من شوارع الوطن

بقلم : صلاح البردويل

العودة إلى صفحة الرسالة

 

اجتماع الطبلية المستديرة

كانت البداية حينما تربع فتفوتة وابناؤه الذين حلف بالطلاق انه لا يعرف عددهم ، وامهم سعدة العيّانة حول طبلية السفرة لتناول طعام الغداء ، حيث دار جدل ديموقراطي حول جدوى اضافة اللبن الى المجدرة بدلا من السلطة ، وكان الرأي الغالب والذي يرجحه فتفوته وزوجته انه لا داعي للبن طالما ان السلطة متوفرة ، واضاف الابن الاكبر : ان صديقه الذي يعمل طباخا لدى احدى الشخصيات الكبيرة اخبره بان معلمه لا يستغني ابدا عن السلطة مستذكرا ما قرأه في احدى الصحف الممزقة عن فوائد السلطة الكثيرة ... واستفاض الوالد في شرح النعمة التي انعمها الله عليهم حيث يجدون اللقمة وغيرهم لا يجد ، ويجتمعون معا وغيرهم في السجون يموتون موتا بطيئا وسريعا ، وهم يجدون السقف الذي يستظلون تحته وغيرهم لم تعد تحتملهم عفونة المخيمات ، وهم يجدون لهم ابا يعمل عتالا ويحصل في الشهر على ما لا يقل عن المائة دينار .. بينما غيرهم لا يجدون عملا ، واستطردت سعدة العيّانة ترفع الروح المعنوية للايدي التي انهالت على صحن المجدرة تذكرهم بجوع اجدادهم ايام تركيا وجوع آبائهم ... وتنهدت وقالت : الحمد لله ... وبس . قال فتفوتة : الا ترون ما يحدث في كوسوفو ... واثيوبيا ؟

الا ترون ما يحدث في العراق وفي لبنان ... والله اننا في الف نعمة .

كان صحن المجدرة قد تحول في عيون الاولاد الجائعين الى فراخ محشية .. وكان والدهم فتفوتة يتحول امام اعينهم الى موظف كبير في السلطة وكادوا يسمعون خرخشه اساور الذهب في ايدي امهم تملأ المكان غنىً وسعادة ... وارتفعت الطبلية بهم لتصبح طاولة سفرة معتبرة ، وتخيلوا اختهم الغلبانة التي لم تجد لها مكانا على الطبلية نادلة او خادمة ... وكلما نهق حمارهم الذي يتلوى بالباب ظنوا ان سيارة الجيب في انتظارهم الى النادي ليستكملوا هناك سعادتهم وانطلاقتهم ... وما تزال ايديهم تصارع الصحن حتى صرعته وقضت عليه ... واخذوا يصفقون ويتجشّأون ويصرخون الواحد تلو الاخر على الخادمة : ماء .. ماء ...

قال فتفوتة : الحمد لله يا اولاد .. قوموا اغسلوا ايديكم وانت يا سعدة اعطي ما تبقى في الطنجرة لاولاد الجيران .. مساكين .. والرسول يقول : من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ... وقام الاولاد ليغسلوا ايديهم فلم يجدوا صابونا ولم يجدوا حوضا للتغسيل ... ثم تذكروا انه لاداعي للتغسيل فليس ثمة آثار للدجاج المحشي في ايديهم ، وطل احدهم اعلاه من حوش البيت بعدما نبهته حمامة حينما اسقطت على رقبته شيئا باردا .. فرأى حول بيتهم الابراج ... وسمع اصوات السيارات : قالوا : ابعثوا باحدكم الى الدكان فليأتكم بزجاجة كولا ، واذا بالخرخشة تصمت صمت القبور وكان حمارهم يمد بوزه مستنكرا تركه بلا طعام ولا شراب وانكمشوا مرة اخرى حول الطبلية المستديرة ينتظرون الشاي .. وعاد فتفوتة يحدّث عن القناعة والستيرة ، ويدعو الله ان يحمي اولاده وذريته من الحكومات الظالمات وان يهد الظالمين بمعرفته وقدرته ... والاولاد ينظر بعضهم الى بعض ويقولون : آمين ... واذا بالباب يطرق .. طابور من السيارات الفارهات والشباب الحلوين .. اقتحموا البيت بسلاحهم .. قلبوا الطبلية .. فتشوا البيت .. اقتادوا ثلاثة من الاولاد الى خارج البيت .. كانت سيارات الجيب في انتظارهم .. ولكن ليس الى النادي .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل