في ذكرى مولد النور

العودة إلى صفحة الرسالة

الشيخ / احمد بحر

كانت ولادته صلى الله عليه وسلم بشرى خير ، ومطلع هداية ، ومبعث نور ، ولا عجب فهو دعوة ابينا ابراهيم عليه السلام حين قال : "ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك انت العزيز الحكيم" .

ولقد كان العرب امة ضائعة حائرة ، واشتاتاً لا كلمة لهم ولا سلطان ، تتقاسم سيادتهم دولتا الفرس والرومان فهداهم الله الى الاسلام وحملوه عقيدة وشريعة ونظام حياة فاعزهم الله بعد ان كانوا اذلة "واذكروا اذ انتم قليل مستضعفون في الارض تخافون ان يتخطفكم  الناس فآواكم وايدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون" .

وها هي الذكرى تطل علينا من جديد ، وقد تداعت الامم الكافرة علينا لاستئصال شأفة الاسلام ، وتمزيق وحدتنا ، ونهب خيراتنا وتدنيس مقدساتنا ، وما كان هذا ليكون الا بسبب ابتعادنا عن ديننا وحبنا للدنيا وكراهية القتال في سبيل الله .

فإن كنا نريد الاحتفال حقيقة فعلينا ان نقتدي بصاحب الذكرى ، وان نقتفي اثره ، فنذكر ثباته وصبره على الحق ، وتحمله صنوف العذاب من اجل دينه ووطنه ، فلم تستطع قوى الشر ان تنال من عزيمته ،رغم كل المغريات التي عرضت عليه .

اذا اردنا ان نحتفل بذكرى المولد فعلينا ان نذكر جهاده وشجاعته واقدامه ، روى عن علي كرّم الله وجهه انه قال : كنا اذا اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت يوم احد ويوم حنين حين انكشف عنه الرجال ، وقد كان حريصاً على الجهاد راغباً في الشهادة في سبيل الله ، عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده لوددت ان اقتل  في سبيل الله ثم احيا ، ثم اقتل ثم احيا ، ثم اقتل ، ثم احيا ثم اقتل" .

من اراد ان يحتفل بهذا اليوم العظيم فعليه ان يتصرف على اطلاق صاحب الذكرى فقد كان صلى الله عليه وسلم من اشد الناس تواضعاً ، فقد روي ان الجارية كانت تذهب الى المكان البعيد فيذهب معها ويقضي حاجتها ، وكان في بيته في مهنة اهله ، يكنس البيت ، ويحلب الشاة ، ويخدم نفسه ، ويرقع ثوبه ويخصف نعله ، روي ان وفد النجاشي لما قدم الى المدينة المنورة قام صلى الله عليه وسلم يخدمهم ، فقال له اصحابه : نحن نكفيك ، قال انهم كانوا باخواننا مكرمين ، وانا احب ان اكافئهم .

وكان صلى الله عليه وسلم من ازهد الناس يقول : مالي وللدنيا ، وما انا والدنيا الا كراكب استظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها ، رآه عمر رضي الله عنه مضطجعاً على حصير اثر في جنبه فهملت عينا عمر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بك ؟ قال عمر : يا رسول الله انت صفوة الله من خلقه ، وكسرى وقيصر فيما هما فيه ، فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال اوفي شك انت يا ابن الخطاب ، ثم قال : اولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ، اما ترضى ان تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا .

وكان يحب حياة الزهد والتقشف لا لنفسه بل لاهله وعياله ، عن عائشة رضي اللع عنها قالت : انا كنا آل محمد ليمر الهلال تلو الهلال ما يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ، ان هو الا الاسودان التمر  والماء .

وكان اعبد الناس يصلي في الليل حتى تتورم قدماه ، فقيل له : وقد غفر الله لك ما تقدم لك من ذنبك وما تأخر ، فقال : أفلا اكون عبداً شكوراً "لقد كان لكم في رسول الله اسوة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً"

هذا هو النبي العظيم الذي ارسله الله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً وداعياً الى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، ففتح الله به اعيناً عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا .

لذا فإنه لم يكن الاحتفال بذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد الصحابة ولا التابعين ولم يجعلوا له يوماً محدداً من كل عام ، بل كانوا يعتبرون كل لحظة من لحظات حياتهم ، وكل خطوة من خطواتهم هي مولد جديد وبعث جديد يجسدونه بجوارحهم ودمائهم على ارض الواقع بكل صدق واخلاص ، فكانت لهم العزة والكرامة والسيادة .

لقد بدأ المسلمون باحياء ذكرى المولد كرد فعل على احتفال النصارى بمولد عيسى عليه السلام ، وذلك ايام الصليبيين ليغيظوا الكفار ، ويظهروا محبتهم لرسولهم ، وتمسكهم بدينهم ، ثم تطور الامر خلال العصور التالية حتى اصبح الاحتفال بالمولد النبوي  تقاليد واعراف وطقوس وصور باهتة خالية من الجوهر . وما فتئ الناس يتنافسون في احياء هذه الذكرى على المستوى الرسمي والشعبي  ظانين انهم بهذه الاحتفالات قد ادوا امانة الاسلام ، وهكذا دواليك ، وفي الحقيقة ان هذه الملايين التي تهتف باسم محمد صلى الله عليه وسلم لا تستطيع ان تقيم حداً واحداً من حدود الله ، كما ان الحكومات التي ترعى هذه الاحتفالات ، هي التي تحارب محمداً صلى الله عليه وسلم  وتلاحق انصاره وتسومهم سوء العذاب .

ان الذكرى الحقيقية هي الثورة والانقلاب والانتصار لدين محمد صلى الله عليه وسلم وهكذا كان الصحابة الذين عرفوا قدره حتى يقول احدهم وهو يخاطبه بأبي انت وامي يا رسول الله ، وهذه المرأة التي يأتيها خبر استشهاد زوجها واخوها وابنها فتقول : كيف حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! هذا هو الحب الصادق الذي ملك قلوب الصحابة واستحوذ على مشاعرهم ففهموا تلك الغاية النبيلة من قوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من ولده ووالده والناس اجمعين" .

فيا من تحتفلون بذكرى سيد الانام ، اتقوا الله واحيوا ذكراه في انفسكم وفي اولادكم وفي اهليكم وفي مجتمعكم ، الزموا طريق الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم تفلحوا في دنياكم وآخرتكم وتنالوا جنة عرضها السموات والارض .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل