رسالة 49

د. عطا الله أبو السبح

العودة إلى صفحة الرسالة

1ـ الى جدّي

السلام عليك عزيزي ورحمة الله وبركاته..

اتوجه اليك جدّي فرارا من الغم العربي ، الذي ملأ الكون من حولنا ، واطبق على رقابنا ، وداس بحذاء ثقيلة قلوبنا ، فجعل احلامنا كذبة كبيرة لها وخز الاشواك في حلوقنا ، وعذابات الشوق في عيوننا ، كذبة كبيرة يغنيها رهط من ابناء الليل ، وبناته ، كذبة تقول : اجيال ورا اجيال ، حنعيش على حلمنا ، واللي نقوله اليوم محسوب على عمرنا .. جايز ظلام الليل ، يبعدنا يوم إنما ، يقدر شعاع النور ، يوصل لأبعد سما ، دا حلمنا .. طول عمرنا .. حضن يضمنا .. كلنا، مجرد كذبة ، والواقع يؤكدها ، اجيال تائهة ، تتلقى ثقافتها من اعلام غنائي .. يفوح برائحة التبعية والاختراق ، لا يحمل هوية العرب العاربة ، ولا المستعربة .. كذبة رددناها وصدقناها على مدى خمسين سنة ، ولا زلنا نرددها ، ونصدقها ، لانها تحجبنا امام ضمائرنا ، وتخفي حقيقتنا عن اعيننا ، تغلف عجزنا ، وتفاهتنا ، تبرر لنا وجودنا غير المبرر بين البشر ، نرى من خلالها عورات غيرنا، وتصيبنا بالعمى ، فلا نرى عوراتنا ، ونذهل عن سترها ، فإذا بنا ، على رأي طيب الذكر كارم الاناضولي (اشكال على هيئة البشر) .. مجرد اشكال يا كارم ولسنا غير ذلك ، اشباه رجال ، نصفع ولا نغضب ، بل نبتسم ، ونجلد كل من حدثته نفسه منا بالغضب ، فالغضب على من يصفعنا حرام ، ارهاب ، تخلف ، عمالة ، نستمتع برؤية اشلاء بغداد ، وقيود طرابلس (الغرب) ، ودمار الشفاء في الخرطوم ، وذبح انسان السودان ، وارض السودان ، تدمر عواصمنا عواصمنا ، ونحن نغني للحلم العربي ، وتدوس كرامتنا كرامتنا ، ونحن نغني ، يجتمع الاخوة في بيت العرب ، واذا بهم اخوة اعداء ، وتخور عزيمة رب البيت : عصمت عبد المجيد ، فلا يقوى على ان يجامل ضيفه المسكين : الصحاف ، امام غيره من الذين يتنافخون شرفا ، وعراقة ، وعروبة ، والكل يضيق ذرعا بالكل ، يستثقل ظله، يرى فيه عميلا ، سارقا ، دعيّا، تافها، الكل يتمنى ان يسكت الكل ، يجبن ان يجابه ذاته، ويحاور ضميره ، منذ مائة عام او يزيد لم يتبدل الحال ، اجيال تجز رؤوس الغزاة وينزوون الى زوايا مظلمة ، حيث الفقر ، والمرض ، والتخلف ، واحلام اليقظة ، والترنح على انغام كأنغام الحلم العربي ، نقتات الزهد ، ونلوك السياسة كحزمة من القات ، تسري في اوصالنا خدرا ، تحملنا حتى تلقي بنا الى جانبي نهر الحياة زبدا ، لا وزن لنا ، ولا قيمة ، تافهين تفاهة تضامننا ، ومبادراتنا ، تافهين تفاهة احلامنا ، واختياراتنا التي تجعل من عادل امام من عظماء القرن العشرين بجانب عبد الناصر ، وفيصل ، وعرفات ، وعمر المختار ، واحمد بن بللا ، وتقدم فاتن حمامة على احمد ياسين ، وسيد درويش على محمد الغزالي ، ويوسف وهبي على يوسف القرضاوي ، ونزار قباني على عمر المختار ، وغادة السمان على ناجي العلي ، وهدى شعراوي على عز الدين القسام وعبد الكريم الخطابي وشلتوت.

هل نعرف ماذا نريد؟

هل نعرف انفسنا؟ وهل نعرف اعداءنا ؟ هل لنا ارادة؟!

والف هل وهل تطل من زوايا حياتنا، وتلافيفها ، وخلجانها، وسراديبها ، ومن دواخلنا ، من قهرنا ، من عيون اطفالنا، من ملامحنا ، وسماتنا .

لم تتغير حال جامعتنا منذ صرخ في وجهها عبد القادر الحسيني ، ودمغ قائد القوات العربية (العراقي) الفريق اسماعيل صفوت ، واركان حربه بالصلف والعجز واللامبالاة ، ليعود مرجلا يغلي ، حاملا روحه على كفه ، ملقياً بها في مهاوي الردى ، مصمماً على احدى حسنيين : حياة تسر الصديق ، او ممات يغيظ العدا ، فكان له ما اراد وفاز بكلتيهما ، لتقفز (هل) مرة اخرى مشاغبة .

هل لو عبث عبد القادر من جديد ، فكم اسماعيل صفوت سيلاقي من المحيط الى الخليج؟ وهل سيصل الى القسطل ليقاتل يهود؟! ام سيغرق في محيط الزبد العربي ، الذي تجمع على جانبي نهر الحياة ؟ وهل ستقتله رصاصة غدر واحدة ، ام ستقتله العيون الوقحة الخائنة ، بعد ان تشي به لالف الف رصاصة تنتظره في جوف (محمول) ؟.

ترى .. هل انا متشائم ؟! لا اظن .

2ـ الى البيبي ..

لم يأت وزير دفاعك المطرود السفاح مردخاي بجديد عندما نعتك بالتفاهة والغباوة والكذب .

فهي صفات ملازمة لك قالها ربنا عنك في قرآن يُتلى حتى يرث الله الارض ومن عليها .

لقد (فرتكت) الليكود بعد ان نبذك ازلامه ، لتأتي بحفنة من السفاحين، القتلة ، المجرمين من امثال (ارنس) . ولكن سيعض آخرهم على ذيل اولهم ، وسيتمزق شملكم من جديد، هكذا قال ربنا : قلوبكم شتى؛ لانكم لا تفقهون مراد الحق، حتى وان بدوتم ألأم من البسوس؛ لانكم احمق من براقش . هكذا انتم، ما ملكتم مقاليد امور العرب الا لان العرب يمرون بحالة استثنائية، اختصروا خريطتهم لتشكل (حفر الباطن) ورضوا ان يكون (كلينتون) حادي عيسهم، وان يكون امير مضاربهم (توني بلير)، وان يحتسوا القهوة من يدي (السادات) . انها حالة استثنائية يا (بيبي) واسأل التاريخ .

3ـ الى صديق عزيز

صديقي الغالي جدا، هزني دمعك المتألم، واثار في نفسي اشجاناً، واشجاناً . لا اريد لك ان تنهزم ابداً؛ فأنت كبير، كبير . انني على يقين بأن غدا اكثر اشراقاً من اليوم، ومن امس، وان اشد ساعات الليل حلكة يعقبها -على الفور- انبلاج الفجر. هيا ابتسم فأنت المستقبل ، وارجو ان تسمع معي همسة الشابي وهو يقول :ـ

ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر

والسلام عليك صديقي ورحمة الله وبركاته ،

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل