رسالة

 

العودة إلى صفحة الرسالة

الرسالة رقم (70)

الى اخي اللاجئ-3

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اتمنى على الله ان يدمر على اعدائك والمتآمرين على حقوقك ، والحابسين عنك  نسمة الحرية التي طالما حلمت بها ، عشت من اجلها ، وبذلت في سبيلها النفس والنفيس ، وانتظرت وانتظرت، وطال بك الانتظار ، اجاعوك فأطعمتهم من لحمك ، هدموا مجدك فبنيت لهم مجدا ، ومن سخريتهم بنا انهم منعونا حق الحياة ؛ فقد ألصقوا بنا وثيقة زرقاء صدرت من عواصمهم القاهرة ، دمشق ، بيروت ، كانت اشبه بلعنة ، فرضت علينا ان نكون آخر الداخلين لاي قطعة من وطننا الكبير ، بعد ان تشوينا نظرات جنود بني يعرب ذوي النخوة ، والشهامة ، والشمم . وكم لذنا بالصبر الجميل ، ضموا جزءا من باقي بلادنا بعملية (قصرية) لشرقي النهر الذي انجب الغر الميامين ، الذين كان فيهم شريكان متشاكسان ؛ البطل الاصيل / عبدالله التل ، والسافل اللعين سليل اللصوص المتآمرين من الاستعماريين ، الذين قذف بهم الغدر الى سويداء اكبادنا من وراء البحر ، ليترك لنا الاول تاريخا للشرف الرفيع الذي لم يسلم من الاذى ، ولم يرق على جوانبه الا قليل من الدم الزكي من اباة الضيم ، بأوامر (القصور) اليعربي ، او ان شئت فقل اليعربية التي فضحت بعضها بعضا ، فضاعت القدس ، وضاعت بها الحقيقة ، بين وهم ووهم ، وتاريخ ثورة ، وتاريخ اخرى . ضاعت الحقيقة مع ادوات البحث عنها ؛ اذ لم يسمحوا لنا ان نسمع الا بأذن واحدة ، كما لم يسمحوا لنا ان نرى الا بعين واحدة هي -دائما- الاقرب (للنظام) الذي ترتبط به حياتنا ؛ فنحن سوريون حتى النخاع ان كنا في (اليرموك) نخرج مصفقين لحسني الزعيم ، واديب الشيشكلي ، وشكري القوتلي و ..... ونور الدين الاتاسي ، والاسد ، نخاصم من خاصم الزعيم ، نقبل الارض تحت اقدام من قبل الزعيم خده او انفه ، او كتفه  ، او ما بين عينيه ، نشرب من مشرب الزعيم مهما كان ملوثا ، او آسنا ... والا !!ونحن مصريون ان كنا في غزة نهتف لجلالة الملك الصالح فاروق ، واذا سقط قلنا : عاش الرئيس المفدى نجيب ، واذا ازاحه جمال ، صرخت حناجرنا : عاش جمال ، واذا قلنا : لا ،  كما يقولها كل البشر ، او كما ينبغي ان يقولها اعتبروها لحظة طيش ، ونزق ؛ لابد من ترحيل اصحابها بليل؛ فكانت اكبر عملية تهجير لخيرة ابنائنا ، وادمغتنا الى الخليج ، وبلاد الحجاز ، وهما -بعد- على ظهر البعير ، وتعيشان -في الاغلب- في اكواخ من الصفيح الصدئ ، او في بيوت من الشعر ؛ فأضأناهما بشمس المدنية ، ونور العلم الذي اشرق عليهم من بين مفارقنا ، وهاهم يطردوننا .

ونحار في امر السادات ؛ حيرتنا في الاجابة على سؤال طالما ذهب بنا مسارب شتى : اين الحقيقة ؟ ونحن مع الحسين ان كنّا في البقعة ، او الوحدات . واذا ما نهشت سياط محمد رسول الكيلاني لحومنا في السموع ، والفوار ، والعروب ، والامعري . هتفنا للحسين ؛ حتى لا يبعث توفيق ابو الهدى من جديد ، فيسحق البرعم الوطني الذي نبت على حين  غفلة من (ربع الكفافي الحمر، والعقل ميّالة) وليس بدعا ان يبغي قارون على قومه ، فتوفيق ابن عكا ، الا ان الاول خسف الله به وبداره الارض ، اما الثاني فقد سلطه الله على نفسه ، فنحها ، انها آية تؤكد كل يوم ان الدوائر تدور على البغاة ، وان المكر السيء لايحيق الا بأهله . وعندما عجنت دبابات وصفي التل اجسادنا ، وقطعت سواطير (شوقي .. ابو الجديلة) اوصالنا هتفنا لصقر العرب . نحن اكثر  لبنانية من كميل شمعون ، وفؤاد  شهاب ، وشارل الحلو ، والياس سركيس ، وبشير الجميّل ، الذين حرمونا من ثما ن وستين حرفة ، حتى ان نكون اطباء او مهندسين ، ومن كان منا طبيبا او مهندسا فلا ينبغي له ان يعمل الا زبالا ، او جامع اعقاب سجائر او زجاجات الخمر الفارغة من شارع الحمرة ، او الروشة ، او كنس مدرج المسرح الروماني  في بعلبك ، الذي تصرخ فوقه نهاد حداد (فيروز) لجسر العودة ، الذي اسمته :  جسر الاحزان ، الا ان صراخها يضيع وسط ضجيج  اصوات رصاص سعد حداد ، التي تخترق ترائبنا في البقاع .

نحن والكلاب في نظر حكام لبنان سواء، وكم هتفنا لهم ، وصفقنا ، كانت اجسادنا -على الدوام- دروعا تذود عن لبنان، وعندما فر من نجا من سكين عمان الى بيروت ، شحذ له لبنان سكاكينه ،  وما ان امست رهيفة حتى ذبحتنا ايديه في جسر الباشا وتل الزعتر والبداوي ، ضاق بنا صدر لبنان في الوقت الذي اتسع فيه للفئران ، والزواحف ، ولكل شاذ وشاذة ، ولقد حملنا لبنان وزر التناقض ، وصراع الطوائف على ارضه ، لقد اصبحنا في نظر اشقائنا من المحيط الى الخليج كتلك الشاة التي قالوا فيها:

هزلت حتى بان من هزالها كلا

            ها وحتى سامها كل خاسر

الفتنا الخيام ، والزوابع ، ومنظمات الاغاثة الدولية ، حتى امسى لنا في كل بقعة مضارب ، وفي كل كثيب اوتاد ، الا ان الحكام احترفوا اقتلاعها ، حتى الاخ العقيد امين القومية العربية فقد طوح بنا الى خيمة ما على حدود الكنانة بعد ان لفظنا -بزعمه- الجبل الاخضر ، وضاقت بنا انفاس المختار ، ولم تفتح لنا الكنانة الباب ، فركبنا الاسنة ، وظهر زورق سبح بنا الى شواطئ الشام ، فابت ، وتمنعت ، وتمادت في الدلال حتى اغضبت موج البحر الذي كاد يقلب مركبنا ، فيلقي بنا ، واطفالنا الجوعى طعاما لوحوشه ، لاننا -في عرفه- حفنة من المرتزقة ، جئنا لننهب بلاده وخيراته ، بل نحن حفنة من البائعين بلادهم ، فلا نستحق غير الزراية ، او الطرد الى زوايا النسيان ، او المجهول ، صورة تتكرر ، ومشاهد مألوفة ، فلسطين هي الاسم الحركي لكل ثورة ، ولكل ثائر ، وطامح في الحكم وطامع في الزعامة ، او الغنى .

فلسطين هي الشعار ، والقبلة ، والافتتاحية ، والختام . ولاجئها هو المسحوق ، والاجرب ، والغادر ، والمغدور ، هو الهدف ، والشاخص ، والمرمى . اذن ... وماذا بعد ؟ هذا ما سيحملني على ان التقيك -اخي- مرة اخرى بمشيئة الله ، فالى الملتقى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

**الى ام فواز الرنتيسي

سيدتي ... السلام عليك ، وقد فاضت روحك الى بارئها ، ورحمة الله وبركاته ، انت واحدة من لاجئات فلسطين ، تحملت غربة ، وغربة ، وغربة ، اما الاولى ، فقد طردك الصهاينة عنوة ، وانت بعد صبية من يبنا ، ولما يمض على زواجك الا سنوات قلائل ، تحملين اطفالا يلفح وجوههم صهد الرصاص الصهيوني الغادر ، ويأكل الحصى اقدامك الحافية ، في رحلة العذاب الممتدة من مسقط رأسك ، حتى كثبان مخيم العقاد في خان يونس ، فتحطين ، وصغارك الرحال يكبر اطفالك في حضنك ، وبينهم عبد العزيز ، واما الثانية فكانت بموت رفيق الدرب ، ليعيش اطفالك حياة يتم اللاجيء وبؤس اللاجيء ، وعذاباته ، وينمو عود عبد العزيز ، اللاجيء الطموح  ، في ان يكون طبيبا ، واما الرابعة فتنتظرين سنوات وسنوات يقضيها عبد العزيز (الثائر) وراء القضبان في سجون الاحتلال ، ومرج الزهور ، ومعتقلات فلسطين  ، يزحف الوهن الى قلبك الحنون الذي عصفت به الف لهفة ولهفة ، وصدمته عواصم العرب ، وقضبان زنازينهم تطرد بغداد شقيقه محمد ، الذي يدرس الطب العالي في جامعتها ، لانه ضبط متلبسا بحب فلسطين فتبتلعه زنازين الصهاينة الفاغرة الافواه لأمثاله ويغلق جسر العودة دون فواز فلا يسمح له بزيارتك ، او السير في جنازتك ... وتطول غيبة عبد العزيز فيتمكن الوهن من قلبك اللاجيء كما تمكن من عينيك اللتين شاهدتا التهجير والغربة والضياع وانت تحلمين ان تضمي عبد العزيز قبل ان يتوقف منك القلب . ولكن مشيئة الله سبقت ، فتوقف ، وعبد العزيز وراء قضبان فلسطين ، واظنه (قلبك) قد خفق عندما فتحوها له ، ليحملك وقلبك الكبير الى دار البقاء.

هو ذات القلب الذي سكن يوما صدر ام جمال منصور في مخيم بلاطة ، وصدر ام صالح في مخيم الشابورة ، وصدر ام جبر في مخيم غزة بجرش . توقفت قلوبكن ، وفلذة الكبد وراء القضبان في جنيد ، او جثة ملقاة ، مطرزة برصاص براك على باب مدرسة ابتدائية للاجئين ، او اشلاء ممزقة ، معلقة على رؤوس اغصان شجرة ما في احراش جرش ، تحرس جسد فايز جراد . وتعانق روح ابي على اياد ، وابراهيم عاشور (الاول) واخيه فاروق .. انها قصة اللجوء الفلسطيني في رحلة العذاب الطويلة عبر الزمان والمكان حيث لا نهاية لزمان او مكان . رحمك الله ام فواز ، ورحمك الله ام جمال ورحمك الله ام جبر ، ورحم الله ام اللاجئين ، ورحم الله الرحمة ،  وانا لله وانا اليه راجعون .

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل