بالمختصر المفيد

 

العودة إلى صفحة الرسالة

السياسة : بين الخوف الاستحياء

عجوز عاصر حكم الاتراك والانجليز والمصريين ثم عصر الاحتلال ثم السلطة الفلسطينية قال لي جملة مختصرة ومفيدة "اليهود يخاوفون ولا يستحيون" ، وهذه عبارة ان كانت لغوية فإنها تختزل " المناورات ، والمفاوضات" السياسية بين مصطلحي "الخوف" و"الحياء" ولقد اثبتت التجربة الطويلة الممتدة على مدى خمسين عاماً انهم كذلك ، اذ انهم -اليهود- دوماً من النوع الذي ترهبه القوة وتجتذبه اجواء اللف والدوران واضاعة الوقت . حزب الله الذي يفهم هذه المعادلةجيداً يقف في الاتجاه الصحيح ، فاسرائيل بترسانتها الضخمة وقواتها المترفة عسكرياً "تخاف" من حزب الله ، غير انها في نفس الوقت لا "تستحي" من العرب عموماً ومن الفلسطينيين على الوجه الاخص .

ومن ثم فإنها على الجبهة الشمالية تجري وتلهث وراء الحلول ومستعدة لدفع الثمن حتى لو كان الخروج فجأة من الوحل اللبناني، بل انها عقدت اتفاقاً مع حزب الله في العام 96 وتحاول "احترامه" خشية ان يرد لها حزب الله الصاع صاعين. اما على الجبهة الاخرى فإن اسرائيل لا "تستحي" ان تدير ظهرها لطاولة المفاوضات وللسلطة وللولايات المتحدة ولكل ما يسمونه بالقوانين والاعراف الدولية .. والمجتمع الدولي ومجلس الامن . لان فقدان"القوة" يعني غياب الحياء.

وتتبع اسرائيل القاعدة النبوية "ان لم تستح فافعل ماشئت" فلا تستحي من سرقة ارض او هدم منزل او توسيع مستوطنة او سفك دم مواطن .. الاشكالية والمعضلة المستعصية والمتناقضة في آن واحد ان الطرف العربي (الرسمي) "يخاف" من اسرائيل و"تستحي" منها في آن واحد وهذا يدفع نتنياهو لان يستخف مرة بالرئيس المصري ثم بالرئيس الفلسطيني ويخطط لاغتيال الرئيس العراقي، مؤكداً ان حكام العرب لا يريدونه في الحكم لانهم"يتصببون عرقاً منه" !!

ان لغة "الخوف" على رقبة الاحتلال يجب ان تظل دوماً مسلطة، لان ذلك سيضعه في "خانة اليك" .. ضعيفاً مهزوماً ، يستجدي السلام والامن .. لغة "الخوف" بالفعل اثبتت جدارتها وانها الاقدر على هزيمة العدو في ساحة الحرب وساحة المفاوضات ، اما لغة "الحياء" فلا توجد في قواميس الاحتلال ، ومن ثم فإن المراهنة على استبدال "الطواقي" في اسرائيل يعني المراهنة على حصان اعرج في سباق ماراثوني !     !

هل يمكن ان نقضي سنوات قضيتنا تحت سيف "الخوف" و"الحياء" بدل ان نخيف ، ونخلع برقع "الاستحياء" كي نرى هذا العدو جيداً ويعرف -كذلك- قوتنا جيداً ، هل نتعلم الدرس من حزب الله -رغم كل المعاذير والتبريرات التي تساق تحت مسميات اختلاف الموازين وتضارب مصالح الدول !!

اعتقد انه بالامكان "اخافة" اسرائيل وجعلها تعيش في وضع لا تحسد عليه امنياً وسياسياً

السؤال المهم : كيف؟ باعتقادي ان الجميع يعرفون الجواب لكن البعض يكابر بأن "النظام العالمي" اليوم لا يحتمل لغة "الخوف" بقدر ما يدعو الى لغة "الاستحياء" .. لانها اللغة المفضلة في عالم التراجعات والانهزامات والانكسار!!

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل