ملف جرائم الصرب في كوسوفو

 

العودة إلى صفحة الرسالة


الرسالة تفتح ملف جرائم الصرب في كوسوفو

100 الف قتيل خلال 11 اسبوعا ... وعدد غير محصور من المفقودين

مئات المقابر الجماعية تتكشف يوميا... وقرى احرقت بالكامل

وزير خارجية المانيا: "قتلوا الرجل بالسكين واغتصبوا زوجته واحرقوا المنزل"

الرسالة - عمر قاروط

ملف جرائم الصرب في كوسوفو

الحرب في كوسوفو توقفت بقرار وقف اطلاق النار لكن المأساة التي خلفتها هذه الحرب تفوق الحصر ، وسيكون من الصعب حصرها خلال اسابيع قادمة خاصة بعدما كشفت مصادر صحفية وسياسية مستقلة عن عمليات تضليل مروعة ارتكبتها دول حلف الاطلسي والصرب حول نتائج الحرب على الارض سواء من جهة استهداف المدنيين او حجم الدمار في المرافق والخدمات والمدن والمجمعات السكانية.

فقد اكدت تقارير منظمة "صحافة بلا حدود" وغيرها عدم دقة المعلومات والتقارير التي كانت تصدرها قيادة الاطلسي حول سير العمليات العسكرية ونتائجها فيما اعتبرته بأنه عمل كان مضللا بهدف خدمة الاغراض السياسية وخدمة العمل الدبلوماسي والعسكري التي تقوم به دول الحلف من اجل تحقيق اهدافها الاستراتيجية في الحرب.

وحتى الان لا توجد اية مصادر موثوقة من اجل الحصول على المعلومات حول الوضع في الاقليم بعد ان سكنت الطائرات في مرابضها وانكفأت القذائف في مقاذفها وخيم الرماد على الارض واحتضنت البيوت قاع الارض وكأنها تراب.

والشيء الوحيد الذي ظل جامدا في مكانه هو تلك المقابر الجماعية التي لا يعرف حتى الان عددها ، ولا اعداد الذين قضوا فيها، ولا كيف تم ذلك، ففي الاسبوع الاول بعد توقف المعارك اعلن عن اكتشاف 100 مقبرة جماعية بينما تراوحت اعداد الضحايا فيها بين العشرات والمئات فيما يصف الخبراء صورا لعمليات التصفية ربما لم تعرفها البشرية من قبل كان اقلها دفن الضحايا احياء او قتلهم في طوابير جماعية بطلقات نارية قبل ان تجرفهم الدبابات الى القبور التي حفروها بايديهم قبل موتهم.

والشيء الوحيد الذي ظل حقيقة غير مكتملة لهذه الحرب هو اعداد القتلى فيما تقدرهم مصادر عسكرية بحوالي 100 الف خلال 11 اسبوعا تشير تقديرات اخرى الى ان العدد يفوق ذلك بكثير ، فعشرات القرى احرقت او دمرت على اهلها وبمن فيها ، والاف من الرجال جمعوا وقتلوا من غير حصر ، وان الالاف من المفقودين هم في عداد القتلى وان الاف غيرهم ستنتهي بهم اصاباتهم وامراضهم الى الموت.

والشيء الوحيد الذي ظل شاهدا حيا ومروعا هي تلك القصص والروايات التي يحفظها الناس او جمعتها وثائق المنظمات الانسانية والصليب الاحمر ومنظمات الامم المتحدة حول جرائم التعذيب ومشاهد التنكيل الهوجاء التي عاناها عشرات الاف من سكان الاقليم من قبل الصرب.

**شهادات مروعة

الشيء الوحيد الخالد في هذه الحرب هي تلك الذاكرة المزحومة بالشهادة الخاتمة لهذا القرن لابشع جرائم القرن التي ترتكب بحق شعب اعزل تحت سمع وبصر الشرعية الدولية وحقوق الانسان والديمقراطية المعاصرة والعدالة.

اسمع ماذا يقول رودلف شاربينج وزير الدفاع الالماني في تصريحات صحفية له "ان العسكريين -اي الصرب- يفضلون الرجال من سن 16-60 سنة عمن سواهم ويعتقلونهم واحيانا ما يقتلونهم في الحال، ويقول بعدما يصفهم بممارسات الزعيم النازي هتلر "انها ابادة منظمة تذكرنا بطريقة بشعة بما حدث ونفذ باسم المانيا".

وفي شهادة لوزير خارجية المانيا حية يقول "اطلق النار على رأس رجل وحز عنق التالي له بسكين واغتصبت زوجته واحرق المنزل والباقون سيلوذون بالفرار ، وهذه اكثر الاستراتيجيات بدائية" وكالات 1/4/1999

**فرق الموت

وتؤكد تقارير شبه رسمية ان الصرب شكلوا ما اطلقوا عليه "فرق الموت" التي كانت مهمتها نشر القتل وقصصه المرعبة في كل ارجاء الاقليم ليسهل عليها تفريغ الاقليم من السكان، وفي شهادة لجو لوكهارت المتحدث باسم البيت الابيض قال ان مدينة بيندين دمرت تماما وعدد سكانها 100 الف ، وان سكان بيزرن وعددهم بالالاف ارغموا على مغادرتها ، وهذه شهادة من عشرات الشهادات حول كيفية تصفية مدن بكاملها من سكان وبيوت وتسويتها بالتراب، وهو ما يجعل من ارقام الضحايا اكثر بكثير مما اعلن عنه حتى الان.

ويروي ديفيد شيفر السفير الامريكي المكلف بجرائم الحرب في كوسوفو شهادة مريرة عما ارتكب خلال هذه الحرب فيقول في الاسبوع الرابع للحرب:

"نجهل مصير اكثر من مائة الف رجل في كوسوفو" وتابع "اذا تمعنتم مليا فيما يرويه لنا اللاجئون ، وهو ما لا يمكننا تأكيده حاليا سترون الخطر محدقا بعشرات الالاف من ابناء كوسوفو واكثر من ذلك قد يكونون قد ماتوا في الوقت الحاضر" ، وفي نفس الوقت كشف ناطق عسكري باسم الحلف في حينها عن اكتشاف 43 مقبرة جماعية بعد ان عرض صورا توضحها مشيرا الى ان هذه المقابر مؤلفة من صفوف واضحة جدا من النعوش الفردية الموجهة نحو جنوب شرق اي باتجاه مكة".

ونقلت صحيفة "ذي اندبندنت اون صنداي" عن مصادر عسكرية ان القوات الصربية تجند قسرا رجالا من البان كوسوفو لتشكيل جيش من حفاري القبور بهدف دفن ضحايا الفظائع التي يرتكبونها واخفاء اثرها. وكالات 19/4

وكانت القوات الصربية قد بدأت تنفيذ مخطط للقتل الجماعي لارهاب السكان واجبارهم على الرحيل في وقت مبكر قبل بدء الحرب الاطلسية بعدما تأزم الموقف السياسي وتفاقم الجدل حول مستقبل الاقليم ، ففي تصريحات لوليام ووكر رئيس مجموعة المراقبين الموفدين من منظمة الامن والتعاون في اوروبا قال ان دبلوماسيين امريكيين احصوا 45 جثة في قرية بجنوب الاقليم وحولها 17/1/1999 ، وفي وقت لاحق كشفت تقاير صحفية ان الصرب قاموا بتنفيذ عمليات تطهير عرقي واسعة شملت قتل الالاف من المسلمين المدنيين رجالا ونساء وشيوخا واطفالا وابادة قرى بأكملها وهدم بيوت على رؤوس سكانها بصب حمم القذائف المختلفة الانواع والالوان ناهيك عن عمليات الاغتصاب الجماعي للنساء والفتيات المسلمات وهدم المساجد والمعالم الاسلامية الاثرية دون وازع من ضمير او اخلاق " جريدة القدس 22/1/1999

ومع مرور الايام سيتولى كشف الحقائق المروعة عن اعمال القتل والدمار والمقابر وصنوف التعذيب والاغتصاب والانتقام التي لن يكون بمقدور المرء استيعابها بل وربما يشبهها بالخيال لانها تفوق طاقة استيعاب اي مخيلة انسانية.

**قذارة السياسة الغربية

لكن ثمة سؤال فرض ويفرض نفسه وهو:

طالما هذا هو حال الصرب المعروف عنهم منذ حرب البوسنة والهرسك لماذا لم تقم الدول الغربية وامريكا بأية اجراءات وقائية مبكرا تحول دون ان تتطور اعمال التصفية والابادة لهذا الحد؟ فمن المعروف ان الصرب كانوا هم الدولة الوحيدة في قلب اوروبا التي تعزل نفسها عن منظومة الامن الاوروبي المعاصر وبالتالي فهي بمثابة المفجر لهذا الامن في قلب القارة ، لذا فقد غذت الدول الاوروبية النزعة الاستقلالية للالبان وسربت لهم الاسلحة وشجعتهم على تفجير الخلافات مع الحكومة الصربية المركزية التي كانت بدورها تنتظر مثل هذه المناسبة من اجل القضاء على النزعة الاستقلالية في الاقليم واخضاعه وادارته بصورة مباشرة بعيدا عن الحكومة المحلية التي تشكلت خلال فترة الحكم الذاتي ، وهكذا كان تفجير الصراع مدخل الغرب لتطويع النظام الصربي والالتفاف عليه والقضاء على ميوله الاستقلالية ، وفي نفس السياق ظل الغرب يرقب ويتحين الفرصة المناسبة للانقضاض على النظام الصربي لتصفيته نهائيا ، وتشير تقارير متفرقة ان الصرب قاموا بتنفيذ مخطط لتفريغ الاقليم من سكانه الالبان في ظل الغطاء الذي وفره الاطلسي لتنفيذ هذا المخطط ضمن حسابات اقليمية وعمل دبلوماسي معقد.

فوفقا للتقديرات التي خلص لها الصرب بالتنسيق مع حلفائهم الروس قرروا ان الغرب لن يذهب بعيدا في حربه ضدهم لأن من شأن ذلك ان يحدث له مشاكل كثيرة كما انه من غير الممكن ان يجازف بالحرب البرية لانها ستكلفه اعدادا كبيرة من القتلى ، كما انهم توقعوا ان يسعى الغرب في نهاية المطاف للتوصل الى تسوية معهم على حساب سكان الاقليم الاصليين.

هذه الحسابات وغيرها التي تم اقناع القيادة الصربية بها بينما كان الغرب ينصب الشباك حولها ويدفعها نحو التورط بصورة واسعة في الازمة من اجل تبرير الخطوات التي كان يريد تنفيذها الحلف وهو كان جليا من خلال متابعة سير الاحداث حيث كان الاطلسي يطور ويوسع عملياته في ضوء نتائج المواقف السياسية للقيادة الصربية.

من هنا فإن مأساة الشعب الالباني في كوسوفو  كان الغرب نفسه سببا رئيسيا في تعميقها وتوسيعها  من اجل ان يحقق اغراضه السياسية الانانية والتي كانت جلية في صياغته لاتفاق وقف اطلاق النار والذي كرس وصاية الاطلسي على الاقليم دون ان يعنى بحل المشكلات التي خلفتها الحرب لسكانه الالبان سواء الحالية او المستقبلية ، بل ان الاتفاق المذكور ساوى بين الصرب والالبان امام الاطلسي وجعل الطرفين في قفص واحد بانتظار القرارات والحلول التي سيقرها الاطلسي لها، وبذلك فهو يسلب من الطرفين حرية الاختيار ويطوق تطلعاتهما الخاصة الا ان الالبان في الحقيقة هم الخاسرون من هذا الوضع.

فالاتفاق لا يقدم لهم اية ضمانات لمستقبلهم وامنهم ومصير المهجرين الذين انتشروا بين الدول المجاورة في القارة الاوروبية وهم بعشرات الالاف كما لم يحدد الاتفاق من سيكون المسئول عن الامن الداخلي وان كان الاجراء الذي اقدم عليه الاطلسي بتكليف عناصر من الامن الصربي بالاشراف على المعابر بمثابة خطوة كثيرة الشكوك ازاء المستقبل والذي تدور شائعات ان الاطلسي يهيء الظروف للاحتفاظ بقاعدة دائمة له في الاقليم للاشراف على ادارته.

وتشير التقارير الواردة من كوسوفو ان الصرب قاموا اثناء عملية الانسحاب بعد الاتفاق باوسع عمليات للنهب والتدمير لكل المساكن التي يمرون عليها في محاولة للتمويه على جرائمهم في اعمال القتل البشعة وهذا من الاخطاء التي وقع فيها الاتفاق حيث لم يتضمن الاتفاق اية شروط او قيود على الجيش الصربي المنسحب بشأن ممارساته داخل الاقليم قبل مغادرته وهو ما شجع عناصره على ممارسة اعمال النهب والسلب والانتقام وما شابه ذلك، كما قاموا بزرع كثير من الطرق التي يتوقع ان يسلكها اللاجئون العائدون للاقليم بالالغام وكذلك المناطق السكنية وهو ما حذر منه بعض القادة العسكريين وانتبه له عناصر من جيش تحرير كوسوفو الذي حاول الانتشار بغية الكشف عن هذه الالغام.

اما بالنسبة لخطة عودة اللاجئين فمن الواضح ان الاطلسي لم تكن لديه خطة جاهزة ومقننة لذلك تاركا هذه المسألة الى حين الانتهاء من انتشار وحداته في الاقليم واقامة قواعده ولكن اللاجئين لم ينتظروا التعليمات وتدفقوا من جميع المعابر الحدودية متجاهلين التحذيرات الاطلسية وهو ما يعكس ارتباط الالبان بوطنهم وتمسكهم بالعودة الى مساكنهم وشكوكهم من نوايا الغرب وتشير التقارير ان اكثر من 50 الف الباني عادوا للاقليم في الايام القليلة الاولى من توقف الحرب بينما لا زالت العناصر الصربية الموجودة بالاقليم تواصل عملية النزوح عن الاقليم في اشارة الى عدم حرصهم على اقامتهم في هذا الاقليم.

وتؤكد التقارير المتواترة من هناك ان الالاف من الالبان الذين وصلوا لمناطق اللجوء يعانون من اصابات بالغة وامراض دائمة وحالات من الانهيار شبه التام وهذه ستحتاج لسنوات طويلة للعلاج. بل الكثير منها سيحتاج الى استمرار رعاية طبية طيلة الحياة.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل