كيف قارن براك بين سوريا والسلطة الفلسطينية

 

العودة إلى صفحة الرسالة

معيار الموقف  الاسرائيلي : بقدر ما تملك من قوة  تحصل  على تنازلات

كتب صالح النعامي

في المقابلة التي اجرتها صحيفة  " هارتس " معه بتاريخ 18/6/1999 شدد ايهود براك على  المعايير  التي تحكم  توجهاته  السياسية  وضوابط   تحركاته  على  المسارات العربية ، فبراك عاد وعرض تحقيق الامن " القومي " لإسرائيل  كأهم  نتيجة  يجب  ان  تتمخض عنها  المفاوضات  ، وسيكون  " التصلب"  و " التساهل "  كآلية تفاوض  يستخدمان  وفق  قدرتها  على تحقيق  هذا الهدف  ، ومع ذلك   فان براك  في هذه المقابلة لم  يدع مجالا  للشك  في تفضيله  للمسار  التفاوض السوري / اللبناني  على المسار  الفلسطيني  ، وحتى   هذا التفضيل  كان على  اساس  حجم  المخاطر الامنية  والاستراتيجية  المترتبة  على بقاء   الصراعات  في المسارات  المختلفة  ، فالسوريون  - حسب  براك -  يمثلون  خطرا  استراتيجيا  من الطراز  الاول  بسبب  ثقلهم  العسكري  والاقليمي  . يقول  براك  " السوريون "  يملكون  700 طائرة ،  4000 دبابة ،  2500 بطارية  مدفعية  ، وصواريخ  ارض - ارض  منظمة بشكل جيد  ، مع غطاء  من  غاز  الاعصاب  يمكن  ان يتهدف  اي نطقة  في إسرائيل   ،  براك  الذي شغل  في السابق  منصب  رئىس  الاركان  وقائد الاستخبارات  العسكرية   وقائد  قسم  التخطيط  في الجيش الإسرائيلي  يعلم  ان  التفوق العسكري  الإسرائيلي  الكاسح  مقابل   سوريا  لا يمكن  ضمانه للابد   ،  وان كان   براك   لا يحبذ   الاستفاضة  في الحديث  عن  مثل هذا  الخطر  لانه  لا يريد  ترويع  الشارع  الاسرائيلي  لان سلفه  شمعون بيريس   قد اوضح  اكثر من   مرة علنا  ان إسرائيل  يجب  ان  تستعد  ليوم  يكون فيه  بمقدور  العرب  ان  ينتجوا  سلاحا  ذريا  ، ونظرا  لان  هذا الخطر   مقترن  بالدول العربية   فان سوريا   مرشحة  لدى براك  مستقبلا   للحصول  على  مثل هذا  السلاح  ، من هنا  تبرز  الحاجة  للتوصل الى  تسوية  سياسية  مع الحكومة السورية  بخصوص  الجولان  . فضلا  عن الاخطار  المستقبلية  فان  مفتاح  الخلاص  من التورط  في  جنوب لبنان  ووقف  هذا المسلسل  الدامي الذي   تآكلت   معه  معنويات  الاسرائيليين  بشكل  لم يسبق  له  مثيل   ، فلم يحدث  ابدا   ان اعلن  المستوى العسكري  عن عجزه  عن معالجة خطر امني  .  كما يحدث   الان .  مخططو السياسات الامنية في إسرائيل  لا يتركون  مناسبة  الا وشددوا  على ان  الحل  الامثل  لمشكلة  جنوب لبنان   هو الانسحاب  فورا  ،  ولا احد  يدعى انه  بالامكان  كسر شوكة  حزب الله، فبراك يدرك  ان انجاز  تسوية بخصوص  جنوب لبنان  مرهون  اولا وقبل  كل شيء   بموافقة  سوريا ،  من هنا  فان براك  يرى  اهمية قصوى  في التوصل  لتسوية سياسية  شاملة   مع سوريا  ، وهو  في ذلك  يعتقد  كما  جاء في  المقابلة  انه لا مناص  من اجراء  انسحابات  كبيرة  في الجولان  .

لكنه  لن يوافق  على الانسحاب  من كافة  الهضبة ،  حيث  يقول انه  لا يمكن السماح  للجيش  السوري  بالمرابطة  على ضفاف  بحيرة طبرية  ، ولا يمكن  ان تسمح اسرائيل  باستعادة  سوريا  السيطرة على  مصادر  المياه هناك .

***  الفلسطينيون  هم  الاضعف 

بخلاف التحمس  الواضح  لعقد  تسوية  مع سوريا  ، فان براك  وان  كان  يؤمن  بحيوية  عقد تسوية  سياسية  مع الجانب  الفلسطيني  ،  الا انه يرى  ان هناك  الكثير من   الاسباب  تدعوه  لعدم  ابداء  تنازلات  كبيرة ،  ويتحدث   براك بصراحة   عن الفرق  بين سوريا  والفلسطينيين  ، اذ   يقول  : " الفلسطينيون  هم  الاضعف  من بين خصومنا  ، انهم  لا يهددون   اسرائيل  عسكريا  من اية  زاوية  كانت  ، هذا  الانطباع  يدفع  براك الى  التشدد في  مواقفه  مع الجانب الفلسطيني   ، ففي   المقابلة   الصحافية   يرفض  براك  الربط  بين  الاستيطان   اليهودي   ومستقبل  عملية  التسوية مع السلطة  الفلسطينية  ،   وعندما سألته حنا كيم مراسلة  " هارتس"  : كيف يمكن  التوفيق  بين  تطلعك لسلام مع الفلسطينيين   وتعهدك  بمواصلة   الاحتفاظ  بمستوطنات   : عوفرة وافرات   والتجمعات  الاستيطانية  الكبيرة  ،  ؟ فرد  براك على  ذلك قائلا :  ما علاقة  ذلك بالسلام  مع الفلسطينيين  ، عوفرة  تربض   على احدى  النقاط الاكبر  استراتيجية   ، وارئىل   هي ارئىل  ؟ اما  هم فتوجد لديهم  رام الله  ونابلس  وجنيد  ..."  انا  اتألم  للتنازل   عن  اجزاء  عن ارض اسرائيل   مثل  الحاخام  حاييم  روكمان  ، ومثل  المستوطنين  في  يهودا والسامرة  ،  سيكون  تمزيقا لنياط قلبي  بشكل  لا يقل عنهم  فانا  مرتبط  بهذه  البلاد  عاطفيا  .

من ناحية  ثانية  يشدد براك  على الفارق  الكبير  بين الضفة  الغربية او كما يحرص  على تسميتها  " يهودا  والسامرة "   والجولان  ، يقول براك  " يهودا والسامرة"  تختلف عن الجولان   فهي  سرير  ولادتنا  التاريخية  .

وهكذا  يمكن   من خلال  تصريحات  براك  هذا التبنؤ  بمستقبل  المسار  التفاوضي  الفلسطيني  ، وبكلمات   اخرى  فان موقف براك  يعني ان الطرف  الذي  لا يمسك   اوراق  ضغط   ومكامن قوة  بامكانه  الانتظار حتى يتم  التفرغ  من التسوية  مع " الاقوياء"  وبعد  ذلك  فان عليه  ان يكون  مستعدا   لابداء تنازلات  مؤلمة  وقاسية  .

وفي معرض  حديثه   لــ" هارتس"  يكشف  براك  النقاب  عن واحدة   من الامور  التي  تجعله  لا يبالغ  في السعي  للتوصل لتسوية  مع الجانب  الفلسطيني . يقول  براك :  معظم  الجمهور  الاسرائيلي  يدرك  ان الفلسطينيين  لم يعودوا  يمثلون  تهديدا  على اسرائيل ،   وعلى الرغم  من انه  قد يفهم  من هذا التصريح  ان  الشارع  الإسرائيلي  لا يعارض  تسوية  مع سوريا  ، لكن  في نفس  الوقت   فان هذا  الجمهور  يدرك  ان بقاء  الحل على المسار  الفلسطيني  معلقا  لا ينظر اليه   داخل اسرائيل  كمصدر  خطر  على  الدولة  العبرية  ، وذلك  بخلاف  المسار السوري  اللبناني  ، ويأخذ  هذا  الموقف  درجة  اكثر  صدقية   في حال استمرار  استتباب  الامن  ، وعجز  حركات  المعارضة  الفلسطينية   عن تنفيذ   عمليات  عسكرية  داخل  العمق الإسرائيلي  او  عدولها عن ذلك  ،  لا يدع  براك   مجالا  للشك  في حقيقة   المعيار  الاوجه  للتبني  في التفاوض  مع العرب   قوة   بقدر  ما تملك  من قوة ستحصل على  تنازلات  اسرائيلية  .

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل