إستبدال ولي العهد في الأردن بين إلحاح أمريكا وحسابات الملك حسين الخاصة

 

العودة إلى صفحة الرسالة

خاص بالرسالة

كما هو الحال في جميع الدول الشمولية فإن عملية صنع القرار السياسي الوطني تتمحور حول رأس النظام، وهو فقط، بغض النظر عن المسألة التي بصددها هذا القرار. الاردن في ظل حكم الملك حسين لا يشذ عن هذه القاعدة، فهو لم ينتظر حتى مجرد الاختلاء بشقيقه وولي عهده حسن ليبلغه قراره بتنحيته من ولاية العهد وتنصيب احد ابنائه بدلا منه، ففي لمح البصر تحولت كل عبارات المديح التي كالها لاخيه على مسامع الشعب الاردني الى النقيض ، فالملك كان دائما ما يصف اخيه بأنه "تمرة العيد ، ومحل ثقتي" وغير ذلك من تلك الاوصاف التي تعكس التوافق الكبير بين الاثنين ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : ما الذي دفع حسين الى اتخاذ هذا القرار المفاجئ بعد ان ظل الحسن وليا للعهد اكثر من ثلاثين عاما؟؟ وما هي طبيعة الاعتبارات التي كانت وراء هذا القرار؟ وكيف تبدو صورة الاردن بعد هذه الخطوة؟

**الدور الامريكي

قبل عودة الملك الاردني الى بلاده حتى قبل الحديث عن نية الملك اجراء تغييرات في بلاده ، انفردت اسبوعية "الوطن العربي" الصادرة في باريس بنشر محضر لقاء تم في واشنطن بين الملك حسين وزوجته وقائد مخابراته من جهة وبين مسؤولين في الخارجية الامريكية وضباط كبار في وكالة الاستخبارات الامريكية المركزية ، وكان هذا الامر بمبادرة من الامريكيين وذلك للبت في مستقبل الاردن في عهد ما بعد حسين، وقد لفت المسؤولون الامريكيون انظار الملك الى حقيقة ان الامير حسن لاتتوافر فيه الصفات القيادية التي تؤهله لتولي دفة الامور خلفا للملك حسين ، فهو يفتقد القدرة على جذب الجماهير ، وهو تكنوقراطي ، ولا يحبذ ابتكار الحلول الوسط في علاقاته مع الحكومة والمؤسسات الاردنية ، كما ان وجوده في الظل الى جانب اخيه جعله مجرد لاعب ثانوي في صنع القرار الاردني. الولايات المتحدة التي تحركت على اعلى المستويات من اجل معالجة هذا الوضع تدرك ان نظام الملك حسين هو من اوثق حلفائها في العالم، وبالتالي فهي معنية ببقائه قويا وممسكا بالامور بقبضة حديدية ، لذا كان هذا التدخل الذي لم يلق معارضة من قبل الملك ، الذي يبدو انه يتفق مع التحليل الذي قدمه الامريكيون بخصوص اخيه، الامريكيون في المقابل اشاروا الى انه يجدر بالملك تنصيب احد ابنائه كوريث وقد اشاروا عليه بتنصيب الامير حمزة الذي يبلغ من العمر ثمانية عشر عاما ، وهو ابن الملكة نور، بالرغم من انه قد جرت العادة ان يتم اختيار ولي العهد من الذكور الذين ينجبون لامهات ذوات اصل عربي وهذا ليس الحال مع كل من حمزة او عبد الله اكبر ابناء الملك والذي وقع اختيار الملك عليه ليكون وليا للعهد.

**تجاوز الصلاحيات

لكن بما ان الحديث يدور حول حاكم عربي فان المصالح المحددة وليست دوما الموضوعية تلعب دورا في قراراته ، وكما رشح مما تناقلته وسائل الاعلام المستندة الى مصادر موثوقة في البلاط الملكي ، فإن الملك حسين قد اغاظته الصورة التي تصرف بها اخوه حسن اثناء فترة غيابه للعلاج في امريكا ، فحسب الملك حسين فقد تجاوز ولي عهده الحدود عندما تصرف كما لو كان ملكا واخذ يتصرف ضمن صلاحيات كانت حتى الان حكرا على الملك فقط ، مثل التدخل في القرارات الهامة للحكومة وفتح ملفات ساخنة وحساسة ، ولعل الذي اغاظ حسين بشكل خاص هو تحرك اخيه حسين ضد الفساد في المملكة ، وهذا فسره حسين على انه اتهام بأن عهده هو عهد فساد ، وهذا قد كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير.
كل الحديث عن ان تنحية ولي العهد ستتم عبر ما يعرف بـ "مجلس العائلة المالكة" كان مبالغا فيه ، وقد كان قرار الملك حسين الشخصي والشخصي فقط هو الحاسم في هذا المجال.

وحسب المصادر الاردنية فإن الملك سيعكف منذ الان على اعداد ابنه عبد الله الذي يبلغ من العمر 35 عاما لخلافته وسيزيد من مشاركته في اتخاذ القرار الخاص بالاردن ، وسيعمل على توسيع دائرة علاقاته مع كبار قادة الاجهزة الامنية وهي ضمان بقاء نظام الملك حسين، كما انه سيعمل على تعزيز اتصالاته مع قادة دول العالم سواء في العالم العربي اوالولايات المتحدة وبالطبع اسرائيل، التي حافظ الملك حسين وجده من قبله على علاقاته القوية معها حتى في الوقت الذي كان الاردن من ناحية رسمية في حالة حرب معها.

نقطة هامة جدا في هذا السياق وهو مستقبل العراق، والدور الاردني الذي تأمل الولايات المتحدة ان يقوم به نظام حسين، حيث ان الولايات المتحدة ستعمل على ان يلعب حسين دورا في محاولاتها اسقاط النظام العراقي، وقد قررت الادارة الامريكية رفع حجم مساعداتها للاردن ، ومن ناحية ثانية اقنعت الولايات المتحدة حكومة الكويت بالعفو عن الملك حسين نظرا لموقفه اثناء حرب الخليج والذي رفض ضرب العراق استجابة لمشاعر الشعب الاردني ، وتأمل الولايات المتحدة ان يكون وجود ولي عهد قوي وعادل حاسما في انجاح سياستها في المنطقة.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل