من شوارع الوطن

بقلم : صلاح البردويل

العودة إلى صفحة الرسالة

 

رسالة لم تكتبها امه !!

ولدي الغالي عبد العزيز ... كنت اتمنى ان يوصلني عمري اليك ، ولكن طال انتظاري حتى انتهى العمر ، وضاقت الروح باحمالها فغادرت جسدي وشوقي وحزني وعلتي ونبض قلبي الذي ما عرف يوما السكون او السكينة منذ ان حاصروك وحاصروا معك روحي ، حبسوك وعذبوك ، وابعدوك واسكنوا في جسدك الامراض وانت الطبيب الذي نذرت عمرك لمداواة وطن مذبوح ، وكنت انا معك يا ولدي في كل زنزانة وفي كل اهة وفي كل منفى ، وفي كل مكان!!

كنت معك مسافرة روحي حينما سافرت الى مصر ... ومعك سافر قلبي وروحي حينما تنقلت من سجن الى سجن ومن تعذيب الى تعذيب ... كنت في نبض قلبك ... وفي خيالك ... وفي ادبار صلواتك ... وكنت معي يا ولدي الى ان تقتطع من رحلة عذابك اياما يهل وجهك على وطنك وبيتك واولادك كما يهل القمر الذي غاب ... وكانت روحي تعود الى جسدي العليل بعد رحلة الغياب .

وهكذا انتهى العمر هذه المرة يا عبد العزيز قبل ان اكحل عيوني بطلعتك البهية ... قبل ان اخط اليك الرسالة والوصية ... وعدت يا حبة عين امك وقد سبّلوا عيوني فلا تراك عيوني وانت تتأمل جسدي المسجى وقد فارقه العمر واراك بروحي وانت تبتلع الدمعات وتجتر الحزن والالم ... وتستقبل الرجال تلو الرجال في عيونهم حرقة وفي قلوبهم حيرة ولا تسعفهم الكلمات ...

عين على جسدي المسجى ... وعين على وجهك المحبوب وتنزلق الكلمات حيرى ... مهنئة  معزية !! هكذا نتقابل بعد هذا الفراق يا مهجة قلبي ... وقد خرجت لتوي من خلف قضبان الالم  والانتظار والمرض وخرجت لتوك من خلف قضبان القهر وجرح الكف الذي ما يطيب!!

وتسأل روحي يا حبة عيني: لماذا نزعوا قلبي من صدري حينما حبسوك؟ لماذا قتلوني حينما لم يخرجوك؟ لماذا يذبحون الوطن فينا ونحن اللواتي حملن في بطونهن رجال الوطن ، وربين ، وسهرن ، وتعذبن .

نحن اللواتي ولدن  للوطن رجالا اسودا يذودون عن كرامته وترابه ، لماذا يقتلعون جذور الشعب الصابر نحن ؟! ويحرقون قلوبا طالما اخلصت الدعاء للوطن!! ويقتلعون عيونا طالما روت بدمعها تراب الوطن المستباح؟!

لماذا يا عبد العزيز ؟! اتدري يا عيني وانتم تهيلون التراب على جسدي اني فقط  شعرت بالفرحة  اني التحف بتراب وطن طالما اراد المستوطنون اخراجنا منه !! وعزائي اني تركت خلفي من يدعو لي ... ويدعو للوطن ومن يبذر البذور في الاجيال ... عزائي ان ادرك تحت التراب ان كل القيود وكل الحواجز  وكل السجون وكل القبور لا تحجب رحمة الله عن المؤمنين الصابرين المصابرين الثابتين .

ياولدي الغالي لئن اخرجت من عمري فعزائي اني لم اخرج من وطني ... ولئن اخرجت فبقدر الله وحده ... وبقدر الله وحده ستنتصر وينتصر معك كل المجاهدين المؤمنين ... ولن يحجب السجن عنكم النصر ، فنور الله لا تمنعه الحواجز ، ونصر الله لا تمنعه صفارات البشر .

ملاحظة: ولدي العزيز اذا عدت الى السجن بعد ايام العزاء فاسمح لي هذه المرة ... لن احزن لذلك ، ولن اقلق ولن انتظرك ... ولكن سننتظر معا نصر الله فارفع رأسك والله معك ولن يترك اعمالك .

مع السلامة ياحبة عيني ويا فلذة كبدي ، عسى الله ان يجمعنا جميعا في مستقر رحمته ...

امك ... التي لم تكتب الرسالة

ام عبد العزيز الرنتيسي

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل