لماذا غير الطرف الفلسطيني موقفه من الإقتراح

 

العودة إلى صفحة الرسالة

لماذا غير الطرف الفلسطيني موقفه من الاقتراح ؟!!

هدف اسرائيل من فكرة الكونفدرالية : تصفية قضايا المرحلة النهائية

** الاردن : استقرار النظام اولى

كتب / صالح النعامي

فجأة برزت على السطح من جديد فكرة اقامة اتحاد كونفدرالي بين الكيان الفلسطيني والمملكة الاردنية ، وعنصر المفاجأة هنا يكمن في حقيقة ان الجانب الفلسطيني هو الذي يطرحه على الرغم من ان القيادة الفلسطينية كانت قد تحفظت عليه لانه يستبق وصول مباحثات الحل الدائم الى نهايتها ، كما ان الموقف الفلسطيني يأتي عشية اجراء الانتخابات الاسرائيلية العامة في 17/5/1999 ، وعلى الرغم من انه لم يطرأ اي عامل خارجي يوحي بضرورة تعديل السلطة لموقفها سيما وان قضايا المرحلة النهائية لم يبدأ ببحثها فقط ، بل قضايا المرحلة الانتقالية لم تنجز ايضاً ،فإن هذا يدفع الى التساؤل حول الاسباب الكامنة وراء هذا التغيير في الموقف الفلسطيني . في المقابل كانت الحكومة الاردنية قد اعلنت رفضها لهذه الفكرة على اساس انه يتوجب في البداية ترسيم الكيان الفلسطيني ومن ثم يمكن التفكير في هذا الاقتراح ... فماهي الدوافع وراء هذا الموقف ؟؟ وما التصورات الاسرائيلية المختلفة حيال هذه القضية ؟؟ وكيف يمكن ان تساهم الادارة الامريكية في تسريع العمل بهذه الفكرة !!

** لماذا الكونفدرالية ؟؟

في صيف العام 1987 واثناء تولي حكومة "الوحدة الوطنية" مقاليد الامور في اسرائيل وقبيل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية توصل وزير خارجية اسرائيل آنذاك شمعون بيرس والملك حسين الى مسودة اتفاق حول الحل النهائي للاراضي الفلسطينية وذلك عبر اقامة اتحاد كونفدرالي بين الاردن والاراضي الفلسطينية وذلك بالطبع بتجاوز م.ت.ف وقيادتها وبدلاً منها اشراك شخصيات فلسطينية اعتقدت اسرائيل والاردن انها مستعدة للتجاوب .

وقد اطلق على هذا الاتفاق "اتفاق لندن" حيث كانت العاصمة البريطانية هي المكان الذي احتضن لقاء بيرس/حسين . كانت اسباب وجيهة تدعو اسرائيل والاردن للاندفاع نحو هذا الاتفاق، ولعل السبب الابرز وراء ذلك كان الضعف الكبير الذي لحق بمنظمة التحرير الفلسطينية وفقدانها الكثير من اوراقها الضاغطة ، واعتقاد اسرائيل والاردن انه بالامكان استغلال ضعف م.ت.ف من اجل انجاز مثل هذه التسوية بحيث يتم حصر المشاكل العالقة للبحث بين الجانبين .

على الرغم من قطع الملك حسين وبيرس شوطاً كبيراً حتى توصلا الى هذا الاتفاق الا انه احبط تماماً عندما حاول الاخير تمريره في مجلس الوزراء الاسرائيلي ، اذ اكد رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك اسحاق شامير رفضه المطلق له ، شامير الذي رفض اتفاقيات "كامب ديفيد" في السابق ويؤمن بفكرة ارض اسرائيل الكاملة، كان يرفض التخلي عن اي مساحة من الارض في الضفة الغربية حتى للاردن . وكان رفضه قاطعاً لدرجة ان بيرس والملك حسين اقتنعا انه يتوجب صرف النظر عن هذا الاقتراح . من هنا نرى بوضوح ان شمعون بيرس كان يرى في "الخيار الاردني" مصلحة اسرائيلية من الطراز الاول. كما كان يرى ان الكونفدرالية بين الاردن والكيان الفلسطيني تشكل مخرجاً لحل الكثير من القضايا بالغة التعقيد والتي يصعب على الفلسطينيين والاسرائيليين هضمها.
ان بيرس كان مثله مثل جميع الساسة الصهيونيين الذين يرفضون اي تسوية بشأن مصير مدينة القدس باستثناء تسليم الاطراف العربية والاسلامية ببقاء هذه المدينة كعاصمة "موحدة وابدية" لدولة اسرائيل ، ولانه يصعب دفع القيادات العربية التي تفاوض اسرائيل علانية ومباشرة نحو هذا الموقف، فإن الاعلان عن اقامة كونفدرالية بين الاردن والكيان الفلسطيني بحيث تكون عاصمته عمان بصرف النظر عن مسألة القدس ، من هنا فإن الدعوة للكونفدرالية جوهرها -حسب المنطق الاسرائيلي- تخلي العرب عن المطالبة بالقدس الشرقية .

2ـالكونفدرالية بين الكيان الفلسطيني والاردن تشكل مخرجاً ايضاً لمعضلة الحدود ، حيث ان اسرائيل تصر على ان نهر الاردن سيكون حدودها الشرقية ، وترفض ان يكون هناك جيش فلسطيني داخل الضفة الغربية وقطاع غزة ، والكونفدرالية تعني اعادة انتاج الوضع الحالي للحدود بين اسرائيل والضفة الغربية.

3ـ الكونفدرالية تمثل بالنسبة لاسرائيل مخرجاً ايضاً لمعضلة اللاجئين ، فالجانب الفلسطيني عكف على المطالبة باعادة مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين الفلسطينيين الذين تشتتوا في بقاع الارض الى فلسطين ، كما ان قرارات الامم المتحدة وتدعو الى اعادتهم او تعويضهم لكن ونظراً لان الاردن يضم اكبر عدد من اللاجئين فإنه بإقامة الكونفدرالية تسقط -بنظر الاسرائيليين- الدعوة لاعادة هؤلاء الى فلسطين اذ ان اللاجئين الفلسطينيين في الاردن يعتبرون عند تشكيل هذه الكونفدرالية بمثابة مواطنين فيها ، واذا تم تسوية مشكلة اكبر تجمع للاجئين على هذا النحو فإنه يسهل بالتالي حل مشكلة اللاجئين في البلدان الاخرى .

4ـ الكونفدرالية يمكن تقبلها لدى الرأي العام الاسرائيلي ، الذي لا يميل لقبول فكرة الدولة الفلسطينية ، وهذا يشكل اقامة كونفدرالية يصورة يمكن ان يقبلها الجمهور الاسرائيلي ولا تحرج الحزب الاسرائيلي الذي تتولى حكومته التوقيع على تسوية ما.

5ـ عن طريق الكونفدرالية يمكن لاسرائيل التوصل لاتفاق حول مصادر المياه والطاقة يتم من خلالها ابقاء الوضع الراهن مع ادخال بعض التعديلات .

من هنا تتضح المكاسب الكبيرة التي تعود على الدولة اليهودية جراء تطبيق الكونفدرالية بين الاردن والكيان الفلسطيني .

**الانتفاضة تسحب الخيار الاردني

نشوب الانتفاضة اتاح لمنظمة التحرير الفلسطينية فرصة ذهبية سمحت لها باستعادة نفوذها في الضفة الغربية وقطاع غزة واستطاعت عبر حركة فتح التي كانت العمود الفقري للمنظمات الفلسطينية العلمانية التي كانت تدير الانتفاضة الى جانب حماس والجهاد الاسلامي ان تلعب دورا هاما. واصبحت الانتفاضة هما كبيرا وتهديدا متواصلا للامن الاسرائيلي سيما بعد ان توصل قادة اسرائيل الى قناعة مفادها انه ليس بالامكان انهاء الانتفاضة عبر وسائل الحسم العسكري ، من هنا كانت الحاجة الاسرائيلية للتوصل الى صيغة تستطيع اسرائيل عبرها انهاء تهديد الانتفاضة باقل الخسائر سيما بعد ان تيقن الاسرائيليون ان الطريق باتت مهددة امام حماس لتكون اللاعب الرئيس على الحلبة الفلسطينية بعد ان اخذ العمل العسكري لهذه الحركة زخما كبيرا، فتولد لدى الحكومة الاسرائيلية برئاسة اسحق رابين وشمعون بيرس قناعة مفادها انه لا سبيل امام الدولة العبرية الا التفاوض مع م.ت.ف ، وان العودة للخيار الاردني لا طائل منه، حيث ان دخول الاردن لن يؤدي الى تهدئة الانتفاضة ، من هنا كان التوجه الاسرائيلي للبحث عن طرف فلسطيني فكانت لقاءات اوري سافير - ابو علاء وتوقيع اتفاق اوسلو ، وهذا الامر ادى الى تراجع الخيار الاردني لصالح خيار م.ت.ف.

**تغيير الموقف الفلسطيني

حرصت اسرائيل عبر تطبيق اوسلو ، وبعد تشكيل السلطة الفلسطينية على تحقيق الاهداف التي رأت الكونفدرالية يمكن ان تنجزها لها. وعليه فإن فترة حكم حزب العمل في العام 1996 دون انجاز حتى مستلزمات المرحلة الانتقالية ، وجاء حكم الليكود برئاسة نتنياهو الذي يرفض الخيار الاردني والخيار الفلسطيني ، فكل ما يمكن ان يسمح به نتنياهو حكم ذاتي محدود الصلاحيات ، وعلى الرغم من اعلان نتنياهو انه سيحترم التزامات حكومة حزب العمل السابقة الا انه عمليا لم يعمل فقط على تجميدها، بل انه حرص على ترسيخ قناعة لدى الجانب الفلسطيني والادارة الامريكية مفادها انه في ظل حكمه لن يتغير الوضع الراهن قيد انملة.

في ظل هذا الواقع فإن السلطة الفلسطينية وجدت نفسها محاصرة تعاني من ندرة الخيارات، فهناك امر واحد لا ثاني له في ظل استمرار عودة نتنياهو الا وهو بقاء الوضع الراهن مع كل ما ينطوي عليه مثل هذا السيناريو من مخاطر على صدقية السلطة الفلسطينية امام الجمهور الفلسطيني سيما في ظل الازمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ، في ظل هذا الوضع فإنه يبدو ان شمعون بيرس قد استغل المأزق الفلسطيني وعاد يسوق خيار الكونفدرالية ، على الجانب الفلسطيني ليصبح مطلبا فلسطينيا بعد ان كانت ترفضه ، طبعا شمعون بيرس لم يطلع الطرف الفلسطيني على اهدافه من خلال احياء خيار الكونفدرالية.

ويمكن الافتراض ان توقيت التحول في الموقف الفلسطيني حيال خيار الكونفدرالية ذو مغزى حيث انه يتزامن مع قرب اجراء الانتخابات الاسرائيلية ، وكما تدل استطلاعات الرأي العام في اسرائيل حتى الان على ان التنافس على رئاسة الوزراء الاسرائيلية سينحصر في الجولة الثانية بين ايهود براك وبنيامين نتنياهو ، واذا كانت القيادة الفلسطينية على يقين انه بفوز نتنياهو مرة اخرى فإن "اوسلو" قد تم قبره نهائيا ، فإنها تدرك ايضا ان ايهود براك من اكبر المتحمسين للخيار الاردني والكونفدرالية بين الكيان الفلسطيني والاردن ، وذلك لنفس الاسباب التي يتحمس لاجلها شمعون بيرس ، من هنا قد يكون هذا السبب وراء التغيير في الموقف الفلسطيني لكن يفترض ايضا ان تكون القيادة الفلسطينية على ادراك بالمخاطر التي تنطوي عليها فكرة الكونفدرالية على الاقل حسب الذهنية الاسرائيلية لان الكونفدرالية كما تريدها اسرائيل بقيادة براك وبيرس هي اعادة انتاج الوضع الراهن وتصفية قضايا المرحلة النهائية الهامة والتي تعتبر الاساس الذي يمكن ان يحدد شكل الكيان الفلسطيني وتتحكم الى حد كبير في شكله.

**الرفض الاردني

لكن في المقابل فإن الامر لا يتوقف على ارادة اسرائيل والسلطة الفلسطينية ، فالاردن هو الذي يحسم هذه المسألة ، وقد كان الرد الاردني على الاقتراح الفلسطيني سلبيا ورافضا ، وقد فسر وزير خارجية الاردن هذا الموقف بأن حكومته تشترط قبل الخوض في بحث هذا الاقتراح ان تقام الدولة الفلسطينية اولا.

الاردن الان وبخلاف الاوضاع التي كانت سائدة عشية توقيع اتفاق "لندن" في العام 1987 يشعر انه من الافضل للنظام الملكي ان يحافظ على استقلالية تامة عن الكيان الفلسطيني.

ولعل السبب الاوجه وراء هذا التوجه الاردني يكمن في حقيقة ان 70% من سكان الاردن هم من الفلسطينيين ولذا فإن نشوء اتحاد بين كيان فلسطيني تديره م.ت.ف والاردن يمثل تهديدا لبقاء ولاء هؤلاء الفلسطينيين للحكم الملكي، وبالتالي قد يؤدي الى زعزعة استقراره ، ومن ناحية ثانية فإن معظم رأس المال في الاردن يقع في ايدٍ فلسطينية ولذا فإن نشوء اي نوع من انواع العلاقة بين الكيان الفلسطيني ورأس المال هذا الامر الذي يهدد البنية الاقتصادية والاجتماعية في الاردن التي تشكل صمام الامان بالنسبة للاسرة الهاشمية ، على الرغم من الزيارات المتبادلة بين القيادة الفلسطينية والحكم الاردني فإن هناك ازمة انعدام ثقة متبادلة بين الجانبين تكاد تكون نهائية وحاسمة ، وهذا لا يدع مجالا للاطمئنان حول نوايا كل طرف لدى الطرف الاخر.

لكن من الصعب الافتراض ايضا ان بيرس قد اقنع الادارة الامريكية بـ "عقلانية" التوجه الذي يؤمن به ، من هنا لا يستبعد ان تلجأ ادارة كلنتون لاقناع الاردن، والسلطة الفلسطينية بقبول هذا الاقتراح الذي لن يستفيد منه الا اسرائيل!.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل