المؤرخ اليهودي توم سيغف ينسف "اساطير" اليمين الاسرائيلي

 

العودة إلى صفحة الرسالة

مقاومة الفلسطينيين السبب وراء رحيل القوات البريطانية وليس ارهاب "ليحي" و "اتسل"

صالح النعامي

تزخر ادبيات اليمين الاسرائيلي بكثير من الاساطير والاكاذيب التي تعرض حقائق التاريخ بشكل مقلوب ومضلل ، وعلى اساس هذه الاكاذيب بنى قادة الليكود الاوائل "مجدهم" ، واستمدوا الشرعية الجماهيرية لحزبهم الذي تحول من فصيل سياسي ثانوي الى حزب حاكم ، ومن بين هذه الاساطير هو ادعاء القادة التاريخيين لحزب الليكود ان المنظمات اليهودية الارهابية التي شكلوها في اواسط الثلاثينات وظلت حتى قيام الدولة العبرية هي التي اجبرت الجيش البريطاني على مغادرة فلسطين وبذلك سنحت الفرصة للحركة الصهيونية للاعلان عن قيام دولة "اسرائيل"، ومن يستمع لشهادات مناحيم بيغن واسحاق شامير ودوف سيلانكي الذين قادوا منظمتي "ليحي" و "اتسل" المسؤولتين عن كثير من عمليات التقتيل ضد الفلسطينيين واغتيال العديد من الضباط والجنود والموظفين البريطانيين ، فإنه لابد ان يلمس فيضاً من المبالغة في تقدير دور هذه المنظمات في تعجيل سحب القوات البريطانية ، وقد استطاع منظرو اليمين الاسرائيلي اقناع اغلبية الاسرائيليين بالدور الحاسم الذي كان لهذه المنظمات في اقامة الدولة العبرية ... وان كان القارئ العربي والمسلم يؤمن -وبحق- بالدور الكبير الذي كان لبريطانيا في اقامة الدولة اليهودية ، ليس فقط باصدار "وعد بلفور" ، بل وباتخاذ كل الخطوات العملية من اجل انجاح المشروع "الصهيوني" ... فإن قادة اليمين الاسرائيلي وخصوصاً منظري المدرسة "التصحيحية" التي ارسى قواعدها زئيف جابوتنسكي قد رأوا في الوجود البريطاني بمثابة "عائق" امام تحقيق طموحات اليهود باقامة دولتهم ، ولم تقنعهم كل ما قامت به بريطانيا من اجلهم ، فكانوا يدعون دوماً بأن الحركة الصهيونية قادرة على مواجهة العرب وهي في ذلك ليست في حاجة لوجود بريطانيا ، وهذا كان مبرراً لان تستهدف عملياتهم الارهابية الجنود البريطانيين ... لكن الدكتور توم سيغف احد ابرز المؤرخين الجدد والصحافي البارز في "هآرتس" قد نسف مؤخراً هذه الاساطير ، فبعد دراسة لمرحلة الانتداب البريطاني امتدت لاكثر من عامين ونصف على نفقة "هآرتس" توصل سيغف الى ان مقاومة الفلسطينيين هي التي اجبرت الجيش البريطاني على الرحيل من فلسطين ، وبناءً على مقابلات قادة وضباط بريطانيين خدموا في فلسطين في تلك الفترة وبعد اجرائه اتصالات مع مسؤولين سابقين في وزارة الخارجية البريطانية ويؤكد سيغف في الدراسة التي اسماها "ابان الكولينالية"ان قيادة الجيش البريطاني ضاقت ذرعاً بسبب الارتفاع الكبير في عدد الضحايا نتيجة الهجمات التي تشنها المقاومة الفلسطينية ، لدرجة عجزت معها الحكومة البريطانية تبرير بقاء قواتها في فلسطين امام الرأي العام البريطاني فضلاً عن اسر وذوي الجنود الذين كانوا يخدمون في فلسطين ، بل ان سيغف يدلل على ان الادارة البريطانية لم تغض الطرف عن نشاط المنظمات العسكرية اليهودية ، بل انها قد امدتها بكل ما تحتاج من سلاح فضلاً عن انها لم تقم بعمل اي شيء من اجل منع تدفق السلاح لهذه المنظمات من دول اوروبا الشرقية ، وحتى بعد سلسلة الاغتيالات والتفجيرات التي نفذتها كل من "ليحي" و "اتسل" ضد القوات البريطانية لم تحاربها بشكل منهجي كما كانت تفعل مع العرب ، بل ان الجيش البريطاني قام بمطاردة بعض قادة العمل الارهابي ، ولم يحاول البريطانيون ضرب تشكيلات هذه المنظمات ولا تدمير بنيتها التحتية .

** شريك ام عدو ؟

لكن سيغف يطرح سؤالاً هاماً ومحورياً "هل رأى المجتمع اليهودي في ذلك الوقت في بريطانيا "عدواً" يجب مقاومته ؟؟ اجابة سيغف بعد البحث واضحة وجلية "معظم اليهود بمن فيهم قيادة الصهيونية العملية ممثلة في شخص دفيد بن غوريون كانوا يرون في بريطانيا شريكاً كاملاً في المشروع الصهيوني ، بل ان سيغف يذكر ان بريطانيا كانت عازمة على سحب قواتها من فلسطين في شتاء العام 1946م ، لكن دفيد بن غوريون الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس الوكالة اليهودية قام باتصالات مكثفة مع المندوب البريطاني واركان الحكومة البريطانية لاقناعهم بالعدول عن موقفهم هذا ، وكانت حجة بن غوريون ان قوات "البلماخ" (النواة العملية للجيش الاسرائيلي) غير قادرة على مواجهة العرب في هذه الفترة وان وجود الجيش البريطاني سيكون كفيلاً باعطاء "البلماخ" مزيداً من الفرصة للاستعداد للمواجهة الفاصلة مع العرب .

ويصنف سيغف دور بريطانيا في اقامة دولة اسرائيل بدور الام "البوندكائية" (لفظ بالعبرية يعني المرأة التي يزرع في رحمها بويضة ملقحة لامرأة اخرى) في اشارة للدور الحاسم الذي لعبته بريطانيا في قيام الدولة العبرية ، بل ان بن غوريون وبعيد اقامة الدولة اصدر اوامره للقادة العسكريين بأن يوكلوا للضباط اليهود الذين خدموا في الجيش البريطاني تنفيذ المهام الصعبة نظراً للثقة التي كان يكنها للبريطانيين ، وكان دوماً يشدد في لقاءاته مع البريطانيين على "الاصول الحضارية المشتركة التي تجمع الشعبين البريطاني واليهودي" .

** ممارسات

في رده على دعاية اوائل قادة اليمين الاسرائيلي الاوائل بأن بريطانيا اواخر فترة وجودها في فلسطين حابت العرب ، يعدد سيغف فضل بريطانيا على المشروع الصهيوني قائلاً "لقد اشركونا في حكم البلاد وعملوا على تأمين حرية الهجرة اليهودية لفلسطين ، كما ضمنوا لنا توفير كل السبل لتطوير اللغة العربية والتشجيع على تداولها في مؤسسات الانتداب البريطاني ، مقابل ذلك فقد رأى البريطانيون انفسهم كمن يواصل مهمة الحملات الصليبية ، ويشدد سيغف على ذلك عندما يشير الى تعمد البريطانيين الاساءة للعرب واهانتهم والانتقاص من حقوقهم وقمع توجهاتهم بشكل مؤلم وقاس ، ويقول سيغف "لقد علمنا البريطانيون عدة ممارسات غير انسانية ضد العرب مثل استخدام قوانين الطوارئ ، وحظر التجول ، واغلاق الصحف وغيرها من اجراءات تعسفية .

** العرب اي معاملة

ويكشف سيغف في دراسته النقاب عن قدر كبير من الاهانة والاحتقار التي تعامل بها قادة الحركة الصهيونية مع ضباط الجيش البريطاني او المواطنات الانجليزيات في دوائر الانتداب المختلفة ، حيث يتميز هذا التعامل بالاستعلاء والفظاظة . ولم تحل المساعدات الكبيرة التي تلقتها دولة اسرائيل من بريطانيا دور تعرض المواطنين البريطانيين للاذى بعيد اقامة دولة اسرائيل وبدون مبرر . ولعل ما حدث مع مايكل كرينات ، مدير شركة الكهرباء في القدس وهو مهندس بريطاني ادار هذه الشركة ما بين العام 1940 و 1946م ، عمل خلال هذه الفترة على تزويد الاحياء اليهودية بالكهرباء بشكل متواصل ، بل انه قدم خدمات خاصة للمنظمات اليهودية الارهابية ، لكن ذلك لم يشفع له ولانه تلكأ في العمل اثناء حرب 48 وبسبب الحرب ، فما كان من منظمة "اتسل" الا ان القت عليه القبض ووجهت له تهمة التعاون مع العرب ، وسلمته للشرطة التي قدمته للمحاكمة وقد حكم عليه بالسجن لسبع سنوات ، وبعد عامين تبين للسلطات انه برئ مما وجه اليه من تهم ، ويقتبس سيغف من رسالة بعث بها كرينات لعشيقته اليهودية من داخل السجن يقول فيها "لقد قلت لك دوماً ، ولم تصدقيني ، انهم لن يقبلوا بريطانياً هنا الا ان يظهر تعاطفاً تاماً معهم ، لقد اعتقدت اني قدمت لهم من المساعدات ما يكفي لكن يبدو ان ذلك لم يكن كافياً ، يمكن لو اخبرتهم ان عشيقتي يهودية لكانوا يتعاملون معي بصورة اكثر انصافاً" .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل