"دكتور" من روسيا ... سلاح من روسيا!!

 

العودة إلى صفحة الرسالة

صالح النعامي

في العام 66 وقف الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر مخاطبا الجماهير في عيد العمال وقد بدت الحرب مع اسرائيل وشيكة قائلا "ان اصدقاءنا الروس وعدونا بأن يزودونا بالسلاح الذي يلزم لقهر اسرائيل وعدوانها " ... اندلعت الحرب فكان القهر من نصيب العرب وحدهم ، عجز السلاح الروسي عن ان يصد العدوان وكانت الهزيمة التي وصفها "القوميون" بأنها "الاقسى في تاريخ الامة" ، صحيح انه لم يكن من الانصاف تفسير الهزيمة المدوية بسوء اداء السلاح الروسي.. وبالطبع ان تكون هناك اسباب كثيرة ووجيهة ، لكن كبار قادة الجيش المصري والسوري قد ذكروا في شهاداتهم عن تلك الحرب بأن السوفيات حرصوا على تزويد العرب بسلاح لا يمكنه مواجهة السلاح الذي كانت امريكا واوروبا الغربية تزود به اسرائيل ... ويذكر الجنرال الروسي المتقاعد "جنادي شينكين" ان روسيا كانت قد زودت المجر بمعلومات مفصلة عن طبيعة السلاح الذي زودت به مصر وسوريا مع العلم ان العلاقات الاستخبارية والامنية كانت بين اسرائيل والمجر مميزة الامر الذي يجعل اسرائيل على اطلاع مسبق على نوعية السلاح الذي من المتوقع ان يستخدمه المصريون والسوريون ضدها .. والان وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانهيار بنيته الصناعية وافول نجم روسيا كقوة عظمى ، وعزوف دول العالم عن استيراد ، ليس سلاحها فقط ، بل كل ما تنتج .. بعد هذا كله فإن الاراضي الفلسطينية هي البقعة الوحيدة في العالم التي تروج فيها "بضاعة روسية" كاسدة .. الا وهي الاطباء الذين يكملون دراستهم في روسيا ، فحسب تقديرات المختصين فإن كفاءة هؤلاء الاطباء تؤول الى الصفر ومستواهم المهني يثير الشكوك ، حتى ان الجمهور الفلسطيني فقدت ثقته تماما بهذا القطاع من الاطباء لدرجة ان الكثير من الناس الذين يصادفون هؤلاء الاطباء في العيادات الخارجية في المستشفيات يرفضون عرض انفسهم عليهم خوفا من "مصيبة" قد تنجم عن جهلهم بحال المرضى ، وعجزهم عن تشخيص الامراض تشخيصا صحيحا... وقد وصل الامر الى درجة ان بعض هؤلاء الاطباء يستخدم مرضاه كحقل تجارب .

.. انه ونظرا لعدم قبول الجامعات العربية لطلبة فلسطينيين في كلياتها الطبية فإن معظم الاطباء الذين يتم تعيينهم في الجهاز الصحي هم من خريجي الدول الشرقية وسيما روسيا ، لذا فإنه من المتوقع ان تزداد هذه النسبة من الاطباء غير المؤهلين ، صحيح انه الان يتم تكليفهم بالعمل داخل العيادات  الخارجية ، لكن ازدياد عددهم قد يجعل منهم الطاقم المستقبلي للفروع التخصصية الهامة في المستشفيات الامر الذي يجعل الاوضاع الصحية داخل الاراضي الفلسطينية مهددة بمزيد من الانهيار والتردي..

لا يحتاج المرء لان يذهب الى روسيا لكي يدرك مستوى التحصيل العلمي والمهني الذي يحصل عليه طلابنا في كليات الطب بروسيا ... كيف يستطيع طالب تخرج من الثانوية العامة الفرع الادبي وحصل على 50% ولم تقبله الجامعات الوطنية فضلا عن الكليات المتوسطة ان يحصل على بكالوريوس في الطب من روسيا ثم يعود بلقب "دكتور" .. فأي طبيب سيكون هذا... ما يقوله العائدون من روسيا يحمل اكثر الدلائل على بؤس مستقبل هؤلاء الاطباء ، فبعض هؤلاء يؤكدون تفشي الرشوة داخل اوساط المحاضرين الروس فضلا عن ان كثيرا منهم لا يكلفون انفسهم عناء التواجد في المحاضرات .. وسائل الاعلام الروسية نفسها تؤكد ان كبار الجنرالات الروس نظرا للضائقة الاقتصادية يقومون ببيع نياشينهم العسكرية في المزاد العلني.. لذا فمن غير المستغرب ان يبيع اساتذة الجامعات الشهادات ويوزعونها حسب الدفع!!

هناك بعض الطلاب من يحاول ان يحصل على اعداد مهني مناسب لانهم يؤمنون بعظم الرسالة التي يحملها الطبيب، لكن الى جانب ان هذه الفئة قلة فإن الظروف في روسيا لا تمكنهم من ذلك... لذا فإن المسئولية كل المسئولية تقع على عاتق وزارة الصحة التي تقوم بتشغيل هؤلاء الاطباء دون ان يتم اختبار قدراتهم وفق معايير واضحة وجذرية ... والسؤال الذي يجب ان يجيبوا عليه في وزارة الصحة : لماذا معظم الدول العربية لا تقوم باستعمال الاطباء المتخرجين من الجامعات الشرقية؟ ... وزارة الصحة في اسرائيل تقوم باجراء امتحان سنوي لاختبار الاطباء من بين المهاجرين اليهود الجدد من روسيا ، ففي هذا العام لم يتم  قبول سوى 30 طبيبا من اصل 5500 طبيب تقدموا للامتحان ..

ماذا يعني هذا ؟ هذا يعني انه حتى الامتحانات التي تعقد لهؤلاء الاطباء عندنا لا يمكن الوثوق بالمعايير التي تتم على اساسها مع العلم ان نسبة كبيرة من هؤلاء الاطباء يتم توظيفهم بقرارات فوقية لا علاقة لها بالمعايير الموضوعية...

اذا كان العبث في كثير من القضايا اصبح مظهرا من مظاهر الواقع الفلسطيني فإنه لا يجوز بحال من الاحوال ان يتم التسليم بالعبث في صحة الناس وعافية ابدانهم، ان السلطة الفلسطينية مطالبة باتخاذ خطوات عاجلة لوقف هذه المهزلة... بامكان القيادة الفلسطينية استغلال علاقاتها الوثيقة مع الرئيس حسني مبارك والحكومة المصرية للعمل على استيعاب عدد لا بأس به من الطلاب الفلسطينيين الذين ينهون المرحلة الثانوية -الفرع العلمي- بتفوق في كليات الطب في الجامعات المصرية ، كما بامكان القيادة الفلسطينية التوجه للعديد من الحكومات العربية بنفس الطلب حتى يكون الاطباء العائدون من هذه الجامعات هم النواة الصلبة للجهاز الطبي الفلسطيني في المستقبل ... اما "الماركة الروسية" فبالامكان احالتها الى التاريخ!!

***من اجل الاجيال

استرقت النظر اليها فإذا بها تقف شاخصة امام شاشة التلفاز وملامح وجهها الجميل تشي بشعور من الاستغراب والحيرة يفتعل داخلها... ، وجه كبرى بناتي التي لم تتجاوز السادسة من عمرها نظرت الى الشاشة فإذا احدى الفضائيات العربية تعرض صورة من الارشيف لرئيس وزراء اسرائيل نتنياهو وهو يصافح احدى الزعامات العربية... وعندما شعرب بأنني اراقبها بادرتني حسنائي الصغيرة قائلة "الم تقل لي ان اليهود هم الذين احتلوا ارضنا؟" ، قلت لها: بلى ، سكتت هنيهة وقد اخذت تداعب شعرها على جبين كالبدر ، ثم قالت مستنكرة "فكيف يقوم هذا (وقد سمت الزعيم العربي) بمصافحة اليهود الذين احتلوا ارضنا فلسطين؟" ، اشفقت على طفلتي الحبيبة ، ولم اشأ ان احبطها، وحرصت على الا تكون بداية انفتاحها على محيطها مصحوبة بهذا العجز عن تبرير التناقض بين التنظير والواقع ... لذا فقد ضممتها الى صدري وحاولت ان انقل محور الحوار بيننا الى قضية اخرى.. لكنها تصر في كل مرة وبعناد على طرح سؤالها الاستنكاري والمثير للاحراج... اثناء جدالنا خطر ببالي الملايين من ابناء العرب والمسلمين الذين ينظرون للامور كما تنظر ابنتي ، يصعب على النشء العربي والمسلم التوفيق بين ما يتلقاه في البيت والمدرسة من حقائق تاريخية ودينية لا يمكن لاحد التشكيك بها وبين الواقع السياسي في عالمنا العربي الذي لا يأخذ بالحسبان ما توارثته الاجيال من معلومات وحقائق حول اليهود مستمدة في كثير من الاحيان من عقيدة الامة وقرآنها...

من الواجب الا تعيش الاجيال العربية حالة الاغتراب بين الانطباعات التي حفرها القرآن حول اليهود  وبين توجه الانظمة العربية لتسويق السلام معهم، مع العلم، وكما يقول الدكتور محمد جابر الانصاري، فإن اليهود لم يشذوا اطلاقا عما وصفهم به القرآن منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا ... وعلى عكس ما هو عليه الحال عندنا فإن الحكومة الاسرائيلية قد تكفلت ومنذ توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" بالقيام بحملات اعلامية شاملة لاطلاع النشء اليهودي على ما تم الاتفاق عليه، وفي سبيل ذلك يحرص المستوى السياسي ابتداء برئيس الوزراء ومرورا بالوزراء وانتهاء بقادة الجيش على فتح الحوار المباشر مع الشبيبة من اجل اقناعهم بصحة توجهات الحكومة ولتحقيق ذلك فإن قادة الدولة العبرية يلقون من الاذى الشديد جراء المواجهة مع الجمهور الواسع ، صحيح ان توقيع المعاهدات مع العرب لم يغير انطباعات اليهود عن العرب ، لكن في المقابل فان الجمهور اليهودي يعلم ان حكومته، وان كان يتفق معها، فإنها تتحرك وفق تفويض جماهيري عبر النتائج التي تفرزها صناديق الانتخاب ... ما ان فرغت من هذا التفكير حتى وجدت صغيرتي قد اسلمت عينيها للنوم على ذراعي .. قبلتها ووضعتها في فراشها وعزمت على الا تقع عيناها على ما قد يؤدي الى هذا الحوار الصعب!

***التنظير والفعل

الاحزاب العربية داخل "اسرائيل" تطالب دوما بالمساواة بين العرب واليهود في الدولة العبرية ، وقد حظي شعار "العمل على دمج العرب في مؤسسات الدولة المختلفة" بنصيب الاسد في حملتها الانتخابية... لكن المضحك المبكي ان زعماء هذه الاحزاب هم وقبل الدولة الذين لا يؤمنون بحق المساواة بين مواطنيهم واليهود ، فرئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة محمد بركة، وعزمي بشارة واحمد الطيبي زعيما التجمع الوطني ، قاموا بتعيين شباب يهود ليتحدثوا باسمائهم...

المسافة بين الشعار والتطبيق هو ميزة تدل دوما على الساسة العرب حتى لو كانوا "ينعمون" بالعمل في جو ديمقراطي ... احد الذين ذكرت اسماؤهم انفا لا يسأم التنظير لمشروعه "القومي" الجديد ، وفي سبيل ذلك يستصغر كل من يجرؤ على مناقشته او حواره... ويتوسع في الحديث عن الطابع العنصري للدولة اليهودية .. ثم يقع هو في نفس الجرم الذي يتهم به  هذه الدولة ... اليس عيبا؟!

***ولا عزاء للضعفاء

التفاؤل الذي اعقب المبادرة البريطانية القاضية برفع تدريجي عن الخطر على العراق سرعان ما انقشع ، اذ تبين ان هذه المبادرة ستعيد السيناريو الذي يسمح باغراق بغداد من جديد في الجحيم ، فقد ذيلت بريطانيا مبادرتها بشرط يكاد ينسف كل ما سبقه ، فعلى العراق قبل ان يتحرر من الخطر ان يثبت بالدليل القاطع عدم امتلاكه للسلاح غير التقليدي، ونظرا لان مهمة التأكد من ذلك ستترك للجنة "الاونسكوم" ، فإن العراق لن يحصل ابدا على براءة ذمة من السلاح غير التقليدي الامر الذي سيشكل مبررا للرئيس كلنتون وللادارة الامريكية وحليفتها بريطانيا ان تستأنف عدوانها على الشعب العراقي ، لكن هذه المرة فإن امريكا التي خرجت للتو منتصرة على يوغسلافيا برئاسة ميلوسوفيتش ، ستكون اكثر تصميما على الحاق الاذى بالعراق.

مساعد وزيرة الخارجية الامريكية مارتن انديك تحدث عن ذلك بصراحة تامة عندما قال "ان صدام حسين يجب الا يتوقع مصيرا غير المصير الذي آل اليه صديقه ميلوسوفيتش واذا كانت الولايات المتحدة قد واجهت صدام سوية مع بريطانيا فإنها الان ستكون مدعومة بدول الناتو قاطبة" ، سواء نجحت امريكا في تجنيد دول الناتو في مواجهتها المقبلة مع صدام ام لم تنجح فإن الواقع الدولي الجديد يتيح لامريكا حرية الحركة اكثر من اي وقت مضى لتواصل تدمير العراق وتعجل ذلك ليقول " لقد قلنا لكم انه يجب رفض تدخل امريكا في كوسوفو لانها ستنفذ ذلك لانجاز مخططاتها في بغداد " .. هذا صحيح لكن هذا لا يعني الامة العربية والانظمة الحاكمة المهيمنة عليها من اتخاذ موقف يسنده فعل ازاء ذلك ...

الكاتب الامريكي جون جريشتاين يسخر من اولئك الذين يتحدثون عن قدرة امريكا المطلقة على فرض ارادتها .. ويقول "صحيح ان مخططي السياسة الامريكية من الصعب ان يستوعبوا الدروس لكن في حال استيعابهم فإنهم يحيدون عن مكامن الخطر" ... ولا عزاء للضعفاء.

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل