بالمختصر المفيد

 

العودة إلى صفحة الرسالة

 

"الامن" و "العليا" .. من يحكم من ؟

ماذا يكون شعور المحامي الذي يحمل كتاب افراج عن معتقل من محكمة العدل العليا ثم يسارع فرحا الى السجن / او الجهاز الامني المعنيّ ليقول له "هاؤم اقرأوا كتابيه" ، ليفاجأ بالقول "ممنوع الافراج" !! لماذا ؟ يسأل المحامون ، فيكون الجواب : "هيك بده الوضع السياسي!!" . هكذا تنصب  الاجهزة الامنية نفسها "الحاكم بأمره" الذي لا يمكن ان يطاله قانون او محكمة عليا او نائب عام ، وهناك العديد من الامثلة التي توضح بأن معتقلين قضوا اكثر من ثلاث سنين  او اقل ثم جاءت "العليا" (بقضاتها الثلاثة) كي تصدر قرار الافراج ، لكن الجهاز الامني يسارع بسحب المعتقل من السجن واعادته الى الزنازين مرة اخرى تحت حجة انه "على ذمة الجهاز" وانه لا يصح الافراج عنه الا بقرار من الجهاز!! . وهنا نسأل من الذي يجب ان يقرر  العدل والقانون على الارض :  رئيس الجهاز الامني ام رئيس المحكمة العليا ، ان  كان الاول فمعنى ذلك انه لا داعي للثاني على الاطلاق ، واذا كان الثاني فلابد لقراره ان يحترم وينفذ .  ان هيبة المحكمة وقوة  القضاء يجب ان يخضع لها الجميع من الرئيس  والوزير .. حتى تصل الى كل جهاز امني ومواطن عادي ، ويوم ان يضرب بقرار "العليا" عرض الحائط (وهذا ما حدث) فمعنى ذلك ان الفوضى وتحكيم المزاج لدى بعض الاجهزة هي التي تتحكم في مصير المواطنين .

ان مثل هذه السلوكيات من شأنها تقويض المجتمع المدني وتهديد الحياة الديمقراطية ، بل تجعل المواطن (المعتقل والحرعلى السواء) تحت طائلة الخوف والقلق .. انها  غياب للعدالة والقانون واحترام الانسان .

في  السنوات الماضية ارتكبت الاجهزة الامنية اخطاء فادحة خلال حملات الاعتقال والتحقيق والتعذيب ، وخفت هذه الانتهاكات الى حد ما ، ولكن للاسف ليس بسبب القانون الذي يجب ان يفرض نفسه ، ولكن بسبب الانتقادات الكثيرة التي تعرضت لها السلطة من قبل العديد من الدول والمنظمات الحقوقية.

ان اجهزة الامن يجب ان تفكر دوما كيف تكسب ثقة المواطن  كي يكون نصيرا وعونا لها لا ان يكون خائفا حذرا ، وليس من مصلحتها ان تخسر المواطن بسبب حسابات سياسية تقوم على التكهن والافتراض لا على الحقيقة والدليل . ولا يمكن كذلك ان نتصور بأن الاجهزة الامنية تقبل على نفسها ان تكون هي اول من ينتهك القانون في الوقت الذي يطالبون فيه المواطنين باحترامه والالتزام به ، لانه اذا لم تكن السلطة وهيئاتها التنفيذية تحترم القانون فكيف يمكن تصور ان المواطن سيقوم بذلك؟ .. هي معادلة صعبة وغير مقبولة ، فإما ان يطبق القانون على الجميع واما لا يطبق على الجميع، لان "التساوي في الظلم هو عدالة" كما يقول اهل الفلسفة. رجاؤنا ان تعيد الاجهزة الامنية تفكيرها مرة اخرى وتضع امام عينيها المسيرة الطويلة التي يخوضها هذا الشعب ، والتي تستند اولا وقبل كل شيء على احترام القانون وهيبته ، والكرة في ملعبكم : فإما قانون او لا قانون ، ولكل ثمنه ونتائجه.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل