا اليها في بداية حديثنا.

بداية نعترف اننا نجحنا في الوصول للارض والاقامة عليها وحاولنا ولازلنا نحاول ان نعمر هذه الارض وفقا لخطتنا في نقل دولة وحلم الورق الى الارض لكننا في الوقت نفسه يجب ان نعترف اننا لا نعرف ماهية الارض التي نبني عليها وحدودها ومستقبلها وصلاحيتنا عليها ومستقبلنا عليها.

كما لا تتوفر الضمانات الكافية حتى الان التي ستسمح لنا بحق السيادة على الارض التي وصلنا لها وامكانية توسيعها لتشمل جميع اراضي دولة حلم الورق التي اعلنها في الجزائر. ووفقا لما يجب ان تضمنه لنا الدولة التي نقيمها من مصالح وطنية عليا نجد ان مشروع الدولة المتاح لا يضمن حق تقرير المصير ولا الاستقلال ولاحق العودة والسيادة على القدس ولا استعادة الاراضي المحتلة بعد عام 1967 وعليه فإن حلم الدولة التي ننشدها ابقى جميع مصالحنا الوطنية العليا احلاما طائرة مع ان حلم دولة الورق التي اعلناها في الجزائر تحتاج منا ان نبحث لها من جديد على ارض تحط عليها وتستقر فيها وتترعرع عليها لتحافظ على حقوق اجيالنا الحالية واللاحقة التي ائتمنونا عليها وكلفونا بتوصيلها لهم كما هي او الحفاظ عليها الى حتى يتمكنوا هم من المجيء لأخذها.

وارجو ان لا تكون فعلا حلما من ورق على ارض لاننا حينها سنكون شعبا من ورق....

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل