الأنظمة العربية وحبات الرمل

نهاد الشيخ خليل

العودة إلى صفحة الرسالة


رغم انخفاض سقف التوقعات والامال التي عُلقت على الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب ، الا ان النتائج جاءت مخيبة لتلك التوقعات المتواضعة والامال المنخفضة ، فقد خرج وزير خارجية العراق محمد سعيد الصحاف غاضبا من الاجتماع بسبب عدم موافقة وزراء الخارجية العرب على تضمين البيان الختامي للاجتماع ادانة للعدوان الامريكي على العراق ، ومطالبة الدول العربية رفع الحظر المفروض على العراق فورا، وادانة منطقتي حظر الطيران شمال وجنوب العراق.

وبعيدا عن اعتبارات النظام العراقي وتطلعاته ، فإن البيان الختامي للاجتماع الوزاري العربي حرص على طمأنة الولايات المتحدة الامريكية واحجم عن تبني المواقف التي تتطلع اليها الجماهير العربية. فهذه الجماهير تريد للقواعد العسكرية الامريكية وحاملات الطائرات البريطانية ان ترحل بغير رجعة ، وتريد للانظمة العربية ان تتسامح مع بعضها وان تنهي خلافاتها التي لا مبرر لها اصلا ، اما الولايات المتحدة الامريكية فتطلب من الانظمة العربية الا تدين العدوان ، وان تبني صياغات يمكن الاعتماد عليها في تبرير ضربات اضافية للعراق، وهذا ما تبين من خلال الورقة التي كشفها العراق قبيل عقد الاجتماع بايام.

وقد جاءت نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب في الرابع والعشرين من الشهر الجاري لتؤكد ثلاث حقائق مؤلمة وهي:ـ

1ـ عجز الانظمة العربية عن التوصل لاتفاقيات لحل خلافاتها وصراعاتها المريرة.

2ـ  قوة وفاعلية الضغوط الامريكية في الساحات العربية.

3ـ عجز الحراك الشعبي العربي الذي استفزه العدوان على العراق عن الدفع باتجاه تحقيق الحد الادنى من التفاعل الايجابي فيما بين الانظمة.

وللاسف فإن ما حدث يعني استمرار التراجع في الوضع العربي حتى على صعيد الامال والاهداف ، فقد كانت الانظمة والشعوب تتطلع في الخمسينات والستينات الى الوحدة العربية الشاملة ، اما في السبعينات فقد انتهى عهد التطلع للوحدة الشاملة، واصبح القادة العرب يتحدثون عن التضامن العربي، وبعد ذلك زاد الانحدار واقتصر الحديث عن التشاور العربي بما يتضمنه من مرارة وألم لأن التشاور يعني عدم استعداد هذه الانظمة لتحمل التزامات محددة تجاه القضايا المصيرية التي تواجهها الشعوب والدول العربية وان حال هذه الانظمة اصبح كحبات الرمل المستعصية على التماسك والاندماج.

ان الانظمة العربية مطالبة اليوم، اكثر من أي وقت مضى ، بمعاندة الولايات المتحدة الامريكية والتعامل معها كعدو ، خاصة وان الوقاحة الامريكية في التعامل مع الانظمة العربية وصلت حدا لا يطاق ، وبلغت درجة توجيه الاوامر العلنية.

فهي بشأن العراق تتبنى خطة لاسقاط النظام وتقسيم العراق ، وتعلن ذلك جهارا نهارا، وبشأن اجتماعات القمة العربية توجه الاوامر بعدم عقدها او بتحديد السقف الذي يجب ان تتوقف عنده بياناتها ، واذا استمر الحال ، فالله وحده الذي يعلم كيف ستتطور الامور ، والى أي حد ستصل الاوامر والطلبات الامريكية من الانظمة العربية.

وكذلك فإن الشعوب ، بقواها السياسية والاجتماعية والاقتصادية مطالبة بالتحرك والضغط على الانظمة لوقف الرهان على امريكا ومساعداتها ، والتحالف معها، والتحرك يجب ان يتركز ، قولا وفعلا، على خلق المصالح المشتركة بين الدول والشعوب العربية ، حتى تنصهر حبات الرمل وتتخلى عن قسوتها تجاه بعضها البعض لكي يتمكن ابناء الامة العربية من تكوين اجمل اشكال الوحدة والتلاحم الضرورين لاحداث النهضة والتقدم والانعتاق من كل اشكال التبعية والمراهنة والارتهان للاجنبي.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل