السودان يتحول سلمياً نحو التعددية

 

العودة إلى صفحة الرسالة

السودان يتحول سلمياً نحو التعددية من خلال الجدل الواعي والحوار الصريح وسيادة القانون والمطالبة بتحديد صلاحيات مؤسسات الحكم

تقرير خاص بالرسالة

تشهد بداية العشرية الثانية لحكومة الانقاذ في السودان انفتاحاً على المعارضة وتحولاً سلمياً نحو التعددية ، لكن الاحداث الاخيرة كشفت عن مجموعة من التحديات التي تواجه السودان شعباً وحكومة وتمثلت نقطة البداية في اعلان الحكومة قانون "التوالي السياسي" الذي يتيح المجال لعودة الاحزاب والتعددية السياسية في السودان ، وما تلاه من ردود فعل ومواجهات واعتراضات .

ويمكن اجمال التحديات التي يقف السوادنيون امامها اليوم في ثلاثة محاور رئيسية اولها الجدل الدائر في مؤسسات الحكم والحزب الحاكم حول تحديد وتعريف صلاحيات القادة والمؤسسات ، اما الثاني فيتمثل في استبشار واقبال بعض احزاب وتيارات المعارضة في الداخل للتسجيل كأحزاب رسمية وفق القانون الجديد ، لكن المواجهات بين المتظاهرين من احزاب المعارضة وقوات الامن السودانية اثارت تساؤلات حول هوامش الديمقراطية وحدود الحرية السياسية التي يتيحها العهد الجديد في السودان . اما المحور الثالث فهو تشكيك قيادات المعارضة في الخارج بجدية النوايا السودانية واعتبارهم ان ما يحدث ليس اكثر من تكتيك ، لكنهم مع ذلك يقرّون بحدوث تغيرات ايجابية من طرف الحكومة تجاه المعارضة .

** جدل علني حول صلاحيات القادة ومؤسسات الحكم

ينظر ايضاً الى الخلاف العلني والنقد الصريح الذي يمارس داخل الا حزاب لقادتها ، او من داخل الاحزاب الحاكمة لرؤساء الدول على انه مظهر من المظاهر الايجابية للديمقراطية الحديثة ، وفي احيان اخرى يستدل به على وجود خلافات وتصدعات داخل كيان هذه التحركات . وهذا ما حدث في السودان عندما طالب عشرة من كبار اعضاء المؤتمر الوطني"الحزب الحاكم" وهم وزراء ومسؤولون كبار في الدولة ، عندما طالب هؤلاء في مذكرة رفعوها لهيئة الشورى التابعة لحزب المؤتمر الوطني ، عرفت باسم "مذكرة العشرة" بتوسيع الشورى وتفعيل القيادة المؤسسية في التنظيم ، كما احتوت مذكرة العشرة تعديلات على النظام الاساسي للمؤتمر الوطني وهياكله القيادية على النحو التالي :ـ

* تكوين مكتب قيادي من 30 شخصاً يرأسه الفريق عمر البشير رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني على ان ينتخب 50% من اعضائه بواسطة هيئة الشورى .

*تقسيم هيئة الشورى الى لجان .

* اسقاط بعض الامانات مثل امانة الامن والدفاع .

وقد اثارت هذه المذكرة عاصفة من الخلافات وردود الفعل داخل المؤتمر الوطني وخارجه ، فمن داخل المؤتمر الوطني يرى محمد حسن الامين الذي يشغل منصب امين الدائرة السياسية ، ان المذكرة استهدفت تقليص صلاحيات الترابي وذلك عن طريق انتخاب الامين من قبل هيئة الشورى بدلاً من المؤتمر القومي ليسهل التغير في هذا الموقع مستقبلا ، وللتقليل من شأن من يتولاه ، ولينتخب من جهة ادنى بدلا من اكبر سلطة في حزب المؤتمر الوطني وهي هيئة المؤتمر القومي ، كما هدفت المذكرة الى ان تكون القيادة الفعلية للمؤتمر في مكتب قيادي جديد برئاسة البشير وليس الترابي .

** استقالة الترابي

وفي خضم التطورات ، ومع استعداد السودان للتقدم نحو العهد الجديد، واحياء للتنافس بين الاحزاب على التوالي السياسي اعلن الدكتور حسن الترابي استقالته من رئاسة البرلمان، وبرر استقالته بانه يريد التفرغ للمؤتمر الوطني من اجل بنائه لمواكبة المرحلة المقبلة ، لكن تقديم الاستقالة من قبل الترابي لم تتم الموافقة عليه من قبل البرلمان بسبب ما اثاره من طموحات لدى ممثلي المناطق والتيارات المختلفة في البرلمان لتولي الرئاسة ، وكذلك لأن الكثيرين لا زالوا يرون ان دور الترابي في البرلمان لم ينته بعد ، لذا بادر نائب رئيس البرلمان د. عبد العزيز شدو بترشيح الترابي لرئاسة البرلمان وثنّى الترشيح النائب محمد داوود الخليفة، ولم يتم ترشيح منافس للترابي ففاز بالتزكية.

**تسجيل الاحزاب المعارضة وبداية المواجهة والانشقاقات

قررت بعض التيارات المعارضة داخل السودان ان تستفيد من الاجواء السياسية التي اشعلها صدور الدستور وقانون التوالي السياسي، رغم تحفظها على الدستور والقانون ، وتعتقد هذه التيارات ان مرحلة الانتقال التي تمر بها الحركة الاسلامية الى شكل جديد من التنظيم هو "المؤتمر الوطني" والصعوبات التي تحيط بالحكم اقتصاديا وسياسيا ودوليا واقليميا دفعت الحكومة للانفتاح على المعارضة.

يشار الى ان قانون التوالي السياسي الذي دخل حيز التنفيذ مطلع العام الجاري ادى الى حدوث انشقاقات داخل احزاب المعارضة السودانية ، وقد زاد عدد الاحزاب المتقدمة بطلب تسجيل لمزاولة النشاط السياسي على 15 حزبا ، لكن احزاب المعارضة الكبرى ، مثل حزب الامة بزعامة الصادق المهدي ، والحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني رفضت هذا القانون واعتبرته غير ديمقراطي ، واحتجت على قيام منشقين عنها بتشكيل احزاب جديدة تحمل اسم الحزب الاصلي.

ورغم رفض المعارضة خاصة في الخارج للدستور والقانون الجديد الا انها تعترف بوجود انفتاح من قبل الحكومة على المعارضة ويؤكد ذلك الصادق المهدي بقوله "مؤكد انه يوجد هامش حرية اكبر الان ، فهناك اناس يأتون الينا هنا ويعودون ، في الماضي اذا جاء الينا احد ثم عاد كان يحاسب محاسبة عسيرة ، ولكن هذا لا يحدث حاليا ، والان تستمع اليّ وتكتب كلامي في كثير من الصحف السودانية ، اذاً هناك شكل اخر ، نتساءل معه عما اذا كان سيعطي هامش حرية نقتنع بوجوده ، لننقل عملنا الموجود اصلا بصفة ونظم استثنائية الى مستوى علني".

وينظر المراقبون الى التحرك المعارض في الداخل وازمة المعارضة الخارجية وخلافاتها وبداية اقتناعها بحدوث تغير على الارض ، ينظر المراقبون الى هذه الامور على انها بداية المواجهة السياسية بين الحكومة والمعارضة ، خاصة على ضوء المواجهات التي حدثت بين قوات الامن السودانية وبين متظاهرين من المعارضة ، ويستاءل المراقبون: هل ستنجح حكومة الانقاذ الوطني في ادارة المرحلة الجديدة في اطار الدستور والقانون بعيدا عن اللجوء الى القوة والعودة الى الحكم العسكري وقوانين الطوارئ؟.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل